العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ

ملف يرصد أهم فعاليات مهرجان الكويت المسرحي الحادي عشر

أزمات الكويت السياسية التي تعصف بالمجتمع الداخلي وتشغله كثيرا متتالية، لكن في الفن لا صوت ولا حسبان!

على رغم طغيان وضع مادي سائد عام في الشكل وأحيانا في المضمون، يبحث الكثير عن ملفى للروح يلاقونه في أروقة الموسيقى التي صرح أحد النواب مؤخرا بضرورة إلغاء هذه المادة من المناهج داخلا من باب الوصاية المجتمعية! وملفى الروح في الفنون الجميلة الأخرى: في التشكيل والخزف، والمسرح (أبو الفنون) الذي يأخذ على عاتقه مخاطبة الجمهور، إمتاعهم وتوصيل رسالة عبر العمل الفني.

وعبر المسرح الذي يترسخ في الكويت، في أكثر من مهرجان سنوي- واقعا -، فرصة لتكريس التجربة المسرحية وتنشيط الحركة المسرحية التي لا تهدأ بفعل وجود المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يخرج العشرات سنويا، وللفرصة التي تتيحها المهرجانات السنوية الثلاثة - كما أسلفت - وأيضا لوجود جمهور متحمس جبل على الذهاب للمسرح، بصفته أحد الفنون الممتعة مثله في ذلك مثل السينما.

ويتبنى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب رسميا، المهرجان المحلي الذي سجل في ديسمبر/ كانون الأول 2009 دورته الحادية عشر، وكان أن بدأ دورته الأولى 1989 ولظروف الغزو العراقي، توقف المهرجان حتى عاد في دورته الثالثة في 1999 ولايزال.


في البدء

في الافتتاح غير الرسمي للمهرجان، قامت فرقة كويتية شعبية بإشاعة جو من البهجة عبر أغان وموسيقى محلية خليجية، استطاعت الاحتفاء بالضيوف وخصوصا العرب منهم، في التعبير عن هوية المكان والأجواء، وبالمثل كان الختام الذي عبر عن المناسبة بمتعة تفاعل معها الجمهور.

أما الافتتاح الرسمي فقد حفل بجدارية تحمل أسماء مسرحية ساهمت في الحركة بالكويت، وعبر المشهد الشهير في مسرحية «حفلة على الخازوق» الذي تم تمثيله في سبعينيات القرن الماضي في رؤية الحكومة ممثلة في الوالي والمحتسب والوزير والنجار الذي صنع الصندوق حيث هم محشورون فيه جميعا!

جاء هذا المشهد عبر شاشة عرض كبيرة في حفل الافتتاح، تفاجأ الجمهور بمشهد حقيقي مماثل عبر أداء ممثلين شباب لهذه الأدوار وهي جمالية أثارت إعجاب الجمهور، بينما لم يكن حظ المشهد الآخر من مسرحية «ضاع الديك» بالمستوى نفسه، ذلك لأنه أتى بعد تقديم مذيعي الحفل له، وربما أيضا لأنه لم يكن بإتقان الأول، وسبب آخر هو أن الجمهور قد امتص صدمة الإعادة للقديم.

ثمة ما يلفت الانتباه في استعراض سيرة الفنان صقر الرشود والاهتمام بتكرار جملة «الإجبار سيد الاختيار» في تحديد لمعنى مقصود.


العروض المتسابقة

وبحسب القرعة المجراة؛ فإن المسرح الشعبي كان له السبق بأول العروض المطروحة من ضمن المهرجان، وقدم المخرج هاني النصار مسرحية «الجندي المجهول» من تأليف العراقي علي الزيدي وتناولت المسرحية القائد العسكري الذي يهتم بأن يبنى نصبا تذكاريا للجندي المجهول، وفي مفارقة عجائبية، لا يجد هذا القائد جثة لكي يدفنها في النصب الذي كلف من موازنة الدولة الكثير، وحتى بعد أن يأمر مساعده بخوض حرب مع أي كان حتى يتحصل على الجثة المطلوبة لا يجد! بالطبع المسرحية تتجه نحو الميتافيزيقيا وإذا ما أقمنا علاقة بين المؤلف والنص سنجد أنها علاقة منسجمة وطبيعية، نظرا إلى ظروف بلد المؤلف التي لا تخفى على أحد.

أما المسرح الكويتي فقدم فيصل العميري وفيصل العبيد هذا الثنائي الناجح والذي سبق أن قدما معا أكثر من عمل مسرحي وفي هذا المهرجان قدما مسرحية مونولوج غربة والتي اقتربت كثيرا من جو عرض «الهشيم»، غير أن الفكرة المبتكرة للمؤلف أوحت له بكتابة هذه المسرحية التي هي عبارة عن آخر ثوان في حياة الإنسان، وقد تمكن من تمطيط هذه الثواني عبر عشرات الأفكار التي تمر كشريط سينمائي سريع، وقد حفل العرض برؤية إخراجية جميلة معتادة من قبل العميري الذي يشكل توجها متفردا في اختيار أعماله، شارك مع البطل الرئيسي علي الحسيني، نوار القريني وحنان المهدي.

بينما قدم مسرح الشباب مسرحية كلاكيت وقد لاقت هذه المسرحية نقدا لاذعا من قبل النقاد والجمهور الحاضر، في مقابل ردة فعل المؤلف والمخرج غير المتوقعة من حيث التقبل ورحابة الصدر، حيث قام العرض باستعراض منطقة التفكير في الإنسان من خلال توزيع الأنا الواحدة إلى أنات عدة مجسدة على خشبة المسرح، وبدا جليا أن الممثلة عبير يحي قد أنقذت العرض بعد انسحاب الممثلة التي من المفترض أن تقوم بدورها، الأمر الذي انعكس على أداء عبير المتميز والتي سبق لها أن قدمت عروضا ذات مستوى رفيع مع مخرجين مثل الفنان السوري فايز قزق والمخرج مانويل جيجي، إذ لم تظهر بالقوة المتوقعة نفسها، وهذا الأمر ينطبق على بقية الممثلين الذين بدا أداؤهم غير متناغم إلى درجة كبيرة، عدا سقوط الإيقاع أكثر من مرة أثناء العرض، ومشكلة الصوت والديكور أيضا.

عرضت فرقة الجيل الواعي «ماكبث» لوليام شكسبير ومن إخراج حسين المسلم، وكان المسلم قد عرض المسرحية نفسها في المعهد العالي للفنون المسرحية قبل أشهر ونال الاستحسان، بيد ان المخرج ارتأى زيادة بعض الإضافات التي هدف منها إلى تطوير العرض الذي يرتكز أساسا على مسرحية شكسبير الكلاسيكية، التي تتناول شهوة السلطة من قبل النبيل «ماكبث» والذي يضطر إلى قتل الملك الرحيم «دانكن» مقابل الاستيلاء على السلطة التي أوحت له بها الساحرات الثلاث، والتي صبت على تغيير مصير البطل إلى نهاية مأساوية.

والمسلم هنا أضاف جرعة عربية كبيرة إلى النص الشكسبيري عبر إعطائه نفحة من الواقع الحالي وبتحديد مباشر؛ إذ أدخل نغمة عراقية غير متجانسة إلى نص ماكبث للدلالة على شخص الاحتلال المتمثل في صدام، وكذلك عرض شريط حي يعرض عذابات إنسانية متعددة دون تحديد مكان أو وجهة ما، وهي وجهة نظر إخراجية لا يمكن أن يعترض عليها أحد، غير أن للجمهور والنقاد رأيا مخالفا في هذا العرض من ناحية فهم هذه الرؤية أو الاستمتاع بها أو رفضها، ولا يمكن تطبيق كل هذا على الجميع؛ إذ كان هناك جمع آخر استمتع بالعرض، وأيده وخصوصا مع الملاحظة المهمة لسيد علي إسماعيل الذي نوه أثناء تعقيبه على العرض، إلى أن عنوان المسرحية هو ماكبث 2009 وماكبث مجردة، أي أنه افترض من العنوان وجود ماكبث حديث وآني.

مسرحية «مزاد الحب» عرْض المعهد العالي للفنون المسرحية، من تأليف وإخراج يوسف الحشاش، ومن تمثيل طلبة التمثيل بالمعهد، وقد لاقى العرض تباينا في وجهات النظر عبر استصغار التجربة والتعجل في تقديمها، في قصة حب رومانسية بين شخصين لا تنتهي نهاية سعيدة نتيجة إيحاء غير مفهوم بأنه من فئة البدون الموجودة في الكويت، وهي إشارة لم تفهم من الحدث المسرحي، وهذا التحول في العلاقة جاء بناء على المخرج الذي قام أيضا بالتأليف في كشف أحد ضحايا التفرقة العنصرية في اللون أو المذهب أو الجنسية في مجتمعنا الخليجي والعربي. كان العرض عبارة عن سهرة تلفزيونية متعددة المشاهد، من حيث الرتابة أو نمو الأحداث، عدا الشاب مرزوق الذي قدمه المخرج كفواصل مسلية غير مرتبطة بالعرض المسرحي عموما، وببناء منفصل استطاع هذا الشاب انتزاع الضحكة من الجمهور. وعلى رغم أن هذا العرض يلام أكثر من الآخرين كونه خرج من عباءة المعهد وتحت إشرافه، وكل الطاقم الذي عمل فيه هم من الأكاديميين الخريجين، أو ممن لا يزالون على مقاعد الدراسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، لذلك فالعرض يجب أن يخرج بصيغة أكثر جدية من الصورة التي ظهر بها. ويستحق الإشادة ما ظهر به المؤلف والمخرج يوسف الحشاش من تقبل لمختلف وجهات النظر على عرضه المسرحي، والذي خيب آمال البعض بينما رأى فيه آخرون عملا إبداعيا.

أما العرض الأخير في المهرجان فكان في عرض «ثورة..؟» من تأليف أروين شو وإخراج عبدالله القلاف، وتعتبر هذه المسرحية أولى تجاربه، وتسوق المسرحية لفكرة كوارث الحروب وتوابعها، حيث ترتكز على حدث أقرب إلى الخيال في «قتلى» حرب يرفضون أن يدفنوا، في فعل لا يقصد به الظاهر بالتأكيد، على رغم الأحداث الطبيعية ورود الفعل المتوافقة داخل العرض، مثل مشاهد إقناع الأهل لابنهم بضرورة الدفن، لما فيه من واقعية مرة تنطبق أحيانا على واقع الحياة.


الورشة المسرحية: الخيال والفنتازيا بتوقيع كلثوم أمين

قامت المخرجة البحرينية، كلثوم أمين، بعمل الورشة المسرحية للمهرجان (الخيال والفنتازيا عند الممثل)، والتي أقيمت ضمن فعاليات المهرجان، واعتمدت الورشة التي استغرقت خمسة أيام على تحفيز خيال الممثل عبر تمرينات تبدأها كلثوم أمين مع المتدربين بإحماء يوشي ويدا سترسبيرغ، وتمارين الخيال والإدراك في تدريبات الخيال لباتريك بازن وناتاليا زافرفا والحسي لسولانج ادر، وتطبق أمين أيضا كما صرحت مع متدربي ورشتها تقنية ميخائيل تشيخوف في بناء الشخصية، كما تدرب على الارتجال الجماعي لهوك ماكلاود، وتختتم الورشة يوميا بتمارين السوفرولوجي.

وفي سؤال وجه لأمين من قبل الصحافة الكويتية عن عدم اهتمام الوطن العربي بالورش المسرحية، أوضحت كلثوم، أن البعض يظن أن الورشة المسرحية تحصيل حاصل وأن أي شخص بإمكانه عمل هذه الورش، في حين أن المخرج الذي يدرب في الورشة يجب عليه أن يفهم تشريح الجسد لكي لا يعرض الممثل لأخطار الحركة.

لاقت الورشة نجاحا أشاد به المشاركون، على رغم اختلاف أعمارهم وتجاربهم وخبراتهم، وهو ما رأى الأمين العام فيه «تميزا للورشة ويكسبها أهمية وقيمة»، فيما افتتح معرض الصور الفوتوغرافية للورشة وتوزيع الشهادات على المشاركين على أمل أن يكون هناك مزيد من الأفكار للورش المسرحية للمهرجانات المقبلة.


الحلقة النقاشية: فلسطين حاضرة عبر المسرح والمقاومة!

قدم نادر الفنة في الحلقة النقاشية الرئيسية، بحثا بعنوان مسرح المقاومة... فلسطين نموذجا، القدس في المسرح العربي، ثنائية الراهن والتاريخ. أشار القنة في بداية بحثه إلى خلط في غير محله بين التجارب المسرحية العربية نصوصا وعروضا، التي تناقش مجمل واقع القضية الفلسطينية، وبين التجارب المسرحية التي كثفت مناقشتها حول القضية الفلسطينية، كما أشار أيضا إلى أن خزانة الكتب العربية، لا تمتلك ببلوغرافيا مسرحية عربية شاملة، وسلط القنة الضوء على رصد المسرحيات المتعلقة بالقدس، وبما أن شخصية صلاح الدين الأيوبي والقدس ثنائية متكاملة، فالحديث عن أحدهما يقود إلى الآخر. لذلك تم رصد ما يقارب الـ 30 مسرحية بالاسم نفسه أو تتحدث عن قضية القدس، وتوصل الباحث عبر الأسئلة التي تطرحها الدراما المسرحية إلى نتائج مفادها، أن معظم النصوص والعروض المسرحية العربية، انصب جل اهتمامها على تكريس معالجة الأبعاد الدينية والتاريخية والجغرافية والثقافية للمدينة المقدسة، بوصفها صورة من صور مقاومة المدينة الإسلامية لعمليات التهويد راهنا ومستقبلا، إضافة إلى عدد آخر من النتائج.

أما مداخلة أحمد سخسوخ وسيد علي إسماعيل فقد تركزتا في بحث القضية الفلسطينية في المسرح المصري، وتحدث المسرحي السوداني علي مهدي عن القضية الفلسطينية في المشهد السوداني.

العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً