- حكاية كلبة القايلة
أحد القصص الخيالية التي كان الأهالي يخوفون بها الصغار وهى لا تختلف عن القصص الأخرى التي تهدف إلى إشاعة جمّ من الخوف والرعب... فعندما يعجز الكبار عن تهدئة الصغار يلجئون إلى هذه الحكايات التي عادة ما يكون مفعولها مؤثرا لوضع حدا للمشاغبات الكثرة التي يمارسها الصغار. هكذا كان حال الأهالي في الماضي... يختارون أحد الشخصيات الخيالية التي أبدعتها مخيلتهم أو ربما ورثوها من الأقوام السابقة ويقومون بتركيب المواقف المخيفة حول هذه الشخصية... والصغار بطبيعتهم الطفلية يصدقون هذه الحكايات وتغدو مصدر رعب بالنسبة لعالمهم. ولقد تمّ استخلاص معنى كلبه القايلة من الكلاب الضالة السائبة التي كانت تدور في الأحياء الشعبية عند الظهيرة وقت اشتداد حرارة الشمس في الصيف... حيث يهرب الناس من لهيب الشمس إلى المنازل ويأخذون قسطا من الراحة. أما المعنى البعيد للحكاية فتصور إحدى العجائز الشريرات التي تقوم بسرقة الأطفال واقتيادهم إلى أمكنة مجهولة... فكلبة القايلة هي المرأة العجوز التي تصورها الحكايات دائما بالمكر والخديعة والشعوذة ويقول البعض أن كلبة القايلة ما هي إلا كناية عن الشمس الملتهبة... وفي كلتا الحالتين نجد أن الأطفال يتصورون الحكايات المخيفة بطريقة مختلفة جدا عن الكبار فمجرد سماعهم لكلمة جني أو ساحر فهي تثير مخيلتهم وتجعلهم يتصورون تلك الأشكال من خلال دواخلهم ونظرتهم إلى العالم.
9 - حكاية الخاروف المسلسل
إحدى الشخصيات الجنية المعروفة في القصص الخرافية... ويستوطن الخاروف المسلسل العيون ومناطق المياه العذبة وبعض المساجد القديمة التي تحول آبار المياه باستخدامه من أجل الوضوء والاغتسال... وليس مستغربا أن يكون الرجال هم الذين ابتعدوا فكرة الخاروف الجني لا يخوفه الصغار لمنعهم من الاغتراب من البئر العميق فربما يسقطون في الداخل أو يرمون بعض الحجارة مما يعكر عذوبة الماء.
وهناك أغنية شعبية يرددها الأطفال في ألعابهم ولهذه الأغنية علاقة كبيرة بالخاروف المسلسل وتقول كلمات الأغنية من غير الإشارة إلى الخاروف:
هدو المسلسل هدو
ترى هو ياكم هدو
كدر عشاكم هدو
يردد الأطفال هذه الأغنية وهم يمسكون بأحد الصبية وبعد الانتهاء من الأغنية يلحق الصبي بهم ويحاول الإمساك بأي طفل قريب منهم وتستمر اللعبة على نفس الطريقة كل مرة يقع الدور على إحدى المشاركين... وليس بمستبعد أن تتحول خرافة الخاروف المسلسل إلى لعبة للصغار فالأطفال بقدر ما يخافون من القصص المخيفة فإنهم أيضا يستمتعون بهذه القصص بالطريقة التي تناسبهم.
10 - حكاية بودرياه
أما ( بودرياه ) فقير أحد أبطال الجان الذين يسكنون في أعماق البحار... وهو جني أسود يثير الخوف - في النفوس من خلال شكل الممسوخ ، و ( بودرياه ) ينقرض دائما لسفن الغوص الراسية فوق مصائد اللؤلؤ ( الهيرات ) والغواصون هم الرواة الحقيقيون الذين يروون ويروجون خرافة بودرياه... وكلمة (بودرياه) كلمة أعجمية تعني (أبو البحر) ويتحدث الغواصون كثيرا عن هذا الجني ويعتبرون قصة بودرياه من أفضل القصص لتي يرددونها فوق اليابسة... والكل يحاول أن يضيفه على هذه الخرافة ما يحلو له من خيال وحوادث مخيفة... وفي عادة (بودرياه) كما يرون هؤلاء البحارة أن يرعب الغواصين على سطح السفينة بلونه الأسود وحركاته المفزعة... وهناك الكثير من البحارة الذين التقوا وجها لوجه مع (بودرياه) فعندما يخيم الليل يصعد إلى ظهر السفينة من مقدمتها ويبعثر الأدوات ويشرب الشاي والغليون... وحينما يشعر بوجود البحارة يهرب من مؤخرة السفينة... ويردد البحارة كلمة الحديد أو الجدوم... وهم يعتقدون بأن ذكر كلمة الحديد من شأنها إخافة (بودرياه) وتجعله لا يعود مرة أخرى. وجميع الجان كما يعتقد يهابون الحديد ويفرون منه في الحال.
وأخطر ما يقوم به بودرياه ضد سفن الغوص خاصة في الليل بأن يقوم بوضع (سراية) شعلة نار فوق رأسه ويسبح في الماء فتتبعه السفن فتظل طريقها وتصل إلى مسافات طويلة في عرض البحر بعيد عن مواقع (الهيرات).
الخاتمة
في الختام أود أن أشـير بأن الحكاية بشـكلٍ عام مهما كانت على درجة عالية من الأهمية، باعتبارها تمثل أحد أهم عناصر الموروث الشعبي، إلا أن هذا الجنس الأدبي الهام يعترض الاهتمام به العديد من الأشكال والمعوقات من أبرزها:
1 - عدم وجود المراكز البحثية المتخصصة والمهتمة بدراسة وتوثيق التراث الشعبي والمحافظة عليه من الاندثار والضياع، وأغلب الجهود المبذولة في الجمع والتوثيق هي جهود تتحرك بفعل الدافع الذاتي والاهتمام الفردي.
2 - أكبر مشكلة يقع فيها الكثير من الباحثين في جمعهم للحكاية الشعبية هو عدم معرفتهم التمييز بين أجناس الحكاية الشعبية، وصعوبة التصنيف بين لونٍ وآخر - وهناك خلط واضح بين الحكاية الخرافية والقصة الواقعية والسير الذاتية، وقصص الحيوان والنوادر والمعتقدات. ومن الضروري أن يتسـلح الباحث بمنهج علمي يساعده في عملية البحث والتوثيق. إضافة إلى التمرن باستعمال الفهارس المختصة بالحكاية الشعبية مثل فهرست الحكايات الشعبية للعالِم الفنلندي آرني A - Arne ، أو الاستعانة بغيره من التصنيفات العالمية المختصة بالحكاية الشعبية.
3 - العناية والاهتمام بالرواة الشـعبيين باعتبارهم كنوزا بشرية ينبغي توجيه الدعم والمساندة الدائمة لهم، وإعطاءهم الدور الذي يستحقونه، وإبرازهم إعلاميا، وتقديم المكافآت المجزية لهم ، إضافة إلى تشجيعهم على تدريب الجيل الحديث في التعامل مع الموروثات الإبداعية، وبالأخص عالم الحكايات الشـعبية.
4 - الاهتمام بإعداد الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع التراث الشعبي عن طريق إقامة الدورات التدريبية والملتقيات والورش التثقيفية، واستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في مجال المأثور الشعبي.
5 - تشجيع المؤسسات الرسمية التربوية على تضمين المناهج الدراسية بمواد تراثية، من أهمها الحكايات الشعبية في مراحل التعليم الأساسي. وقد بادرت بعض الدول العربية بإدخال بعض مواد التراث الشعبي ضمن المناهج الدراسية، لكن تلك المبادرات لا تزال في البدايات الأولى وتحتاج إلى المزيد من الدفع باتجاه تبني مواد الثقافة الشـعبية، واختيار الأصوب والأصلح منها في تعليم وتدريس النشء الحديث.
6 - والجانب الأكثر أهمية هو في تشجيع الأفراد والهيئات والمؤسسات حول كيفية توظيف الموروث التراثي والحكايات الشعبية في شـتى الفنون الإبداعية بحيث تشـمل فنون الدراما والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والفنون الخاصة بأدب الأطفال.
تمت المشاركة بهذه الورقة في ملتقى الحكاية الشعبية بإمارة الشارقة (17 - 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) .
العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ