حظي البرلمان، أكثر من سواه من مؤسسات مملكة البحرين بجل اهتمامات القوى السياسية من كل الفئات، بما فيها منظمات الحكم. وهذه ظاهرة صحية ومتوقعة، في دولة مثل البحرين، حيث يقطنها شعب متعطش للحرية، ويبحث عن أية قنوات تساعده على تنشق نسماتها، مهما بلغت تلك القنوات ضيقا بالمعنى الوظيفي، أو قصرا بالمعيار الزمني.
وفي خضم الانشغال بقضايا البرلمان وتشعباتها، ضاعت من تلك اللوحة صورة هيئة تشريعية أخرى هي الشورى، التي انفرد، حتى الآن، الحكم باختيار أعضائها، وتحديد مهامهم ومهامها في نطاق المساحة التي يبيحها الدستور.
من الضرورة بمكان، ونحن نضع مجلس الشورى تحت المجهر، أن نميز بين مرحلتين من حياة هذا المجلس، المرحلة الأولى التي سبقت تدشين المشروع الإصلاحي، حينما كانت البلاد برمتها، ومن بينها المجلس ذاته، تعيش تحت وطأة «قانون أمن الدولة»، وبالتالي كان المجلس وأعضاؤه، يعانون بشكل مباشر من عسف تلك القوانين، الأمر الذي جرد الشورى قسرا، من أي مظهر من مظاهر التشريع الحقيقي، دون أن يعني ذلك إجحاف حق، من حاولوا، وكانوا حالات استثنائية، توسيع ذلك الهامش الضيق المتاح كي يتجاوزوا، ولو بشكل بطيء ومحدود كل القيود الثقيلة التي كبل «قانون الدولة» مجلس الشورى بها. بدت صورة المجلس حينها قاتمة في عيون المواطن، الذي لم يكف عن التهكم عليه او الاستخفاف بأعماله.
المرحلة الثانية والتي نحن بصدد تسليط الأضواء عليها، وهي المرحلة التي نعيشها اليوم، وتبدأ يوم انطلاق المشروع الإصلاحي، حيث تحول مجلس الشورى إلى إحدى غرفتي المجلس الوطني، يعزز من موقفه أيضا الإطاحة بقانون أمن الدولة، يعضده في ذلك الكثير من مؤسسات المجتمع المدني، تتقدمها سلطة قضائية تحاول أن تسلخ عن جسدها جلد قوانين القمع التي كانت تُسيِّر آليات عملها.
واليوم هناك مجموعة من الأسباب تدفعنا لتناول أوضاع مجلس الشورى من زاوية مختلفة عن تلك السائدة في أذهان العديد من الأفراد، بل وحتى المؤسسات الضالعة في الحراك السياسي البحريني، والتي يمكن تحديد أهمها في النقاط الآتية:
1. الصورة المشوهة التي ترسخت في أذهان المواطن العادي حول مجلس الشورى، والموروثة من المرحلة الأولى، والتي وضعت ذلك المجلس في مصاف مؤسسات السلطة التنفيذية بشكل مطلق، ورفضت، وربما لأسباب منطقية في بداية تأسيس الشورى، التعامل معه من منطلقات إيجابية، معتبرة إياه كإحدى القنوات الناطقة باسم السلطة والمعبرة بشكل رسمي عن سياساتها، مسقطة من خلال هذا التصور المشوه أية إمكانية للتعاون المثمر معه، أو حتى مع أيٍّ من أعضائه؛ ما أفقد هذا المواطن وسيلة فعالة للتواصل مع السلطة القائمة، وأضاع عليه، جراء ذلك، فرصا كثيرة، كان بإمكانه، لو أحسن استخدامها أن تحقق له بعضا من مطالبه، معيشة كانت أم سياسية.
وبالقدر ذاته حرمت هذه الصورة المجلس ككل، وأعضاءه المخلصين على وجه الخصوص، من إمكانية الاحتكاك المباشر مع ذلك المواطن من أجل تلمس همومه، وتحسين أوضاعه، وصولا إلى حمايته والدفاع عن مصالحه.
2. الصورة الخاطئة التي رسمتها أطراف المعارضة لمجلس الشورى، حيث نظرت إليه كمساحة مسطحة، مرتبطة بشكل أو بآخر مع المؤسسة التنفيذية، ومن ثم غير قادرة، بغض النظر عن نوايا أعضاء الشورى، ومن وجهة نظر تلك المعارضة، على التخلص من براثن السلطة أو تجاوز الحدود التي ترسمها لها.
حالة الشك التي ولدها ذلك التصور، أفقدت المعارضة، والحديث هنا يتناول مرحلة ما بعد تدشين المشروع الإصلاحي، عضلات سياسية قوية لو أنها حرصت على تنميتها، لكان في وسعها أن تؤمن لنفسها رافدا إضافيا قويا يعزز من نضالاتها، ويضاعف من فرص تحقيق بعض المطالب، وخاصة ذات الطابع التشريعي، التي يصعب تحقيقها مباشرة من خلال النضالات الجماهيرية المرتكزة أساسا على اللجوء للشارع.
3. الدور غير الدقيق الذي أناط به الحكم مجلس الشورى، حيث جعله يبدو وكأنه يقف وراء متراس مواجه لمجلس النواب، واعتبره بمثابة صمام الأمان الذي يحد من تطرف المجلس النيابي، أو اللجام الذي يتحكم في فرسه عند جموحها.
ولذلك، وبدلا من تكامل غرفتي المجلس، وجدناهما تتناحران، ولأسباب، غير مفهومة أحيانا، وغير مبررة أحيانا أخرى. لقد وجد المجلس نفسه في مواقع المواجهة مع البرلمان وأطراف المعارضة خارجه، حتى قبل أن يبدأ أولى جلساته.
هذه الحالة غير الطبيعية، وغير الصحية التي واكبت الموقف من مجلس الشورى، ربما آن الأوان لتغييرها. والمسئولية هنا تقع على عاتق الطرفين، «الشورى» أولا الذي بات من الضروري أن يبادر إلى مد خطوط الحوار مع المعارضة، سياسية كانت أم مؤسسات مجتمع مدني، من أجل نسج علاقات من طراز مختلف نوعي معها.
أما بالنسبة للمعارضة، فلم يعد مقبولا منها أن تهمل هذه القناة، مهما كان ضيق حيز الحركة البعيدة عن الحكم الذي تتمتع به.
ندعو إلى هذا اللقاء دون أن تحكمنا أية أوهام تقوم على أحلام وردية غير واقعية ترى في الشورى مؤسسة معارضة راديكالية قادرة على فك قيودها والتمرد على واقعها في فترة قصيرة. وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضة التي لا ينبغي أن نطالبها بإسقاط شكوكها، وشحن قواها بشحنة تفاؤل غير واقعية.
المطلوب فقط هو شعور كليهما بحاجته للآخر، وجدوى التأسيس لعلاقة عمل سياسي مشترك يضع في أولويات جدول أعماله، أو برنامج عمله السياسي مصلحة المواطن البحريني وهمومه. حينها ستتغير الصورة وتتطور العلاقة الإيجابية نحو الأمام، وهو ما ينبغي أن يسعى له الطرفان.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2679 - الثلثاء 05 يناير 2010م الموافق 19 محرم 1431هـ