تحدثنا في مقالنا السابق عن طبيعة هيكلة المؤسسات الرسمية المنوط بها مسئولية إصلاح سوق العمل وعن دور كل من وزارة العمل وتمكين والجهات الأخرى المنبثقة عن قانون إصلاح سوق العمل في تحقيق أهداف الإصلاح ومن أهمها جعل المواطن الخيار المفضل للتوظيف في القطاع الخاص.
كما تحدثنا عن نتائج الدراسة التي أجرتها إحدى الشركات الاستشارية بتكليف من تمكين والتي خلصت إلى أن العمالة الأجنبية قد استحوذت على أغلب الوظائف ذات الدخل المرتفع في القطاع الخاص مما يعني ضرورة مراجعة سياسة وآليات التدريب وتبني سياسات وآليات أكثر فاعلية كما سنرى فيما بعد.
كما تطرقنا إلى التداخل في المسئولية بين العمل وتمكين وخاصة في مشروع توظيف الجامعيين، حيث تحتفظ كل منهما بقوائم وإحصائيات مختلفة عن أعداد العاطلين، كقائمة 1912 الخاصة بتمكين وقائمة 3600 الخاصة بالعمل، وحيث ترى تمكين وفقا لإستراتيجيتها المعلن عنها أن نطاق مسئوليتها أشمل ويتعدى توظيف العاطلين ليشمل مهمة دعم مؤسسات القطاع الخاص وضمان جزء من قروض الشركات الأجنبية من أجل المساهمة في خلق فرص عمل جديدة من المفترض أن يذهب جلها لصالح المواطنين. ولتحقيق هذه الأهداف خصصت ميزانية بلغت 52 مليون دينار سنويا.
ويتضح لنا من هذا العرض أن تمكين جهة مستقلة ماليا وإداريا، وهي تتقاسم مع وزارة العمل مسئولية تحقيق هدف مشترك وهو جعل المواطن الخيار الأفضل. ومن أجل ذلك هناك تنسيق بين الجهتين تطرق له وزير العمل في إحدى تصريحاته الصحافية. إلا أن هذا التنسيق، بالرغم من أهميته، ليس بإمكانه حل إشكالية التداخل والازدواجية بصورة تساعد على جعل التنسيق المشترك منهجية تدفع باتجاه تحقيق الهدف. فعندما توكل مهمة واحدة الى جهتين مستقلتين ومنفصلتين من الطبيعي أن تكون لكل جهة سياساتها وأساليب عملها المختلفة. لهذا السبب أشارت إحدى الصحف المحلية إلى تردُّد تمكين في البداية عن دعم مشروع تأهيل وتوظيف الجامعيين بسبب ارتباطها بمشاريع خاصة بها خصصت لها كل ميزانيتها، إلا أنه نظرا لأهمية المشروع على المستوى الوطني وبدعم ومباركة من القيادة السياسية أخذت وزارة العمل من أخذ زمام المبادرة لتنفيذه بالتعاون مع تمكين التي تملك مصادر التمويل.
إن تمكين تلبس قبعتين في آن واحد. ففي الوقت الذي ترى نفسها ممولا للمشاريع لمسئوليتها عن إدارة رسوم المبالغ المحصلة من سوق العمل فإنها معنية أيضا بالعملية الإدارية من خلال تنفيذ برامج تتعلق بتدريب القوى العاملة. من هنا تتداخل مسئولياتها مع تلك المهام التي تنفذها وزارة العمل.
وهذه الازدواجية والتداخل لا تقتصر على التوجهات ورسم السياسات وتحديد الأولويات بل تنعكس كذلك على أساليب العمل وآلياته. ففي حين تتوجه وزارة العمل إلى التواصل مع الباحث عن العمل بطريقة مباشرة من خلال إنشاء مراكز للتحليل الوظيفي، تتواصل تمكين مع الموظفين في مؤسسات القطاع الخاص لزيادة تأهيلهم، ومع الباحثين عن عمل ثانيا وذلك من خلال شركات وسيطة في الغالب وفقا لتعاقدات مالية تشمل، إلى جانب مهمة إلحاق العاطل بالعمل، مسئولية إجراء الدراسات والبحوث عن سوق العمالة الوطنية. وبالطبع فإن لهذا النوع من التواصل، رغم أهميته، ثمنه الباهظ المتمثل في امتصاص جزء لا يستهان به من المصادر المالية في مهمات ذات صلة غير مباشرة بالتوظيف والتأهيل الفعلي للمواطن، مما يثير عددا من التساؤلات حول الجدوى والعائد لهذه السياسات والآليات المتبعة. من جهة أخرى فإن تكليف شركات وسيطة للتنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص لإلحاق العاطلين بها وذلك قي غياب آلية متفق عليها للتدريب والتأهيل والإحلال كما سنرى لاحقا يجعل كثيرا من هذه الجهود وكأنها تدور في حلقة مفرغة لكون التأهيل لا يتحقق خارج المنهجية المتعارف عليها لإدارة المصادر البشرية.
لقد أوضحت الشركة الاستشارية التي أشرنا إليها في مقدمة هذا المقال إلى أن غالبية الوظائف الجديدة ذات العائد المرتفع تذهب لصالح العمالة الوافدة، والسبب الرئيسي لهذه الظاهرة المزمنة في رأينا هو القصور الواضح في إدراك للمنهجية والآلية المتعلقة بوظيفة إدارة المصادر البشرية في كثير من مؤسسات القطاع الخاص وفي المنهجية المتبعة من قبل الجهات الرسمية المسئولة عن تأهيل المواطن وتمكينه من الوصول إلى الوظائف ذات العوائد المرتفعة. ولمزيد من التوضيح لابد من إلقاء نظرة على الوظيفة المتكاملة لإدارة الموارد البشرية كما هي مطبقة في الدول المتقدمة وفي الشركات الكبرى في مملكة البحرين.
التوظيف recruitment وفقا لمفهوم وإجراءات إدارة المصادر البشرية يعني البحث عن شخص لشغل وظيفة شاغرة. وهذه المهمة تختلف عن مهمة وضع الشخص على العمل والتي يطلق عليها staffing والمقصود بها متابعة مسار الموظف وتدرجه في وظائف ذات مسئوليات أعلى وفقا لخطة التطوير المهنيcareer development plan التي يضعها أخصائيو التدريب، والتي تستند على برنامج لتوصيف الوظائف يشرف عليه أخصائيو التصنيف الوظيفي بالتعاون مع المشرف المباشر للموظف ضمن برنامج يطلق عليه التدرج إلى الأعلى mobility upward والذي من خلاله نضمن نقل المعرفة للمواطن وتمكينه من الوصول إلى الوظائف ذات العائد المرتفع التي يهيمن عليها الأجانب في الوقت الحاضر.
إن الغرض من هذا العرض السريع هو توضيح طبيعة التكامل بين عناصر إدارة الموارد البشرية اللازم لنقل الخبرة والمعرفة والتي من خلالها يصبح الشخص مرغوبا ومفضلا في سوق العمل، وهو الهدف الذي نص عليه القانون وتسعى الأجهزة المسئولة إلى تحقيقه.
على هذا الأساس فإن توفر البنية التحتية لإدارة المصادر البشرية شرط ضروري لتدريب وتأهيل القوى العاملة الوطنية، وفي غياب هذه المنهجية تتبعثر الجهود والمصادر المالية في ما يشبه بتمارين المحاولة والخطأ، وهو ما لا تقوى سوق العمل على تحمله. لهذه الأسباب تصبح المسئولية كبيرة على تمكين لمساعدة مؤسسات القطاع الخاص على إنشاء بناها التحتية المتخصصة في إدارة وتأهيل مصادرها البشرية على العمل وخارجه.
إن الحاجة لتأهيل المواطن بأسلوب أكثر فاعلية يفرضها علينا الوضع القائم، كما تفرضها احتياجات التنمية المستقبلية والتي قدرتها دراسة الشركة الاستشارية بما يفوق الثلاثين ألف وظيفة للأعوام القادمة في مختلف القطاعات الاقتصادية كالقطاع الصحي ممثلا في مهنة الطب والتمريض، والوظائف المساعدة، وقطاع الإنشاءات والكهرباء ممثلا في وظائف الهندسة والوظائف الفنية المساعدة، والقطاع المصرفي ممثلا في وظائف التحليل المالي والإدارة المالية والمحاسبة، وقطاع تكنولوجيا المعلومات بمختلف وظائفه.
وإذا أخذنا في الحسبان أن أغلب الوظائف الأساسية في هذه القطاعات يهيمن الأجانب عليها في الوقت الحاضر فإن عدم استدراك الوضع الآن سيجعل الوظائف المستجدة أيضا من نصيب العمالة الوافدة. وعلينا أن نتصور الآثار السلبية لوضع كهذا على مجمل الاقتصاد الوطني سواء بالنسبة للتحويلات المالية إلى خارج الوطن أو بالنسبة لتدني المستوى المعيشي للمواطن عندما لا يحصل من الوظائف المستحدثة إلا أدناها وأقلها أجرا.
إن النتائج الأولية لمشروع إصلاح سوق العمل تبرز الحاجة إلى وقفة لتقييم ومراجعة آليات العمل المتبعة وخاصة تلك المتعلقة بالتدريب ووضع المواطن على العمل. فعندما تطال البطالة مخرجات التعليم العالي، ويتبدد حلم جعل المواطن الخيار المفضل، فإن العمل وفقا لمنهجية ناجحة ومجربة تصبح حاجة لابد منها.
كما إن التداخل الحاصل في المسئوليات وتعدد الأجهزة الرسمية يدعونا لإعادة النظر في الهيكلة القائمة من أجل ترشيد استخدام وتخصيص الموارد وتحديد المسئوليات بصورة دقيقة تساهم في تحقيق الهدف، وفي عملية التقييم والمحاسبة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2678 - الإثنين 04 يناير 2010م الموافق 18 محرم 1431هـ
قصدك ضاع العاطلون بين كاني وماني
ما سمعت الخير اللي بجريدتكم اليوم عن توظيف 1000 أجنبي بوظائف ذات دخل مرتفع
أما العميل وتمكين فلا تمكن المواطنين الفقارة إلا من الوظائف الدنيا
تمكله( اضغاث احلام
الجامعيين وزارة العمل تعرض عليهم وظائف في جسميز ونقليات الوردي والفرج
هذه هي المشاريع
سقت ورقه التوت
انا جامعي وعمري 25 وسنتين بدون وظيفه ومتخرج من جامعتنا الحبيبه الوطنيه
لقد عانينا من السهر والدراسة حتى نحصل على وظيفه تليق بدراستنا لكن للاسف لا شي
فيا اخي الكريم احبك في الله استق معلوماتك من اهل الشأن وهم الجامعيين فسوف يشيب شعرك من الهموم وجمبزه وكذب وزارة العمل وتمكين
وتمكين بعد صرف الملايين لم يصبح البحريني الخيار المفضل
اضغاث احلام
اخي الكريم
بالنسبه لمقالك رائع لكن يا اخي الكريم تمكين لم تعطي وزارة العمل التمويل الا بغظ من جهات علياء
ومشروع المتاجره بالجامعيين لا زال مستمرا مثل القمار
الوزارات يتم توظيف الفاشلين والساقطين والراسبين في المدارس في احسن الوظائف وبدون شهادات ولا خبره ولا شي
واصحاب المؤهلات والخبرات والدراسين والتاعبين في بيوتهم مقهورين
مفارقه عجيبه صراحة