في اجتماع ترأسه شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، أعلن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، بعد حوارات ساخنة أدت إلى ما يشبه الانقسام بين أعضائه الـ 25 بشأن الموقف من بناء مصر لجدار عازل على حدودها مع قطاع غزة، «تأييده للجدار الفولاذي الذي تقيمه الحكومة المصرية تحت الأرض لمنع، (ما وصفه) بالتهريب إلى قطاع غزة المحاصر».
واستند أعضاء المجمع الـ 25، في قرارهم المؤيد هذا إلى «حق الدولة في أن تقيم على أرضها من المنشآت والسدود ما يصون أمنها وحدودها وحقوقها».
ولم يتوقف المجمع عند هذا الحد، بل ذهب إلى درجة اتهام «الذين يعارضون بناء هذا الجدار بمخالفة ما أمرت به الشريعة الإسلامية».
من جانب آخر وعلى نحو مواز، أشار الرئيس المصري حسني مبارك، في كلمة ألقاها بمناسبة حلول السنتين الهجرية والميلادية، إلى أن مصر «ستتخذ كل ما يلزم من أجل الحفاظ على أمنها القومي وحدود البلاد وأرضها وسيادتها، ومن أجل الحفاظ على أمن واستقرار الوطن وأمان أبنائه»، في تلميح مبطن إلى حق مصر في بناء ذلك الجدار، الذي وضعته حكومة الرئيس المصرية في مصاف الإجراءات «الضرورية» للدفاع عن الأمن الوطني.
في البدء لابد من التأكيد على أنه من الناحية القانونية والسيادية المجردة ليس من حق أية جهة ما التدخل في ما تتخذه مصر من إجراءات تعتقد أنها تساهم في الدفاع عن حدودها أو تعزيز الأمن فوق أراضيها. وفي السياق ذاته لابد من الإشارة إلى صعوبة الجزم بأن الأنفاق التي سيسدها الجدار، بشكل أو بآخر، لم يتخذ منها البعض، بمن فيهم الفلسطينيون أنفسهم، قنوات لتسهيل عمليات تهريب تجارية، وأخرى غير قانونية، ليست ذات علاقة بحل المشكلات المعيشية لأهل غزة، أو المساهمة في نضالات الشعب الفلسطيني. لكنها جميعا لا تبرر بناء الجدار الذي مهما بلغت إيجابياته في الدفاع عن الأمن المصري والحد من عمليات التهريب، تبقى أضراره السياسية السلبية على تطور ملفات القضية متفوقة بما لا يقاس على تلك الإيجابيات.
ولعل أول تلك السلبيات هي المساهمة بدرجة كبيرة في إضفاء الشرعية على الجدار الأمني الآخر الذي بنته «إسرائيل» في الأراضي المحتلة في مطلع هذا القرن، عندما تنامت أنشطة الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000، وفشلت الأساليب القمعية الإسرائيلية المباشرة في الحد من أنشطتها، فلم تجد «إسرائيل» أمامها وسيلة أفضل من بناء ذلك الساتر الحديدي.
وكانت حجة «إسرائيل» حينها في بناء ذلك الحاجز، الذي كان يخترق العديد من النقاط إلى داخل الضفة، «منع الانتحاريين الفلسطينيين من دخول اسرائيل».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم «الجدار العازل» ليس بالشيء الجديد في الفكر الصهيوني، وتنغرس جذوره عميقة في أذهان مؤسسي الدولة العبرانية من أمثال بن غوريون، وبدأت طلائع تنفيذه على يد موشي شاحال، عند ما تقلد منصب وزير الشرطة مطلع العام 1994. لكن حجر أساس خطة بنائه الحقيقية وضعت في العام 2002، وكان ذلك على يد رئيس وزراء «إسرائيل» حينها أرييل شارون الذي وضع هذه الخطة قيد التنفيذ، إثر انهزام عملية ما عرف حينها أيضا بعملية «السور الواقي»، والتي فشلت، وباعتراف الجميع في «القضاء على البنى التحتية للمقاومة، وبعد تمكن الأخيرة من ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي ردا على تلك العملية».
وإلى جانب أهدافه الأمنية، فقد ساهم جدار العزل الإسرائيلي، كما نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية في تحويل «حياة نحو 300 من سكان نزلة أبو نار قرب طولكرم وآلاف آخرين من الفلسطينيين إلى جحيم». وأدى في الوقت ذاته، إلى أن تصادر «إسرائيل 10 % من أراضي الضفة الغربية بينها 15 ألف هكتار في الشمال فقط». يضاف إلى ذلك تمزيقه الجغرافي لأراضي الضفة الغربية، مما يحول دون إقامة دولة فلسطينية التي أقرت بها المواثيق الدولية التي أعقبت اتفاقية أوسلو. وهو ما اعترف به الرئيس الأميركي السابق جورج بوش «الذي اعتبر الجدار الأمني الذي تبنيه إسرائيل مخترقا أراضي الضفة الغربية بأنه مشكلة؛ لأنه سيجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية بجوار الدولة اليهودية».
وسبق بوش إلى ذلك المتحدث باسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر، الذي، بعد أن أبدى قلق الولايات المتحدة «من أن يزيد الجدار من صعوبة الحياة بالنسبة للفلسطينيين العاديين في الوقت الذي يتعين فيه على إسرائيل إزالة العوائق التي تحد من حركتهم»، أكد في مؤتمر صحافي «أن قضية الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستعيش معها جنبا إلى جنب في المستقبل هي قضية يتعين حلها من خلال المفاوضات... عارضنا على الدوام المحاولات التي تجرى من جانب واحد للوصول إلى قرار في هذه القضايا».
وعلى الصعيد العربي هاجم الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الجدار واتهم «إسرائيل بممارسة العنصرية بدلا من إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية».
ومنذ العام 2003، شنت ضد «الجدار الإسرائيلي» الكثير من حملات الشجب المطالبة بوقف بنائه وهد ما أنجز منه، سوية مع حملات التضامن المؤيدة لنضالات الشعب الفلسطيني، رافضة كل الادعاءات «الإسرائيلية» المدعية بأن البناء جاء تلبية لاحتياجاتها الأمنية، وهو ما نتوقعه أيضا للموقف المتوقع من تلك المؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان، والمنددة بالانتهاكات لها، بغض النظر عن أشكالها.
الخطير في الأمر فيما يتعلق بالجدار المصري هو أن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم اليوم، محاصرين، فعليا وسياسيا، بين جدارين، الأول منهما «إسرائيلي»، والثاني منهما مصري، وعلى الشعب الفلسطيني أن يتحمل الضغوط التي سيمارسها عليه فكَّا الكسارة الأمنيين، المصري من الشرق، والإسرائيلي من الغرب، هذا إذا حصرنا الضغوط في نطاق الجدارين فقط.
ليس المطلوب من الجهات الرسمية المصرية أن تضحي بأمنها، وسيادة أراضيها، التي لا نعتقد أن الجدار الجديد سيكون قادرا على حمايتها، فهناك الكثير من الإجراءات التي يمكنها تحقيق ذلك دون أن تكون على حساب مسيرة النضال الفلسطيني، الذي هو أحوج ما يكون إلى فتح ثغرة في جدار «الأمن الإسرائيلي»، بدلا من جدران جديدة، لكن هذه المرة تحت أعلام عربية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2676 - السبت 02 يناير 2010م الموافق 16 محرم 1431هـ
طوبى لهم
يا بخت من جمع جدارين , أو يا بخت من جمع سيفين على رقبة طفل واحد.