حافظ الفلاسفة السياسيون والتربويون لمدة ألفيتين من الزمان على الأقل على إصرارهم وموقفهم بأن المنزلة البارزة التي يحتلها التعليم الرسمي باقية ثابتة في تشكيل المواطن «الصالح».
إلا أنه ورغم بقاء موقع المدرسة العامل المؤسسي الوحيد الأهم في تشكيل المواطن الصالح ودون منافس، إلا أن هناك العديد من الفرص التعليمية الأقل هيكلة وإنما الهامة.
نجد أنفسنا كتربويين في مجال القيم مضطرين للاستكشاف واستخدام هذه الأساليب جميعها بجدية مماثلة. وتعتبر مواقف الازدراء التي يظهرها بعض التربويين الجديين تجاه كل ما يحدث خارج المدرسة، وخاصة فيما يتعلق بالاستخدام الممكن للإعلام الشعبي أمورا مؤسفة، وتصرفات لا نستطيع تحمّلها.
واقع الأمر أنه مثلهم مثل جميع من يعاصرهم حول العالم، يقضي الإسرائيليون أقل من 25 في المئة من ساعات الصحو في المدارس الإجبارية. ومن هذه الساعات لا يكرّس إلا جزء يسير لما نستطيع أن ندّعي بجد أنه تعليم المثل والقيم، الذي يؤصِّل بهم، على سبيل المثال، احترام التنوع الإنساني الثري الذي يميز عالمنا، والمجتمع الإسرائيلي بشكل محدد.
ورغم أننا على حق في تطوير الإستراتيجيات لاشتمال مضمون القيم في كافة مناهجنا، ردا على القيود القوية في يومنا المدرسي، يتوجب علينا أن نعترف بالمحددات كذلك.
ففي «إسرائيل»، تتفاقم الضغوط الزمنية التي تحدد تعليم القيم نتيجة للواقع الهيكلي لأربعة مسارات مدرسية منفصلة (اليهودية العلمانية والدينية والدينية المتشددة والعربية)، حيث نادرا ما يلتقي المواطنون الإسرائيليون الشباب، الذين يجري فصلهم قوميا ودينيا، في المدرسة، إذا التقوا أبدا.
الجدل حول الأثر المحتمل لاستخدام منابر إعلامية متنوعة، التي تبرز منها التلفزيون والإنترنت، لتشكيل المواقف والتوجهات، جدل فائض مُسهَب. بغض النظر عما إذا كان ذلك يعجبنا أم لا.
أثبتت التجارة التي يدفعها الإعلان بشكل لا يدع مجالا للشك، قدرة منابر كهذه في تشكيل أولويات الشباب وأفضلياتهم، نحو الأفضل وأحيانا كثيرة نحو الأسوأ. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الضغوطات الشديدة التي تتعرض لها بناتنا من خلال الثقافة الشعبية التي تبثها وسائل الإعلام ليصبح جلّ اهتمامهن منصبّ على وزنهن.
باختصار، يُعتبر استبعاد السلطة المحتملة للمنابر الإعلامية لمساعدتنا على فعل الخير كتربويين ديمقراطيين للمواطنين، فقط لأن هذه الأساليب تستخدم أحيانا لفعل أمور سيئة، منطقيا تشجب المؤسسة التعليمية المدرسية لأن أنظمة معينة استخدمت المدارس وما زالت لتأصيل واستدامة ظلمٍ واستبدادٍ خطيرين.
ويُوجد في «إسرائيل» عدد من الفرص الواضحة يجري الآن استكشافها كجزء من جهد تعليمي عام جديد واسع لتشجيع التفاهم والتعمّق باتجاه المواطَنة والتنوع. ويكفي هنا مثالان اثنان:
أولا، من الأساسي ضمان إدخال تمثيل أكثر إيجابية لتنوعنا في محطات التلفزة المخصصة للأطفال في التيار الرئيس. وهذه ناحية نتخلّف فيها بعيدا وراء ديمقراطيات معاصرة تقدمية نرغب بأن تتم مقارنتنا بها.
وبدلا من الاستمرار في قصف أطفالنا بصور رقيقة بيضاء يهودية خالصة علمانية من أطفال الطبقة الوسطى العليا من شمال تل أبيب، يجب تعريضهم لمعاصريهم الحقيقيين من الأطفال، يهود وعرب فلسطينيين، سود وبيض، مثليين وعاديين، ذوي احتياجات خاصة وأحيانا بدينين. وإذا تجنَب توفير هذا التمثيل الرمزي والنمطي، فإن الاحتمالات التعليمية لمساعدة الشباب الإسرائيليين على مواجهة مواطنيهم وتصوّر مستقبل مشترك هائلة كثيرة.
وفي هذا المجال، تعتبر مراقبة وانتقاد البرامج القائمة وتشجيع شروط مساندة التنوع في تخصيص حقوق البث وتوفير الإثباتات عن الفوائد التجارية الهامة عبر الوقت لتشجيع التنوع والمبادرة ببرامج جديدة، تعتبر توجهات مفيدة.
ثانيا، أصبح الاستخدام الإيجابي للإنترنت، بما فيه التشبيك الاجتماعي لإشغال الشباب وتنشيطهم عبر الصدوع الوطنية والدينية والعرقية والاجتماعية الاقتصادية، أصبح هاما وبشكل متزايد، وتحدّيا لا يقل أهمية عن التلفزيون، في تشكيل المواقف ووجهات النظر والتوجهات.
يمكن لليوتيوب على سبيل المثال، إذا جرى إرشاده بشكل صحيح، أن يسمح لنا أن نشجع المجموعات المتنوعة من المواطنين الشباب، باستخدام أدوات رخيصة نسبيا أن يمثلوا وبوضوح، مجتمعاتهم المهمّشة أحيانا وتجاربهم وتطلّعاتهم. توفّر الإنترنت كذلك فرصا لا سابق لها للشباب للتنظيم، ويؤمّل ترجمة أعمالهم الرقمية إلى تعاون إيجابي للتغيير في العالم الحقيقي.
لدينا كتربويين في مجال القيم فرصة فريدة ومسؤولية أخلاقية للإمساك بفرص مثيرة كهذه دون تراجع وتنازل أو ذعر أو اعتذار.
لا يشكل توسيع آفاقنا إلى ما وراء المدرسة بأي طريقة إبعادا للمركزية المستمرة والفوائد المميزة للتعليم المدرسي، ولا حاجة هنا للشعور بانعدام الأمن في هذا المجال.
نستطيع بالطبع أن نفعل ما هو أفضل من خلال استكشاف الفرص الجديدة المثيرة لبناء علاقات مفيدة بالتكافل والتبادل بين التعليم المدرسي والمنابر الشعبية المرتكزة على الإعلام، وبالتالي الاستمتاع بأفضل ما في العالمين.
* مؤسس ومدير MERCHAVIM - معهد تشجيع المواطَنة المشتركة في «إسرائيل»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2674 - الخميس 31 ديسمبر 2009م الموافق 14 محرم 1431هـ