اليوم يلتقي أبناء جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد»، يتقدم صفوفهم «كهولها» في مؤتمرهم الذي من المتوقع أن تنصب نقاشاته حول مسألة باتت من أهم القضايا إثارة للنقاش في صفوف «وعد»، وهي الموقف من الانتخابات. نأمل أن تشهد قاعة جمعية المهندسين، حيث يعقد المؤتمر حوارات هادئة، ومسؤولة، وغير متشنجة، يحكمها أساسا في خضم اشتعال حرارتها، الحرص على وحدة «وعد» وتماسك صفوفها من جهة، ووصول المؤتمر إلى القرار الصحيح المسنود بإستراتيجية واضحة من أجل تنفيذ ما سوف يتمخض عنه المؤتمر من قرارات وتوصيات من جهة ثانية. لكن بعيدا عن ذلك «الأمل»، ربما آن الأوان كي يغادر متصدرو الاتجاهين: المشارك والمعارض متاريسهم، ويحاول كل منهم، وهو يشحذ أسنّة رماح أسلحته الفكرية لتعزيز دعوته، أن يرسم السيناريو الذي يتوقعه لما يبشر به.
دعاة المشاركة سيجدون أنفسهم أمام احتمالين: الأول هو فشل أي من مرشحيهم في الوصول إلى قبة البرلمان، وهو احتمال قائم، ولا ينبغي التقليل من ارتفاع نسبة وقوعه. حينها تتلاشى الفروقات بين المقاطعين والمشاركين، حتى وإن نفى المقاطعون هذا التطابق في محاولتهم لتمييز خطهم، ولن يجد الطرفان، وبشكل مشترك، أمامهما من طريق سوى العودة إلى قواعدهم من أجل مواصلة العمل في إطار مؤسسات المجتمع المدني، ومنظمات «وعد» الأخرى بمختلف تلاوينها. الثاني وصول أحد أو بعض مرشحي «وعد» إلى قبة البرلمان، ورغم ضآلة نسبة هذا الاحتمال، لكن من الخطأ استبعاده كلية. إذا ما نحجت «وعد» في تحقيق ذلك، فمن الطبيعي حينها أن تتضاعف الأعباء النضالية على «وعد» التي ستجد نفسها «كتنظيم»، مطالبة بالإضافة إلى، مسؤولياتها الأخرى، تحمل أعباء نضالية كبيرة ومتشعبة، قد تكتشف «وعد» أن خبرتها في هذا المجال ما تزال غضة العود، وأنها، أي «وعد» بحاجة، ليس إلى بذل المزيد الكمي من الجهود، كي يتسنى لها ممارسة الدور الريادي المطلوب منها، بل أن تكون قادرة على اكتساب مهارات نوعية من طراز مختلف يساعد أعضاءها الفائزين على الأداء البرلماني المتميز، ناهيك عن احتياجها إلى إعادة النظر في قنوات التشبيك السياسي التي يحتاجها العمل البرلماني، وهي مختلفة كمّا ونوعا، وأكثر تعقيدا، عن تلك التي تحت تصرف «وعد» اليوم. قضية مهمة ينبغي أن يراعيها من يدعون للمشاركة، هي أن احتمالات فوزهم تتضاءل كثيرا فيما لو خاضت «وعد» الانتخابات بشكل منفرد، رافضة الصيغة - المعرفة بـ «ال» - ، وليست أي صيغة، التحالفية الراقية الإستراتيجية المطلوب نسجها مع مختلف أطراف اتجاه التيار الوطني الديمقراطي، بغض النظر عن المساحة التي يحتلونها في خارطة موازين القوى الانتخابية. فليس هناك ما يبرر تفرد «وعد» ، ودخولها حلبة الانتخابات معزولة عن ذلك التيار. وكلمة حق تقال هنا هي أن المواطن البحريني، الحريص على نجاح هذا التيار، قد سئم كل التبريرات التي تطرحها قوى هذا التيار، ومن بينهم «وعد»، حول الأسباب التي تعيق قيام مثل هذا التحالف الإستراتيجي. على قوى هذا التيار أن تنظر، وبمسؤولية نحو المستقبل، وأن تغادر، ومن منطلقات صادقة، متاريس الخلافات الموروثة من تاريخ النضال خلال مرحلة «قانون أمن الدولة». لابد للمنادين بالدعوة للمشاركة أن يرسموا، من الآن وبدقة متناهية، الإطار العام الحاضن للتفاصيل الدقيقة للمسار الذي سيسلكونه عند مواجهتهم هذين الاحتمالين، كي لا تتحول المشاركة هدفا في حد ذاتها.
على الداعين للمشاركة أن لا يقعوا في شرك «الدعايات الانتخابية» التي غالبا ما تضيء برامج المترشجين، والتي يتحول بموجبها ضمان الوصول إلى المقعد البرلماني المثير هدفا في حد ذاته، أو التركيز على الخدمات اليومية التي تتحول، رويدا رويدا إلى مهمة يتيمة يهدر فيها المرشح الفائز جهوده. إذ على نواب «التحالف الديمقراطي» في حال نجاحهم، ممارسة مسؤولياتهم النيابية عبر القنوات الثلاث: التشريعية والرقابية والدفاعية عن حقوق المواطنين. ومن خلال هذا التناغم المطلوب بين تلك القنوات، وعن طريق تعزيز دور منظمات المجتمع المدني، التي لا ينبغي أن يقود الفوز في الانتخابات إلى تهميش دورها، يمكننا أن نستقرئ قدرة نواب ذلك التيار على الأخذ بيد البرلمان، وانتشاله من دوره الخدماتي الذي هو عليه اليوم، إلى مسؤولياته الرقابية والتشريعية التي تتزاوج بشكل راقٍ مع الدفاع عن المواطنين وحماية حقوقهم، بما فيها حقوقهم المعيشية. ومحصلة كل ذلك انتعاش ذلك التيار، وزيادة حضوره في الساحة السياسية، دون التفريط في أي من المطالب الوطنية العليا وفي مقدمتها إصلاح الدستور، وتطوير مواده كي تؤهل البحرين للانتقال إلى مصافّ الممالك الدستورية المتطورة.
السيناريو الثاني المحتمل هو خروج المؤتمر بقرار المقاطعة، حينها على «وعد» أن تهيئ نفسها لأربع سنوات سياسية عجاف، مهما حاولت أن تجاهد كي تعوض ذلك بتكثيف جهودها في مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، فهي في نهاية الأمر أقفلت، وبقرار ذاتي محض لم يجبرها أحد من خارجها على اتخاذه، من أمامها بوابة واسعة قادرة على ولوجها نحو جماهيرها المتعطشة لتعزيز حضور ممثلي التيار الوطني الديمقراطي، ومن بينهم ممثلو «وعد». هذا من جانب، ومن جانب آخر، وهو الأكثر خطورة، وهي أنها، وبقرار ذاتي أيضا، أرغمت الجماهير المتوجهة نحو صناديق الاقتراع على أن تجد نفسها أمام خيار ضيق، مهما تعددت ألوانه واختلفت أشكاله، وتباينت برامجه. ولا ينبغي أن تلغي «وعد» من حساباتها أنها وفي حال خروج المؤتمر بقرار المقاطعة، تحرم نفسها، أخلاقيا على الأقل، من حقها في محاسبة ذلك البرلمان. فأيّ مواطن من حقه حينها، وعندما تنتقد «وعد» أداء البرلمان أن يواجهها بالسؤال التالي: من الذي منعك من المشاركة، والوقوف على قارعة الطريق متفرجة؟ على من يرفع راية المقاطعة أن يرى الساحة السياسية بعد أربع سنوات من الآن، وليس قبل ما يزيد على ربع قرن من هذه المرحلة، وأن يحاول وبتجرد تشخيص مسار الحركة السياسية المقبلة، عوضا عن التمسك بذيولها المدبرة.
بقيت ملاحظة مهمة لابد من التأكيد عليها، هنا، وهي أنه، وبغض النظر عن النتائج التي سيخرج بها المؤتمر، مقاطعة كانت أم مشاركة، فعلى قادة التيارين أن ينزعوا من ذهنيتهم ذلك المدخل الانهزامي الذي بدأ يتغلغل في صفوف «وعد»، وهو فيروس جديد نأمل أن تبادر «وعد» وفي هذه المرحلة المبكرة من انتشاره في صفوفها كي تستأصله. فليس أخطر على تنظيم سياسي من ولوجه معاركه الإستراتيجية محكوما بنفسية منكسرة تفقده الحماس المطلوب للقيادة والمبادرة، والأخذ بسياسة الهجوم، عوضا عن الوقوع أسيرة في قيود تلك النزعة الانهزامية القاتلة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2675 - الجمعة 01 يناير 2010م الموافق 15 محرم 1431هـ