في مساء اليوم الأخير من مؤتمر القمة، استقبل وكيل وزارة الإعلام الكويتي في بيته مجموعة من الصحافيين من لبنان والبحرين وعُمان والأردن ومصر، حيث استهله بالتنويه بدور الصحافة والإعلام في نشر الوعي والثقافة وإيصال الحقائق للرأي العام.
بعض الزملاء استغل الفرصة ليطرح سؤالا يردّده الكثيرون في العالم العربي، وهو عن السر الكويتي في التعامل مع «الرأي الآخر»، وما تسبّبه «الديمقراطية» وحرية التعبير من «وجع رأس»، نظرا لما يتابعونه من أداءٍ في البرلمان، ومن حرية واسعة في الصحافة، دون أن يضيق بها صدر الحكم.
الوكيل كان واضحا وواقعيا في إجابته حين قال: «الأفضل لي أن أقرأ الرأي الآخر بدل أن أمنعه، فيصل إلى الناس عبر قنوات أخرى». ورفع هاتفه النقّال ولوّح به قائلا: «وحتى لو منعته فسوف يصل عبر الإنترنت، بل سيصلني حتى عبر هذا الموبايل»!
وأضاف بفخر: «لدينا سقف حرية عالٍ في الصحافة، وقد حققنا المركز الأول في حرية الصحافة على مستوى الشرق الأوسط. الديمقراطية لها سلبياتها وإيجابياتها، وعليك أن تقبلها بحلوها ومرها».
كان ذلك في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، وفي الفترة نفسها، كانت وزارة الإعلام لدينا مشغولة بتدشين حملةٍ لإغلاق مجموعةٍ من المواقع الإلكترونية. ولأن كل الأعين في البحرين مفتوحة على الآخر، وكل شيء مسيّس، سرعان ما انكشف أن الحملة لم تكن شاملة لجميع المواقع «المشبوهة»!
إحدى الظواهر اللافتة في هذا البلد الصغير، أن لكل مدينةٍ وقريةٍ موقعا أو منتدى أو ملتقى أو حواريات، وأحيانا لكل منطقةٍ أكثر من موقع إلكتروني، تعبّر عن تجمعات شبابية صغيرة. هذه المواقع ربما تمثّل طلائع صحافة المستقبل، في أبسط صورها، بينما يناقش العالم الغربي اليوم فكرة «الصحافة الشعبية»، حيث يتولى الناس نشر الأخبار والتقارير والآراء وبثها في الفضاء الإلكتروني المفتوح.
هذا الفضاء المفتوح، وفي الدول المتقدمة، لم يتم وضع قوانين للحد والمنع فيما عدا المواقع الإباحية والمتاجرة بالبشر، فالأصل هو البراءة وحرية التعبير، وليس تعميم المنع وكبت الآراء وملاحقة الناس ومعاقبتهم على آرائهم ونواياهم.
وطبعا من أجل تمرير اللقمة، كان لابد من خلط الحابل بالنابل، والمواقع الحوارية والمنتديات بالمواقع الإباحية... فهذه تبرّر تلك. ولكن العارفين بالأمور يقولون إن نسبة الوصول إلى الإنترنت في البحرين هي من بين النسب الأعلى في العالم، وخصوصا بين الشباب والناشئة، وكل عملية منع، تعقبها زيادة كبيرة في معدل الدخول على المواقع المحجوبة. والأهم هو تشخيصهم للقضية: هناك إعلامٌ رسميٌ ضعيفٌ وباهتٌ، لا يمتلك القدرة على الإقناع ولا استقطاب الجمهور، وعاجز عن إيصال الرؤية الرسمية للمشاهدين. ومع وجود سقفٍ يحكم الإعلام المقروء (الصحافة)، يأتي «الإعلام الشعبي» ليغطّي ما يعجز عنه الإعلام الآخر، وخصوصا لما يتمتع به من سرعة وتدفّق معلومات وسقف عالٍ، وهو ما يعوّض أحيانا جانب ضعف الدقة والصدقية.
البعض يقرأ القرار في إطارٍ أكبر، على خلفية التراجعات التي رصدتها بعض التقارير المحايدة، في مجال الحقوق والحريات العامة وحرية التعبير. وقرار المنع الذي وصفه الحقوقي العربي المعروف هيثم منّاع بأنه «خطوة متخلفة تعود إلى العصور الوسطى»، يتطلب التذكير بالحكمة الكويتية: «علينا أن نقبل الديمقراطية بحلوها ومرها، فالرأي الآخر الذي نمنعه سيصلنا على الموبايل»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ