العدد 2675 - الجمعة 01 يناير 2010م الموافق 15 محرم 1431هـ

معادلة أس x أس تنتج حكومة توافقية في لبنان (2 - 2)

أحمد سلمان النصوح comments [at] alwasatnews.com

في العام 1990م احتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين دولة الكويت حينها حصل تحالف عربي بقيادة أميركا لإخراج جيوش صدام حسين من دولة الكويت، حيث شارك الجيش السوري والمصري بقوات رمزية في تلك العملية مما دفع أميركا الى السماح للجيش السوري المتواجد في لبنان أن يزحف على المقر الرئاسي اللبناني في بعبدا ويحتله وقام (العماد ميشل عون) بالهروب إلى السفارة الفرنسية في بيروت وبعدها غادر إلى فرنسا، حيث عاش هناك أكثر من (15 عاما).

كذلك في العام 1990م عقد اجتماع في المملكة العربية السعودية في مدينة الطائف (حيث سمي المؤتمر بمؤتمر الطائف) الذي وضع حدا للحرب الأهلية في لبنان وأسس توافقا لبنانيا على التواجد العسكري السوري في ذلك البلد، لذلك تم بعدها تشكيل حكومة لبنانية بالتوافق فيما بين الأحزاب القائمة مثل حزب الكتائب بزعامة أمين الجميل، والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، والحزب السوري القومي بزعامة علي قانصوه، وحزب حركة أمل بزعامة نبيه بري، وحزب الوطنيين الأحرار بزعامة سليمان فرنجيه وحزب إيهام وهان، والحزب الشيوعي بزعامة خالد حدادين، وحزب معروف سعد وحزب الله بزعامة السيد حسن نصرالله وسارت الأمور لغاية العام 2000م.

بتاريخ 25/5/2000م تم تحرير الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني بقيادة حزب الله وجرت احتفالات حضرها جميع أركان الحكم في لبنان وحشد من الجماهير اللبنانية، وتم تشكيل حكومة لبنانية يكون حزب الله ممثلا فيها بوزيرين، في نفس العام أي العام 2000م وصل إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض المتشددون الجدد بقيادة الثلاثي (جورج بوش الأبن، ديك شيني، ودونالد رامسفيلد)، بعدها بعام واحد أي في تاريخ 11/9/2001م حصل الهجوم على مركز التجارة العالمي في مدينة نيويوريك ومبنى البنتاغون الأميركي من قبل اتباع القاعدة بالطائرات المدنية المستأجرة وقتل الكثير من الأميركان وغيرهم من الأبرياء وتهدمت تلك الأبراج.

بعدها تغيرت السياسة الخارجية للدولة العظمى الوحيدة في العالم (أميركا)، حيث قرر الرئيس الأميركي أن العالم يجب أن يقسم إلى قسمين إما معنا أوضدنا، وخلال تلك اللحظة، حيث تم بث لقطات لارتطام تلك الطائرات بأبراج نيويورك والبنتاغون مما جعل العالم يتعاطف مع محنة أميركا مما شجع تلك الإدارة الأميركية المتشددة في واشنطن على القيام بأعمال عسكرية كبيرة في العالم، مثل القيام بغزو أفغانستان واحتلالها وتخليصها من قوات طالبان المتعصبة بمساعدة من تحالف الشمال بقيادة اتباع (أحمد شاه مسعود)، بعدها قامت قواته أي الرئيس الأميركي المتشدد جورج بوش باحتلال العراق واسقاط نظام صدام حسين، ما شنج الوضع برمته في منطقة الشرق الأوسط وتغيرت معها بعض المعادلات القائمة.

في العام 2005م حدث الانفجار الرهيب الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الحريري بعدها أصرت أميركا وفرنسا على خروج الجيش السوري من لبنان (الذي كان يحتفظ بما مجموعه 35 ألف جندي وعسكري)، وحصل هذا فعلا حيث سحبت سوريا وبشكل تدريجي كل قواتها من لبنان رغم أن تواجدها كلفها أكثر من 13000 شهيد خلال محاولتها إخماد الحرب الأهلية التي امتدت من العام 1975م لغاية 1990م.

نعتقد أنه لولا الجيش السوري وتضحيته لكانت الحرب الأهلية في لبنان مازالت قائمة، انظر إلى جمهورية الصومال حيث الحرب الأهلية مشتعلة ولم يقدم العرب لغاية اليوم على التدخل لحلها وإرسال جيوشهم لإخمادها، رغم أنها قائمة من تاريخ سقوط حكومة محمد سياد بري (العام 1990م)، وبعد مفاوضات عويصة تم انتخاب فواد السنيورة رئيسا لوزراء لبنان عقب مقتل الحريري، وبما أن «إسرائيل» مازالت تحتل جزءا من الشريط الحدودي على الحدود بين الجمهورية اللبنانية ودولة «إسرائيل»، قام بعض من أفراد قوات حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين مما أعطى الدولة الصهيونية الذريعة في الحرب الشاملة على لبنان العام 2006م، حيث دمرت «إسرائيل» معظم البنى التحتية والجسور وغيرها واستشهد أكثر من 1300 شهيد بين امراة ورجل وطفل وشرد الآلاف وقدرت الخسائر البنانية بعدة مليارات من الدولارات على رغم أن الجمهورية اللبنانية تعاني من عجز في المدفوعات وأن تكلفة الدين العام تتجاوز 48 مليار دولار، مما أشعل هذا الوضع الطارئ على الساحة اللبنانية في جدل وصراع بين الموالاة والمعارضة، وبعد مد وجزر تعطلت الحياة السياسية في هذه الجمهورية العربية الصغيرة بسبب تدخل وصراع بعض القوى الإقليمية على الساحة اللبنانية، لكن دولة صغيرة قامت بعمل المستحيل، وهي دولة قطر واستضافت مؤتمرا في الدوحة بموجبه تم التوافق على تعيين رئيس الجيش اللبناني العماد ميشيل سليمان كرئيس للجمهورية، على أن يتم بعدها تشكيل حكومة توافقية، وبعدها تم التوافق على توزيع الحقائب الوزارية، لكن بسبب ما يقال صراع النفوذ القائم بنيت معادلة «أس × أس» التي قالها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مؤتمر الدوحة في دولة قطر.

وبرغم مؤتمر الدوحة لم يتم تشكيل الحكومة اللبنانية إلا بعد خمسة أشهر من تكليف رئيس الأغلبية النيابية سعد الحريري، بسبب إصرار المعارضة على «الثلث الضامن» من وجهة نظر المعارضة و»الثلث المعطل» من وجهة نظر الأغلبية، لكن بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد ومقابلته لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال افتتاح جامعة ملك عبدالله بجدة، حصل توافق بين لاعبين كبيرين على الساحة اللبنانية مها سوريا والسعودية، بالاضافة الى لاعبين آخرين على الساحة اللبنانية مما أنتج حكومة وحدة وطنية في هذه الجمهورية برئاسة سعد الحريري خلفا لأبيه وفقا للعرف السائد منذ الاستقلال عن فرنسا في هذه الدولة الصغيرة الحجم، والتي أصبحت ملهمة للشعوب العربية في الإبداع والسياحة والفن وكذلك فن التعاون فيما بين فسيفساء الشعب اللبناني والشعوب الأخرى.

لقد ذكرنا ويلات ومصائب هذا الشعب العربي للتذكير بأن مصالح البلد لا يحلها إلا أبناء البلد الواحد إذا تعاونّا على حلها من دون معادلة غالب ومغلوب بعد تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الآنية، نتمنى من الشعوب والدول التي بها فسيفساء مماثلة أن تتعلم من الشعب اللبناني كيف تتعاون على حل مشكلاتها من دون تهميش لأي قسم من هذا الفسيفساء الذي يتشكل منه شعبها.

إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "

العدد 2675 - الجمعة 01 يناير 2010م الموافق 15 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً