عند سؤالهم عما ينتظر باكستان في العام 2010 يرد الخبراء والمواطنون العاديون بنفس الإجابة التي تتمثل في تناثر مزيد من الدماء في الشوارع وانفجار مزيد من القنابل لتسوى المباني بالأرض ووقوع مزيد من مذابح الإسلاميين في المساجد والمدارس وهي نفس المشاهد المتكررة في العام 2009 الذي أوشك على الانتهاء.
ولا يمكن التنبؤ بحدوث كثير من الراحة للدولة المسلمة وعدد سكانها 160 مليون نسمة ويعصف بها العنف في الشهور المقبلة خاصة عندما ترسم الولايات المتحدة بشكل متزايد باكستان باعتبارها المركز الرئيسي الجديد لتنظيم «القاعدة» و بالتالي ساحة معركة جديدة.
وفي إعلانه للسياسة المعدلة لمواجهة التمرد المسلح المتنامي في أفغانستان مطلع ديسمبر/
كانون الأول الماضي قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن المخاطر تزايدت في باكستان حيث يسعى « تنظيم القاعدة و المتطرفون الآخرون» إلى امتلاك أسلحة نووية.
وبعد أيام قليلة من خطاب أوباما الذي لم يذكر فيه أية خطة محددة للتعامل مع التهديدات التي تواجه باكستان أفاد مسئولون أميركيون رفضوا ذكر أسمائهم لصحيفة « نيويورك تايمز» أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سمح بهدوء بتوسيع حربه السرية في باكستان. وانتهجت السلطات الباكستانية لهجة متشككة.
ويتهكم منتقدون على إستراتيجية الولايات المتحدة بشأن ( أفغانستان باكستان) باعتبارها « كميات كبيرة جدا من الورق كتبها خبراء يجلسون على مكاتبهم» تحتوي على مصطلحات منمقة وعلمية ولكنها تفتقد إلى المعرفة والفهم للوضع المحلي وهو العجز الذي جعل « الأميركيين على حافة الهزيمة في أفغانستان».
وترى السلطات الباكستانية أن توسيع نطاق الحرب ربما يعقد حربها ضد العنف في المناطق المضطربة التي كانت خالية في الماضي من العنف الإسلامي وأصبحت متفجرة حاليا. وربما يزيد توسيع الحرب في الواقع عنف المسلحين.
وأفاد مركز مكافحة الإرهاب بجنوب آسيا ومقره الهند بمقتل 2080 مدنيا على الأقل و 968 من أفراد الأمن في أعمال عنف إرهابية في العام 2009.
وقال مسئول في وزارة الخارجية الباكستانية : «نحن نحارب المسلحين ولكن على طريقتنا» مستشهدا بهجومين «ناجحين» شنتهما باكستان ضد طالبان في العام 2008.
وتحرك الآلاف من القوات البرية إلى وادي سوات في شمال غرب باكستان وسبع مناطق مجاورة منه في أبريل/ نيسان 2008 للمشاركة فيما وصفه مسئولون أمنيون بأنها واحدة من أشرس المعارك التي خاضتها قواتهم حتى الآن على أراضيها.
واستعادت القوات الحكومية الباكستانية السيطرة على المنطقة بعد نحو 10 أسابيع وخسرت 550 جنديا وضابطا بينما قضت على نحو ألفين من مقاتلي مليشيات»طالبان».
وفي عملية ثانية جرت في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول تكبد نحو 30 ألف جندي.
خسائر قليلة نسبيا (قتل حوالى 70 جنديا) وأجبروا حوالى 10 ألاف من مقاتلي «طالبان» للفرار إلى الجبال أو المناطق المجاورة لمعقل المسلحين في وزيرستان الجنوبية إحدى المقاطعات السبع للأقاليم القبلية.
وتفيد الإحصاءات بأن باكستان قتلت ما إجماله 7762 شخصا يشتبه أنهم مسلحون في 11 شهرا حتى نوفمبر الماضي في حملتها الواسعة عبر البلاد حسب بيانات جمعها مركز مكافحة الإرهاب بجنوب آسيا.
وقال المحلل العسكري و القائد الأمني السابق في مناطق باكستان القبلية محمود شاه حيث سيطر المسلحون على مساحة كبيرة من الأراضي : «بلغ العنف ذروته هذا العام وبنفس المستوى جاء رد باكستان... وعارض معظم الباكستانيين على مدى سنوات استخدام القوة ضد طالبان و ( الشبكة الإرهابية) لتنظيم القاعدة لأنهم يتبعون نفس عقيدتنا».
وأضاف «ولكن الرأي العام تحول بشكل حاد ضد المسلحين مطلع هذا العام بعد تنفيذ تفجيرات انتحارية دون تمييز أسفرت عن مقتل نساء أبرياء وأطفال و مسنين».
ورغم أن واشنطن وعواصم غربية أخرى أشادت بالهجمات الباكستانية إلا أنها تعتبر مكاسب إسلام آباد طفيفة وبطيئة للغاية في ضوء حقيقة أن تلك الهجمات تستهدف أساسا عناصر «طالبان» الذين يشكلون خطرا وخصوصا لباكستان.
ويواصل العديد من عناصر طالبان «الطيبيين» مقارنة بـ «الأشرار» الذين يستهدفون الباكستانيين الاستفادة من اتفاقيات السلام مع الحكومة الباكستانية والجيش وذلك كي يستهدفوا القوات الدولية عبر الحدود في أفغانستان.
وشدد مسئول في وزارة الخارجية الباكستانية رفض ذكر اسمه على أن « نحن نتحرك رويدا رويدا ونقوم بشكل محدد بداية بالقضاء على العناصر التي تشكل تهديدا لأمننا الداخلي».
وأضاف «ولكن نخطط أيضا « للتحرك» ضد الذين يشكلون تهديدا للأمن الإقليمي... إذا فتحنا العديد من الجبهات في الوقت نفسه نواجه خطر الخسارة على كل الجبهات».
ويأمل المحلل محمود شاه بأن تتمكن باكستان من إنهاء معظم المهمة ضد المسلحين بحلول منتصف العام 2010 إذا اعتمدت الولايات المتحدة على باكستان وتجنبت الكثير من التدخل.
وقال: «إذا كان يوجد بعض الارتباك بشأن «طالبان» و»القاعدة» فقد تبدد الارتباك حاليا. الجميع يعرف أنه لا يمكن التحدث معهم».
وحذر «ولكن إذا واصل الأميركيون التدخل فإن هذا البلد في طريقه ليشهد مزيدا من إراقة الدماء وقليلا من النجاح» وأضاف أن القوى الغربية يجب أن تركز أكثر على أفغانستان والتخلي عن أخطائها السابقة التي أحدثت عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها».
العدد 2677 - الأحد 03 يناير 2010م الموافق 17 محرم 1431هـ