العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ

أما آن للتجار أن يتحركوا؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

البحرين مهددة بانفجار جديد... الاحتقان السياسي يقترب من ذروته... وأدلى الكل، ممن لهم بشكل أو بآخر بالعمل السياسي بدلوه. فئة واحدة لها ثقلها في هذا المجتمع، وفي ساحة عمله السياسي لايزال صوتها لم يصل إلى المواطن الذي يتلهف لسماع ذلك الصوت لما له من أهمية وثقل. تلك هي فئة التجار.

ولعل البعض منا يتساءل لماذا التجار؟ وما علاقة تجار البحرين بالسياسة؟ ويمضي البعض في تهميش دور التجار، بقصد أو بغير قصد، كي ينتهي به الأمر إلى القول بأن ليس هناك للتجار ما يمكن أن يقولوه، فما بالك بأن يقوموا به.

يغالط من يأخذ بهذا القول نفسه، ويتجنى على التاريخ وعلى التجار أنفسهم. ولكي ندلل على ذلك، ينبغي أن نتفق على أن العمل السياسي، بمفهومه الشامل الواسع لا يقتصر على الانخراط في الأحزاب أو القوى السياسية أو الانتماء لأحدها فحسب، إذ إن مروحة العمل السياسي أوسع نطاقا وطيف ألوانه أكثر تنوعا. وعلى رغم ذلك فالتاريخ يشهد لتجار البحرين بانخراطهم المباشر في العمل السياسي سواء في العشرينيات من القرن الماضي، أو في الثلاثينيات، ولاحقا في الخمسينيات. ربما تراجعت مشاركتهم المباشرة في الصراع السياسي في البحرين منذ الخمسينيات، وذلك بفعل عوامل كثيرة من بين أهمها تراجع ثقلهم الاقتصادي من جهة، وتنامي ثقل الدولة المالي، جراء اكتشاف النفط وإزدياد حضور مداخيله في الحركة المالية والاقتصادية في البلاد من جهة ثانية، وهي ظاهرة عمت الدول العربية المصدرة للنفط، باستثناء الكويت التي شكلت أوضاع تجارها حالة خاصة يصعب تعميمها على المنطقة.

تراجع هذا الدور لا يعني بأي شكل من الأشكال انتفائه او استحالته، وخصوصا عندما تتغير الظروف وتصبح الأوضاع ملائمة، كما هي الحال اليوم في البحرين، كي يمارس التجار الدور الذي يتناسب وثقلهم الاقتصادي والاجتماعي في آن. إن الحديث عن دور سياسي للتجار لاينبغي قراءته على أنه تقليل من أو نفي لدور الطبقات الأخرى، وفي مقدمتها الطبقة الوسطى التي دأبت بتحالفها مع الفئات الفقيرة على تقديم الكثير من التضحيات وعلى وجه الخصوص في الخمسين سنة الماضية.

الأمر الذي يدعونا لمناشدة التجار بالتحرك وولوج الساحة السياسية يعود إلى أسباب كثيرة من أهمها:

- تفاقم الصراع السياسي الذي يكاد أن يبلغ قمته، وتحول الحوار بين القوى المتصارعة إلى ما يشبه الحوار بين الطرشان. الكل يحدد مواقفه من دون أن يستمع أو أن يأبه لما يقوله الآخر. ولهذه الحالة ما يفسرها، فهناك اليوم ما يشبه «انعدام الثقة» بين الدولة والمعارضة، وكل طرف منها يعتقد أنه منح الطرف الآخر الفرصة التي يستحقها، لكن رد الطرف الآخر على ذلك كان سلبيا. ليس الغرض من الإشارة إلى ذلك البحث عن الأسباب، بالقدر الذي أردنا فيه أن نشخص الحالة من دون الخوض في مصادر تمظهرها.

- الحاجة الملحة جراء تردي الأوضاع الاقتصادية، والتجار من أكثر الفئات، نسبيا، تضررا منها، الأمر الذي يجعل مصالحهم المباشرة مهددة بالمزيد من التدهور في حال استمرار الأزمة الاقتصادية، وتزامنها مع أزمة سياسية مفتوحة يصعب التكهن بنهايات غير محزنة لها.

- تضييع الفرصة على الفئات التي لها مصلحة مباشرة في تغييب التجار عن الساحة السياسية، أو تهميش دورهم فيها. إذ إن مشاركة التجار في العمل السياسي سترتبط مباشرة بالأوضاع الاقتصادية والمالية، أكثر من سواهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، التي لاينبغي أيضا أن نقلل من أهمية دورها، الأمر الذي يقود بشكل تلقائي إلى توسيع هامش مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في الحياة السياسية، ومن ثم توسيع مشاركتها في صنع القرارات المؤسسة لمجتمع مدني أكثر ديمقراطية.

- القطاع التجاري، وأقوى شاهد على ذلك، مجلس إدارة الغرفة، أكثر مؤسسات المجتمع المدني عراقة في ممارسة الديمقراطية، وأكثرها حرصا على تجسيد التعايش السياسي بين أطراف قد تكون متصارعة في مؤسسات أخرى، وهذا يؤهله لأن يكون فوق الصراعات وبعيدا عن الخلافات اليومية الصغيرة التي تخفي عن العين الصورة الاستراتيجية الأكثر شمولية.

ولعل السؤال كيف في وسع التجار أن يتحركوا كي يدلوا بدلوهم؟

هناك مجالات واسعة بوسع التجار أن يتحركوا من خلالها، ولعل أهمها واكثرها تأثيرا هو غرفة تجارة وصناعة البحرين. في وسع الغرفة، بل وربما من واجبها، أن تدعو إلى مؤتمر مصالحة وطني، وإن كان الوقت مبكرا أو أن الظروف لم تنضج بعد لمثل هذه الدعوة، فبوسعها أن تدعو للقاء بين فصائل المعارضة كي تنسق فيما بينها أو تقلص الفجوة التي شقتها الأحداث الأخيرة. جدول أعمال هذه اللقاء التصالحي هو من شأن الغرفة والقوى التي ستتعاون معها من أجل التحضير لهذا اللقاء الوطني الكبير.

ليس هناك أي سبب يبرر عدم أخذ التجار زمام المبادرة، ليس من منطلق أن الآخرين قد فشلوا، بقدر ما هو جهد آخر لتلك الجهود التي حالت ظروف موضوعية دون وصول مركب العلاقات السياسية البحرينية بين القوى المتصارعة إلى بر الأمان.

أما ضمان نجاح مبادرة التجار، فمن الخطأ أن تأتي ضمانات النجاح على حساب المحاولة، فالعمل السياسي ليس عملية حسابية مباشرة سهلة معروف عواملها، إنها معادلة معقدة يحتل طرفيها الكثير من المتغيرات التي بحاجة إلى من يتدخل كي تحكم فيها من أجل أن تاتي نهايتها لصالح المجتمع والقوى الحريصة على تطوره واستتباب الأمن فوق ربوعه وبين قواه الاجتماعية المختلفة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً