العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ

سرّ القوة مفقود

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يمنحك النظام القانوني والدستوري في أوروبا والولايات المتحدّة الأميركية «يقينا كافيا» به خلال الأحداث المُرْتَخِيَة. لكن، وبمجرّد وصول ذلك النظام لمرحلة الاختبار و»المجسّات» فإنه لا ينضح إلاّ بالتشكيك وهزّ القناعات.

قبل فترة حَدَثَ ما يَشِي بذلك. ذَهبَت زعيمة المعارضة الصهيونية تسيفي ليفني إلى العاصمة البريطانية لحضور مؤتمر الصندوق اليهودي الوطني (JNF). وبسبب مُذكرة توقيف صادرة عن محكمة في لندن لتوقيف ليفني بتهمة ارتكاب جرائم حرب على الأراضي الفلسطينية، غادرت الأخيرة على وجه السّرعة. (وقد قيل لاحقا إنها لم تذهب أصلا).

ما تلى الموضوع من تداعيات أظهر جانبا مخفيا من الصورة. فقد أعطى الحدث أفضل اختبار حقيقي لذلك النظام القانوني الغربي، وطريقة تعاطيه مع هكذا موضوعات، وأين يُمكن الفرز ما بين السياسي والقانوني فيه.

رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، ووزير خارجيته ديفيد ميليباند، قالا حديثا يؤيّدان مقولة (سقوط القانون الغربي أمام حميّة الجريمة مادامت تمتطي صهوة المصلحة) فقد ذَكَرَا بأن «أمر اعتقالها (أي ليفني) غير مقبول» وإنهما سيسعيان «لوضع حد للإجراءات القانونية ضدها».

الأكثر من ذلك أن براون تحدّث بالقول «إن البند القانوني الذي يتيح اعتقال مسئولين إسرائيليين في بريطانيا هو عبثي ولا يمكن أن يستمر». وهو كلام خطير من رجل مسئول في الدولة، وخلط بين السلطتين التنفيذية والقضائية في المملكة المتّحدة، أعرق بلد ديمقراطي في العالم كما يُقال.

هذا الخَلط لا يمنح أكثر من استهجان بواقع حال ذلك النظام. فإذا كانت المنظومة القانونية والقضائية البريطانية لا تتمتّع إلاّ باستهجان السياسيين لها، وتعيير أنظمتها، فأين يقف شعار استقلال القضاء ومناعته في وجه الظروف والحوادث؟!

وإذا كان موضوع اعتقال ليفني (وهي من خارج الحكم حاليا) قد أحدث كلّ هذا التعاطف معها، والبصق على القوانين البريطانية بسببها، فماذا سيحدث لو تكرّر الأمر مع أشخاص يعملون في حكومة نتنياهو اليوم؟

ماذا لو حدث ذات الأمر مع وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي إيهود باراك، ووزير الشئون الاستراتيجية موشيه يعلون ورئيس هيئة الأركان جابي أشكنازي وبقية الجوقة الثلاثة عشر المطلوبون للقضاء البريطاني كشاؤول موفاز وبنيامين بن إليعيزر وعمير بيرتس وآفي ديختر وكرمي غيلون، وإيهود أولمرت، ودورون ألموغ، ودان حالوتس؟!.

الموضوع لا تشوبه الغرابة من تضييع مكانة القانون فقط، وإنما من هذه الحميّة الغربية تجاه الكيان الصهيوني، ومن دول أوروبية عُظمى مَلَكَت العالم طيلة قرون، وأنتجت ثورتَيْن إحداهما علمية صناعية وأخرى سياسية غيَّرَتَا من شكل البسيطة بشكل مُذهل.

فقبل أيام أيضا حدث ما يشبه ذلك مع الفرنسيين. فقد طوقت قوّة صهيونية مبنى المركز الثقافي الفرنسي في القدس الشرقيّة وقامت بعمليّة تفتيش مهينة خلال احتفال شارَك فيه رسميون. كان ردّ وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير غريبا. فقد وَصَفَ ما قامت به القوات الصهيونية بالـ «مبالغ فيه»!.

وقبلها كانت تل أبيب قد رفَضَت أن يزور كوشنير غزة، وعُومِلَ دبلوماسيون فرنسيون بشكل مهين وغير لائق أمام الحواجز الأمنية التي يقيمها الجيش الصهيوني في القدس والضفة الغربية. ومازالت تحتجز مواطنا فرنسيا تعوّل باريس على خروجه خلال صفقة شاليط. إنه أمرٌ غريب بامتياز.

فإذا كان الفرنسيون الذين يَمْتَنّ اليهود لهم في تحريرهم بعد الثورة الفرنسية والحركة العقلانيّة وأخرجتهم من الغيتو الرهيب، يُعامَلون بهذا الشكل فإن الصفاقة حتما ستكون مع غيرهم من الأوروبيين أكبر. وإذا كان البريطانيون الذين أصدروا للحركة الصهيونية وعد بلفور ومنحوها أرضا كاملة قد تلقّوا إهانات لا يتحمّلها أي برتوكول دبلوماسي بسبب ليفي فما عساهم فاعلين مع غيرهم؟!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:24 ص

      زائر رقم 2

      وأنا أنصحك أن لاتأخذ الأخبار وتحليلات الأخبار من قنوات الفتنة كالعبرية والجزيرة لأن إعلامهم موجه وليس حيادي ومعروفة الحرب الدائرة بين العربية والعالم بسبب تدخل العربية بشكل سافر في الشئون الإيرانية!! أما الكاتب العزيز أبو ملاك فرايته بيضاء ناصعة وهو صاحب قلم شريف ومتخصص في الشؤون الإيرانية بس في ناس مجرد إسم إيران يجيب ليهم غثة ولو قيل إنه متخصص في الشؤون الأمريكية كان صار خوش رجال عندك!! عجبي

    • زائر 2 | 8:24 ص

      عين العقل

      أفضل شيء سويته يا بو جاسم أنك اخدت اجازة. أقصد اجازة عن أخبار ايران هالأيام، اللي كلها نكد و هم و اعتقالات و تعذيب. أنصحك تمددها لأنها شكلها مطولة و الله أعلم.

    • زائر 1 | 10:45 م

      ابو ملاك

      شكرا على المقال الرائع، في كل يوم يكشف الغربي عن دكتاتوريته وسلفيته العلمانية والصهيونية،( وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون)، اتمنى ان لا يضيع مفخرتهم الوحيدة بوجود قضاء مستقل على عكس دولنا العربية.

اقرأ ايضاً