يتميز مؤشر التنمية البشرية عن العديد من المؤشرات الاقتصادية باعتماده على ثلاثة متغيرات عند تقييمه للدول. وهذه المتغيرات هي: أولا، العمر المتوقع عند الولادة، وثانيا نسبة المتعلمين، وثالثا نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ويوفر تقرير التنمية البشرية للعام 2008 والذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إحصاءات بخصوص 177 بلدا في العالم أي العدد نفسه للبلدان المشمولة في التقرير السابق.
أفضل النتائج
في التفاصيل، حافظت أيسلندا على زعامتها العالمية لمؤشر التنمية البشرية، لكن يخشى أن تتسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية على المكانة الاقتصادية لأيسلندا وترتيبها على المؤشر في السنوات القادمة. فقد بلغت الأزمة مرحلة دقيقة بإيحاء الحكومة باحتمال إعلان إفلاسها بسبب وجود صعوبة في دفع رواتب موظفي القطاع العام. كما دخلت بريطانيا على الخط بنعتها السلطات الأيسلندية بعدم الحرفية في التعامل مع الأزمة المالية العالمية. ويعود التشدد البريطاني إلى فشل أيسلندا في تأمين الودائع المصرفية، إذ يعود جانب منها للمودعين البريطانيين. بدوره، قام صندوق النقد الدولي بمنح أيسلندا قرضا بشروط ميسرة بقيمة ملياري دولار لمساعدتها في الخروج من الأزمة المالية.
وجاء ترتيب الدول الأخرى على قائمة أفضل 10 دول في العالم على النحو الآتي: النرويج، كندا، أستراليا، أيرلندا، هولندا، السويد، اليابان، لوكسمبورغ وسويسرا. بدورها، حلت بروناي في المرتبة 27 عالميا أي الأفضل بين الدول الإسلامية. كما نالت اليابان شرف المرتبة الأولى على قارة آسيا.
الكويت الأولى عربيا
نجحت دول مجلس التعاون الخليجي الست في تحسين ترتيبها في تقرير التنمية البشرية للعام 2008 مقارنة مع 2007 لكن بنسب متفاوتة. وقد حافظت الكويت على المرتبة الأولى بين الدول الخليجية (والعربية) بعد أن حلت في المرتبة رقم 29 على مستوى العالم، ما يعني تحسين ترتيبها 4 مراتب. وبدورها، نالت الإمارات المرتبة رقم 31 دوليا، ما يعني تقدمها 8 مراتب. كما حلت قطر في المرتبة 34 دوليا بتقدمها مرتبة واحدة. وعلى هذا الأساس، تأخرت قطر لصالح الإمارات فيما يخص الترتيب على المستويين الخليجي والعربي.
بدورها، تقدمت البحرين 9 مراتب في تقرير العام 2008 وعليه حلت في المرتبة 32 دوليا (تعتبر البحرين الأكثر تقدما بين دول مجلس التعاون في التقرير الأخير). كما تقدمت عمان 5 مراتب إلى المرتبة 53 عالميا. أيضا واصلت السعودية مسلسل تقدمها حيث حلت في المرتبة 55 دوليا، ما يعني تقدمها 6 مراتب. وكانت السعودية تقدمت 15 مرتبة في تقرير 2007.
تباين النتائج
وتشير الإحصاءات إلى وجود تفاوت واضح فيما يخص أداء دول مجلس التعاون على المعايير الثلاثة؛ فأفضل متوسط للعمر هو من نصيب الفرد في الإمارات حيث يبلغ (78.5 سنة). وبلغ متوسط العمر في البحرين 75.5 سنة أي المرتبة رقم 44 عالميا. وبخصوص المتغير الثاني، تتربع الكويت على معيار التعليم، إذ تبلغ نسبة المتعلمين فيها (93.3 في المئة). بالمقابل، تبلغ نسبة المتعلمين في البحرين 88.3 في المئة، ما يعني أن الأمية منتشرة بين أقل من 11 في المئة من السكان.
وفيما يخص المتغير الثالث ألا وهو الدخل بحسب مفهوم القوة الشرائية فيعتبر نصيب الفرد في قطر (نحو 73 ألف دولار في السنة) ثاني أعلى مستوى دخل دوليا بعد لوكسمبورغ. ويبلغ متوسط دخل الفرد في البحرين 34516 دولارا استنادا لمبدأ القوة الشرائية (أي 13407 دنانير سنويا أو 1087 دينارا شهريا).
عودة لقطر، يعدُّ تميزها شهادة دولية على نجاح السلطات القطرية في توظيف مقدرات البلاد بطريقة صحيحة تنعكس بشكل واضح وجلي على مستوى الدخل. وكانت قطر قد قامت في العقد الماضي بدعوة الشركات الدولية العاملة في مجال الطاقة إلى المساهمة في تطوير صناعة الغاز. وقررت السلطات القطرية الذهاب للأسواق الدولية للحصول على التمويل اللازم لتطوير قطاع الغاز برمته. وخير دليل على نجاح هذه السياسة الاقتصادية هو تربع قطر على قائمة أكبر المصدرين للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم. وربما تتمكن قطر من تعزيز ترتيبها في السنوات القادمة بعد أن تحصي نتائج الاستثمار على قطاع التعليم بعد تأسيس المدينة التعليمية.
الإنسان محور التنمية
لا تعاني العديد من الدول الأوروبية فضلا عن أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية من مشكلة الأمية كلية. من جهة أخرى، يعيش الفرد في اليابان أكثر من غيره في العالم حيث يزيد في المتوسط عن 82 سنة. أما بخصوص دخل الفرد، فيحصل الفرد في لوكسمبورغ على متوسط دخل سنوي يفوق 77 ألف دولار. وكما أسلفنا، تأتي قطر في المرتبة الثانية عالميا بمتوسط دخل سنوي يقترب من 73 ألف دولار.
وتؤكد العديد من الدراسات أن العنصر البشري يمثل حجر الزاوية في العملية التنموية برمتها. فلا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية بمعزل عن التنمية البشرية. ثم ما جدوى حدوث نمو اقتصادي في بلد ما إذا لم يتمكن الإنسان من الاستفادة الفعلية من النماء الاقتصادي. ومن الضرورة بمكان أن تنعكس نتائج البرامج الاقتصادية على مستوى التنمية البشرية. والمؤكد أن التنمية لا تقاس بعدد ناطحات السحاب في بلد ما، إذ ربما اقتصرت الفائدة على نفر قليل. فليس من المناسب أن تكون هناك دولة غنية مقابل شعب فقير.
في المحصلة، لم تتمكن غالبية الدول الخليجية والعربية من إحراز مراتب متقدمة في تقرير التنمية البشرية للعام 2008. ونالت الكويت المرتبة 29 دوليا، ما يعني نجاح 28 بلدا في العالم في تحقيق مراتب أعلى من أفضل دولة خليجية وعربية في مجال التنمية البشرية. المطلوب من دول مجلس التعاون تعزيز حجم الأموال المخصصة لقطاعي التعليم والصحة، بل من شأن متغيري التعليم والصحة تحسين مستويات الدخل وبالتالي استمرار دول مجلس التعاون بالتقدم على مؤشر التنمية البشرية.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ