على مدى أيام، سعى الكاتب العزيز عبيدلي العبيدلي للتنظير وبشكل مسهب للمشاركة في الانتخابات النيابية، كما وحث بشكل مباشر أعضاء تنظيم العمل الوطني الديمقراطي (وعد) للتصويت لخيار المشاركة في المؤتمر الاستثنائي الذي سينعقد في الثاني من يناير 2010، على اعتقاد منه بأنها الوسيلة الأنجع للعمل السياسي.
وفي الوقت الذي أؤكد فيه استغرابي للأهمية التي اكتسبتها (وعد) في مقالات الأستاذ عبيدلي، الذي أكن لشخصه وتاريخه النضالي كل الاحترام والتقدير، أود أن أعلق على بعض مما جاء في مقالاته، متأكدا بأنه على سعة من الصدر أن يتقبل رؤى مغايرة ومختلفة لمواقفه، حتى لو صدرت ممن أقل منه خبرة في الحياة، ورصيده في العمل السياسي لا يذكر.
حاول الكاتب ترسيخ مفاهيم من خلال مقالاته لا تحمل من ماهية تلك المصطلحات أي شيء، بمعنى أنه كان يطلق مصطلحات كالبرلمان، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، على إطلاقها دون محددات لماهيتها القانونية والسياسية التي لا يختلف عليها اثنان، فما هو معروف أن السلطة التشريعية، كما هي في كتابات جميع من شرحها من سياسيين وقانونيين، هي الممثلة للشعب عن طريق انتخابات حرة، عادلة ونزيهة، وعاكسة لمكونات المجتمع بشكل حقيقي، وينجر هذا الأمر على بقية المصطلحات التي استخدمها، فيما ينصص الكاتب مصطلحات أخرى، إما تقليلا من قدرها أو تشكيكا في طرحها، فحينما يتكلم عن الدستور العقدي يضعه بين قوسين.
إن العمل السياسي يرتكز على حقوق وواجبات تسعى الأحزاب والقوى السياسية إلى تكريسها وزيادة مساحاتها، وكلاهما يؤسسان على قوانين وتشريعات، وبالتالي لا يمكن الفصل بين السياسي والقانوني/ الحقوقي في مسيرة النضال اليومي من أجل تحقيق طموح وتطلعات الناس، ولا يعد ذلك من قبيل الإغراق في التنظير القانوني على حساب السياسي، كما أنها ليست «معالجة قانونية سلبية للعمل السياسي».
جملة الحجج التي أوردها الكاتب في مقالاته للحث على المشاركة، والتي تمثلت في القبول بما هو متاح، والاستفادة من الثغرات التي يعاني منها الدستور الحالي، الخوف من ضياع فرصة تاريخية للتواصل مع الجماهير، عزلة القوى السياسية في حالة مقاطعتها، جميعها سقطت في انتخابات 2006، وعلى أكثر من مستوى.
إن القوى السياسية التي شاركت في الانتخابات الماضية، شرعنت في بادئ الأمر التغييرات التي أدخلت على الدستور خلافا لما صوت عليه الشعب في ميثاق العمل الوطني الديمقراطي، كما أنها كرست واقعا طائفيا مقيتا، لن يقل بمشاركة القوى الوطنية، بل على العكس، ستساهم في تأجيجه بصورة أو أخرى، فضلا عن أن العملية الانتخابية، قبل أن تبدأ، شابها الكثير من الخروقات والتي لم يكن قانون الدوائر الانتخابية أو هيئة الانتخابات غير المستقلة أولها، بل تبعها ذلك بالمراكز العامة وتوجيه أصوات العسكريين ومن تم تجنيسهم بصورة خارجة عن روح القانون.
من جهة أخرى، يرى الكاتب أن مقاطعة الانتخابات ستؤدي إلى عزل القوى الوطنية عن الفعل السياسي، وكأن الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة، فضلا عن «التخويف» بأن خيار المقاطعة هو خيار تأزيم الساحة السياسية عبر جرها إلى المنعطف الأمني، وهو قول مردود عليه، فقد أثبتت الجمعيات حينما قاطعت الانتخابات في 2002 مدى وعيها ووعي مناصريها في التعاطي مع الأحداث اليومية، بل وكانت جميع تحركاتهم وفعلهم السياسي، المؤثر آنذاك، سلميا، قائما على نقد التجربة وتشخصيها، واقتراح البدائل التي من شأنها إخراج البلاد من عنق الزجاجة مرة أخرى.
أضف إلى ذلك، أن المجلس لا يمكنه تعديل لائحته الداخلية دون موافقة النظام عن طريق صوته في المجلسين، سواء الشورى أو «النواب»، وبالتالي أي اختراقات يمكن تحقيقها في ظل هذه الأطر القانونية المكبلة.
أما إذا أردنا أن يصبح العمل السياسي في البرلمان خدماتيا، ويتحول من ممارسة دور تشريعي ورقابي إلى الحديث عن تعبيد الشوارع في المدن والقرى، وإنشاء المدارس والمراكز الصحية، فهذا أمر آخر، فضلا عن إمكانية ممارسة هذا الدور في المجالس البلدية، وبلاها مصاريف على سيارات ورواتب وتقاعد النواب.
إن الحجة الوحيدة التي مازالت قائمة للتحشيد نحو المشاركة، هي التواصل مع الجماهير وتوعيتهم، وهي مسألة وإن كان لا خلاف عليها، إلا أن طرق وآليات التواصل مع الجماهير متعددة بتعدد المواقف، وطريقة ابتكارها تعتمد على روح الإبداع التي يتمتع بها أعضاء كل حزب سياسي.
الجميع على علم، والكاتب على رأسهم بتاريخه النضالي المعروف، أن أدوات النضال السياسي متعددة، واستعمالها يعتمد على جملة من الظروف، بعضها ذاتية مرتبطة بتكوين الحزب نفسه، والبعض الآخر موضوعي مرتبط بالساحة السياسية ومكونات العمل السياسي.
ومن هذين المنطلقين، يمكن الحديث عن مدى نجاعة المقاطعة والمشاركة، وخصوصا بعد أن تمت تجربة الخيارين. فرغم وصول 17 نائبا يمثلون جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، لم يستطيعوا تمرير أي مشروع قانون أو وقف التجاوزات والفساد الذي استشرى في جنبات البلد بشهادة دولية كشفها تقرير مؤشر الفساد الأخير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وعجز المجلس عن محاسبة المتسببين في إهدار المال العام والتي كشفها أيضا تقرير ديوان الرقابة المالية، وجملة من القضايا التي لازالت عالقة وستظل كذلك طالما غابت الرؤية الحقيقية نحو الإصلاح القائم على أسس من احترام تاريخ هذا الشعب وتضحياته، وتقديرا لدماء شهداء سقطوا في الشوارع وفي أقبية السجون.
أما رؤية المقاطعة، فهي ليست نوعا من العدمية أو العبثية السياسية، بل هي خيار تكتيكي يستند على قراءة واقعية للساحة السياسية، وهي قائمة على برنامج أثبت فاعليته في السنوات الأربع التي تمت فيها مقاطعة الانتخابات.
في الختام، سندخل بعد أيام قليلة المؤتمر الاستثنائي لمناقشة وبحث خيار التنظيم في السنوات المقبلة، مشدّدين جميعنا، مقاطعين ومشاركين، على أهمية وحدة هذا التنظيم ذي التاريخ النضالي الممتد والمعروف، فتعدد الرؤى دليل على حيوية هذا التنظيم، وإننا في الوقت الذي نستأنس فيه بآراء مناصري التنظيم والقريبين منه، إلا أن خياراتنا تحددها أطرنا التنظيمية.
إقرأ أيضا لـ "خليل بوهزّاع"العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ