حاليا، هناك وعي أوسع وأكبر للأخطار المرتبطة بالاحترار العالمي. وهناك اهتمام حقيقي باستكشاف الوسائل والسبل الآيلة الى إبطاء هذه العملية وحصرها في مستوى طيّع من تركيز انبعاثات الكربون يبلغ 450-500 جزء في المليون، وتخصيص الموارد المطلوبة في شكل أموال وجهود علمية لتخفيف هذه الظاهرة التي تهدد العالم بارتفاع درجات الحرارة وازدياد الفيضانات وارتفاع مستوى المحيطات وانخفاض انتاج الغذاء وغير ذلك.
قليلة هي الدراسات الشاملة التي أجريت حول البيئة والتنمية الاقتصادية. وأشهرها تلك التي أعدها اللورد ستيرن، بناء على طلب الحكومة البريطانية عام 2006. ونشر نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور كتابين حول هذه الظاهرة. وأشار كل من اللورد ستيرن وآل غور، في أحدث تصريحاتهما ومنشوراتهما، الى مخاوف أكبر من التي أبدياها قبل سنتين. ويعترف آل غور أيضا بأنه ارتكب خطأ في التوصية باعتماد أكبر على استخراج الوقود من منتجات زراعية، مشيرا أن هذه الممارسة يمكن أن تضر بانتاج الغذاء أكثر مما تفيد في تخفيف الاحترار العالمي.
لنستعرض بعض الحقائق:
أولا، هناك حاليا وعي كبير لمشكلة غازات الدفيئة في العالم، وإلا لما قفز عدد المشاركين في مؤتمر الأطراف في كوبنهاغن الى 182 بلدا.
ثانيا، تبنت البلدان الصناعية الرئيسية أهدافا لتخفيض الانبعاثات المضرة بحلول سنة 2020، سواء الولايات المتحدة (17 في المئة من مستويات 2005) أو الاتحاد الأوروبي (30-40 في المئة من مستويات 1990) أو اليابان (20 في المئة).
ثالثا، يعتمد اجمالي استهلاك الطاقة العالمي على الوقود الأحفوري بنسبة تصل الى 85 في المئة: 40 في المئة على النفط، و22 في المئة على الفحم، و23 في المئة على الغاز الطبيعي. المصدران الأولان هما أسوأ المساهمين. أما نسبة الـ15 في المئة المتبقية من اجمالي استهلاك الطاقة فتغطيها مصادر نووية ومائية (7 في المئة) وطاقات متجددة أخرى وأيد عاملة بشرية (8 في المئة).
رابعا، تصنيف النشاطات المساهمة في الاحترار العالمي يعطي الصورة الآتية: توليد الكهرباء 50 في المئة، النقل 25 في المئة، الصناعة 20 في المئة، أماكن السكن والزراعة وغيرها 5 في المئة.
خامسا، مجمل نسب انبعاثات غازات الدفيئة من البلدان أو المناطق هو على النحو الآتي: الصين 28 في المئة، الولايات المتحدة 25 في المئة، الاتحاد الأوروبي 23 في المئة، البلدان غير الأوروبية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 8 في المئة، وبقية العالم 16 في المئة.
سادسا، التدبير الأفعل لخفض الانبعاثات هو فرض ضريبة كربون. ويجب أن تكون مرتفعة وموحدة في أنحاء العالم. ويمكن أن تأخذ شكل ضريبة مطلقة على كميات محددة من الانبعاثات الكربونية، أو دعم مالي لمشاريع طاقات متجددة وتوفيراتها من الانبعاثات، أو دعم مالي لتكنولوجيات حديثة مقتصدة بالطاقة.
سابعا، يجب تدبير موارد كافية لسياسات الاقتصاد بالكربون وتنفيذها في أنحاء العالم، وتخصيص ما لا يقل عن 50 مليار دولار سنويا لهذا الغرض. هذا سوف يساعد في تجنب خسائر في الناتج المحلي الاجمالي العالمي سيكون لها أثر أكبر كثيرا بحلول سنة 2020 أو 2030. وسيكون من شبه المستحيل تحديد تقاسم ملائم للتكاليف. البلدان النامية لم يعد بوسعها أن تنسب العبء الى الاقتصادات الصناعية في المقام الأول. فقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة في مستوى الانبعاثات، وتطلق الصين والبرازيل وروسيا والهند وتركيا مجتمعة كمية من الانبعاثات أكبر مما تطلقه بلدان مجموعة السبعة.
ثامنا، يجب إتاحة الابتكارات التكنولوجية لجميع بلدان العالم في مقابل رسوم رمزية. فالوفورات من تجنب الفيضانات وتفشي الأمراض والخسائر الزراعية وسواها سوف تفوق كثيرا تكاليف نشر التطورات التكنولوجية التي تحسن أنماط استهلاك الطاقة.
قد ينظر الى العالم العربي نظرة صفراء باعتباره متهما، لأنه يمتلك أكبر خزانات الوقود الأحفوري السائل في العالم، أي البترول. وبما أن دول الخليج المنتجة للنفط وليبيا تملك نحو 25 في المئة من الاحتياطات المالية العالمية، فيمكن دعوتها للمساهمة بشكل كبير في الموارد المالية المطلوبة لخفض مستويات غازات الدفيئة.
هذه النظرة يمكن اعتبارها خاطئة الى درجة كبيرة للأسباب الآتية:
- فيما تمتلك البلدان العربية 60 في المئة من الاحتياطات النفطية العالمية، فهي لا تزود إلا 20-22 في المئة من الاستهلاك النفطي العالمي. وتنتج الولايات المتحدة وروسيا والنرويج والمكسيك وكندا وبريطانيا وإندونيسيا ونيجيريا الامدادات المتبقية للاستهلاك العالمي.
- لا يستعمل النفط كليا لتوليد الكهرباء والنقل، وهما النشاطان الاقتصاديان المهيمنان في مجال الانبعاثات. فهناك مئات المنتجات المشتقة من النفط، منها البلاستيك والأسمدة والأدوية.
- اثنتان من المؤسسات الأكثر تخصصا لدراسة بدائل الطاقة وتحسين استعمالاتها الراهنة تم إنشاؤهما في بلدين عربيين: مبادرة «مصدر» في أبوظبي لتشييد مدينة خالية من الكربون، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي تتوخى استكشاف ابتكارات علمية في مجال استخدام الطاقة.
هناك فرصة لدفع البلدان العربية المنتجة للنفط الى تكريس مزيد من الموارد والجهود من أجل الاقتصاد بالمياه وزراعة الغابات على نطاق واسع والتوعية بممارسات الاقتصاد وبالطاقة.
ويجدر بالبلدان العربية رعاية إعداد تقرير حول الغازات الدفيئة والتنمية في العالم العربي. وهناك بالتأكيد مواهب علمية كافية للقيام بهذا العمل.
ويجب ألا يغيب عن الذهن أن البلدان العربية المنتجة للنفط تتمتع بمزايا استثنائية من حيث الطاقة الشمسية وإمكانات تصديرها الى بلدان أخرى، فضلا عن طاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة البديلة.
الدراسات حول الآثار الاقتصادية لتغير المناخ في البلدان العربية شبه معدومة. نحن بحاجة الى «تقرير ستيرن» عربي، يساعد الدول العربية على التحول الى أنماط جديدة منتجة، فتستثمر في كفاءة الطاقة التقليدية ومصادر الطاقة المتجددة وتطوير مصادر المياه وتكنولوجيات إنتاج الغذاء، حتى لا تأخذها مضاعفات تغير المناخ على غفلة.
العدد 2675 - الجمعة 01 يناير 2010م الموافق 15 محرم 1431هـ
"ستيرن" بحريني أولاً
بل نحتاج إلى «تقرير شتيرن» بحريني أولاً ، جنباً إلى جنب مع شتيرن مصري و سوري و سعودي و عراقي و ليبي إلى آخر القائمة ، ومن ثم لن نحتج إلى شتيرن عربي!