يمكن للسلام أن يؤدي في «إسرائيل» وفلسطين (كما في كشمير، سريلانكا، دارفور...) إلى مزايا هائلة، أما الحرب فإنها لا تؤدي إلا إلى خسائر بشرية ومالية ضخمة. وعلى رغم كل هذا، لا يبدو أن هناك حلا في الأفق، كما أن الوضعية ظلت «جامدة» منذ زمن طويل. فالسبب يرجع إلى كون الأطراف الفاعلة في مثل هده الصراعات تعتقد أن الخسائر التي تنجم عن مواجهة تحديات الوضع القائم تتجاوز الأرباح التي يمكن الحصول عليها بعد إنهاء النزاع (سواء عن طريق انتصار عسكري، أو عن طريق مفاوضات للسلام).
هذا النوع من التحليلات الذي يعتمد على قياس الكلفة والربح يمكن أن يفسر السبب الذي جعل الرئيس جورج بوش ومحيطه يقررون بعد 11 سبتمبر/ أيلول عدم تخصيص الوقت والموارد البشرية من أجل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد كانوا متأكدين من الفرضية (أو الوهم) القائلة بأن تشجيع «أجندة الحرية» سيخلق الظروف المناسبة لحل هذا الصراع.
لقد كان يقال «إن طريق القدس يمر عبر بغداد». فظل الاعتقاد السائد بين مستشاري بوش أن ما هو جيد لأميركا فهو جيد لـ «إسرائيل» (والعكس صحيح). بالنسبة لهم فإن سلاما على الطريقة الأميركية في المنطقة قد يرجح كفة تل أبيب في ميزان القوى. ترجيح سيدفع بالفلسطينيين إلى القبول بتوافق قد يخدم مصالح الإسرائيليين.
ومن هذا المنطلق لم يكن هناك داعٍ لتسخير الرأس مال الدبلوماسي لواشنطن من أجل الضغط على حليف استراتيجي في «الحرب على الإرهاب» كـ «إسرائيل» من جهة، ومن جهة ثانية من أجل تخفيف الضغط على القادة الفلسطينيين وقبول القيام بتنازلات.
بدل ذلك فضلت واشنطن ترك المشكلة الفلسطينية جانبا، وفي الوقت نفسه حاولت إعادة تشكيل الشرق الأوسط باستعمال القوة. وفي المقابل، وبتنحيتها للمشكلة الفلسطينية من أجل مواجهة ما تسميه التهديد «الإسلاموي الفاشي»، اتبعت إدارة بوش سياسات غالبا ما أدت إلى تأجيج الصراعات بين «إسرائيل» والدول العربية.
وحاولت هذه الإدارة دحض «إسرائيل» عن الاستمرار في التفاوض مع سورية (دولة تصنف في «محور الشر») بوساطة تركية. كما منحتها الضوء الأخضر لتهاجم حزب الله في لبنان مما نتج عنه مأزق استراتيجي لم يرجح بكل تأكيد كفة التحالف الأميركي الإسرائيلي في ميزان القوى. وقد اصطدمت أجندة الحرية للرئيس بوش بالواقع المرير الذي خلفه فوز حماس في فلسطين وتقوية إيران وحلفائها في المنطقة. وحتى في ظل وجود إدارة أميركية مقتنعة بضرورة إيجاد حل لهذا الصراع، فهي سترى أنه من شبه المستحيل التحرك في اتجاه توافق في وقت أصبحت فيه القيادة السياسية ضعيفة في الجانبين.
وعلى رغم الكثير من المؤشرات التي تدل على احتمال توافق الطرفين على بعض النقاط مثل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وعلى الحدود الإسرائيلية الفلسطينية فإنه لم تظهر هناك أية بوادر للتقارب بين الجانبين بشأن جوهر المشاكل الوجودية التي تفرق بينهم، مثل مآل القدس وحق العودة بالنسبة إلى لاجئي العام 1947.
وفي الوقت نفسه يبدو أن الكثير من الملاحظين العارفين بحقائق الميدان الذين كانوا يسخرون من التصميمات الكبرى لبوش والمحافظين الجدد بشأن تحويل العراق وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، انضموا إلى صفوف المتفائلين الذين يضعون في باراك أوباما آمالهم لإعادة السلام إلى الأرض المقدسة.
بالنسبة لهم، فإن الرئيس أوباما سيقوم بالإجراءات الضرورية لإصلاح الروابط مع الشرق الأوسط وذلك بسحب القوات الأميركية من العراق وفتح الحوار الدبلوماسي مع إيران.
إذا، وبعد تقويته لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن أوباما سيصبح في وضعية تسمح له بنهج استراتيجية تبادر بقوة نحو إعادة الروابط بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبالطبع، فإن ما يستطيع الرئيس الأميركي القيام به في السياسة الخارجية سيرتبط بشكل كبير بقدرة إدارته على السيطرة على الانكماش الأميركي والعالمي. لأن عودة ركود كبير قد يضعف من احتمال حدوث تحرك دبلوماسي أو عسكري أميركي. أما إذا ظهر أن مواجهة الانكماش أسهل من المتوقع، فان إدارة أوباما قد تبادر إلى الدخول في أجندة أكثر طموحا في الشرق الأوسط، أجندة تسرع الانسحاب من العراق في إطار جهوي عام قد يضم إيران.
دفعة دبلوماسية كهذه، وفي بيئة جهوية مستقرة قد تؤدي إلى انطلاقة جديدة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. لكن على أوباما ومستشاريه أن يزيدوا من ضغطهم على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل الحصول على اتفاق يحوي تنازلات؛ تنازلات يرى الجانبان لحد الآن أنه لم يحن الوقت للقيام بها. إيجاد حل لهذه المشاكل الوجودية قد يكون طبعا أصعب مما كان عليه الأمر العام 2000 (إبان مفاوضات كامب ديفيد 2).
في جميع الأحوال، يجب على إدارة أوباما أن تعترف أنه في أحسن السيناريوهات ستضل هناك صعوبات جمة لجلب وتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. لذلك فإن خلق الولايات المتحدة لاعتقاد مفاده أن لديها سلطة معنوية وقدرة على فرض السلام في المنطقة، سيجعلها تصنع آمالا غير واقعية ومن الصعب تحقيقها. بل إن الأسوأ من ذلك هو أن تكرار الفشل قد يؤدي إلى تصعيد ردود الفعل العنيفة المعادية لأميركا التي تزيد من حدة الضغط على واشنطن.
يجب على الولايات المتحدة أن تصبح أكثر استعدادا للعمل مع فاعلين دوليين آخرين من أجل إيجاد حل لمعضلة الشرق الأوسط. لكن السلام لن يحدث إلا إذا كانت «إسرائيل» وفلسطين على استعداد له. فإذا توفرت للطرفين إرادة حقيقية لتحقيق السلام، حتى وإن كان هشا، فيمكن لهما عندئذ التقدم بهذا المسلسل مع أو من دون تدخل أميركي لأنهما فقط المسئولتان عن الفشل.
* محلل سياسي لدى معهد كيتو، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 2679 - الثلثاء 05 يناير 2010م الموافق 19 محرم 1431هـ
امبله
هذا اوباما بن لادن اكبر مجرم شهده التاريخ
سنداوي
وهل هناك امل بأن يتوب ابليس؟
يمكن
ادا حجت البقر علي قرونها