العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ

«صراع الأخيار والأشرار والنهايات السعيدة للأحداث» (3 - 4)

الحكايات الشعبية في البحرين

هناك أنواع عدة من الحكايات الشعبية التي عرفها المجتمع البحريني وقام بتداولها والتفاعل معها عبر حقب زمنية متواصلة... وأول تلك الحكايات هي:


1 - الحكاية الخرافية

وهي حكاية عادة ما تكون طويلة مليئة بالمغامرات وتعتمد اعتمادا كليا على الخيال وتتمركز أحداث الحكاية الخرافية حول بطل أو بطلة، ويكون البطل فقيرا وحيدا في بداية الحكاية وبعد سلسة من المخاطر تلعب فيها الخوارق دورا ملموسا يستطيع البطل أن يصل إلى غرضه فيعيش حياة سعيدة إلى النهاية وتتميز الحكاية الخرافية بكثرة استخدامها للشخصيات الخارقة كالجان والغول والحيوانات الممسوخة والاعتماد على السحر وأدواته وتحكى بقصد التسلية والترفيه.


2 - الحكاية الشعبية (الواقعية)

تتشابه الحكاية الشعبية مع الحكاية الخرافية غير أنها تعتمد على الخوارق التي من الممكن حدوثها أو التي يعترف بها المجتمع ومعظم القصص في (ألف ليلة وليلة) تقترب من هذا النوع الواقعي المبالغ فيه. وتستمد الحكاية الشعبية أحداثها من واقع الناس وحياتهم ويغلب عليها الصفة المحلية والإقليمية من ناحية الشخوص وإبراز الواقع البيئي. وتحكى بهدف التسلية أو تفسير بعض الظواهر المستعصية على الفهم.


3 - الحكاية المرحة

تقترب الحكاية المرحة كثيرا من الحكاية الشعبية إلا إنها أقصر منها وذات بنية بسيطة تعتمد على سرد نادرة أو حدث مضحك. ولا يهمُّ صحة الحدث فيها من عدمه، لأن الراوي للحكاية المرحة يهدف إلى التأثير على الملتقى وإدخال المتعة إلى نفسه. ويقاس نجاح هذه الحكاية أو فشلها بقدر ما تحققه من إشاعة للمرح. ويتواجد هذا النوع من الحكايات في قصص جحا وأبي نواس وغيرهما من الشخصيات المرحلة التي تجمع بين قطبي الذكاء البارع أو السذاجة المبالغ فيها، وكل شعب له حكاياته المرحة التي يتندر من خلالها على بعض الشخصيات التي تكون في موقع نموذجي للتهكم والإضحاك.


4 - حكاية الحيوان

يقوم الحيوان في هذا النوع من الحكايات بدور أساسي في السرد الحدث للحكاية، حيث يصبح الحيوان شخصا أساسيا من شخوص الحكاية فيتصرف تصرف الإنسان العاقل، وتستخدم هذه الأنواع من الحكاية في الوعظ والإرشاد عن طريق الرمز بالحيوان، أو أن حيوانا يتصرف على أنه إنسان مع الاحتفاظ بصفاته الأساسية كالدهاء للحية، والمكر للثعلب، والقوة للأسد والوداعة للحمامة، والخوف للأرنب، وقد تبدأ حكاية الحيوان بأن يفهم الإنسان ما يتحدث به الحيوان. ونجد هذا النوع من الحكايات كثير الاستخدام في قصص (كليلة ودمنة) حيث يلعب الحيوان الدور الأساسي في القصة.


5 - حكاية السيرة الذاتية

وهي نمط آخر من الحكايات، تم إدخاله في الفترة الزمنية الحديثة ويشيع استخدامه في البحرين وفي كثير من المجتمعات الخليجية الأخرى. حيث يتندر الرجال والنساء بسرد قصصهم وبطولاتهم الخاصة على مسمع المتلقين في المجالس الشعبية وليالي السمر، وقد تم رصد الكثير من هذا النوع من القصص، وخاصة في مجال البحر والغوص، حيث يتعرض البحارة لكثير من المصاعب والأخطار. وبعد عودة البحارة والغاصة من رحلات الغوص تكون أحداث رحلتهم الشاقة مادة خصبة للتعبير عن المعاناة الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها في أعماق البحار وصراعهم مع الأهوال والصعاب وهناك الكثير من محبي الاستماع إلى هذا اللون القصصي وتحكى هذه الحكايات بهدف التسلية وإبراز بعض الصفات البطولية.


قصص الجان والعفاريت

عرف المجتمع البحريني مجموعة كبيرة من قصص الجان والعفاريت والتي كانت في يوم ما تشكل مصدر خوف ورعب للكثير من الناس. لقد استخدمت تلك القصص بشكل مباشر في بث وإشاعة الخوف في النفوس. لقد كان العالم السابق مسكون بقصص الأشباح والعفاريت، ولما كان الناس يعيشون على الفطرة والبساطة في التفكير، فكانوا على استعداد تام لتصديق وتأليف الحكايات الخيالية، التي يكون أبطالها عادة من العفاريت الخارقين للعادة. وبمرور الوقت أخذت هذه القصص تردد على ألسنة الجميع صغارا وكبارا. وراح الناس يختارون الشخصيات الخرافية، ويوزعونها على الأزمنة والأمكنة . ففي النهار خصوصا عند اشتداد حرارة الشمس في وقت الظهيرة هناك أشباح تستغل هذه الفترة الهادئة لتخرج وتؤذي الناس. وفي الليل هناك مجموعة من العفاريت تفضل الخروج في الليل مفضلة الظلام الدامس لتقوم بإشاعة الخوف وسحر الناس... أما أماكن تواجدهم فهم عادة ما يسكنون الخرائب والآبار والعيون والبساتين.

ولو حاولنا تتبع الموضوع من الناحية النفسية حول الهدف الذي يسعى إليه الكثير من الناس في انجذابهم نحو سماع وترديد حكايات الجان والعفاريت لتبين لنا أن ذلك الميل والانجذاب كان يخفف من انفعالاتهم ومخاوفهم الداخلية لأنهم بالحديث عن الساحرات والأشباح، إنما يخففون عما يشعرون به في دواخلهم من احتدامات نفسية. فالخوف منشأة من الداخل وإنما يخرج على هيئة رموز يتم إسقاطها على الخارج، وتلك الأخيلة والتصورات تقوم برسم وتشكيل النماذج والشخوص الخرافية. وعندما تجد تلك النماذج نوعا من القبول لدى الشعور الجمعي يتم تداولها بين عامة الناس، وتصبح جزءا أساسيا من المعتقد الشعبي. وهذا المعتقد بدوره يملك سلطانا قويا يؤثر في عقلية من يؤمنون بالحكاية الخرافية، ولكن يبقى السؤال الأكثر أهمية هل تم استخدام حكايات الزمن الماضي لأجل التخويف فقط ؟

بالطبع هناك دوافع وحوافز أخرى كان لها تأثير لا يقل أهمية عن التأثيرات الأخرى . ولعل أهم تلك الدوافع هو محاولة فهم الواقع واستيعاب الأمور التي تدخل في نطاق الغيبيات، والإنسان في التقديم عندما يتعذر عليه الفهم والإدراك فإنه يلجأ إلى الخيال والعوالم (الميتافيزقية) لحل المسائل والظواهر المعقدة.


6 - حكاية أم حمار

ترتبط خرافة أم حمار بذاكرة أهالي البحرين ارتباطا وثيقا حيث تعتبر من أقدم الخرافات وأكثرها انتشارا، بتداولها الأجيال جيلا بعد جيل. وكانت تروي شفاهيا ويتناقلها الناس في مجالسهم ومسامراتهم الخاصة. كما كان للصغار نصيب وافر من تلك الخرافة، حيث عمدوا في حفظها وترديدها على ألسنتهم كلما سنحت لهم الفرصة، وقد عشق شعب البحرين شخصية أم حمار وتم توظيفها لأغراض عدة. فهي تستخدم للتخويف وإشاعة جو من الرهبة، وربما قيل للتسلية والمسامرة والتندر. وأم حمار هي حيوان خرافي ممسوخ رأسه رأس إنسان ورجلاه رجل حمار. ولا يخرج هذا الحيوان إلا في الليل عندما تخيم الظلمة ويخلد الناس إلى النوم ويغطون في سبات عميق تخرج أم حمار في هذا الوقت، ومن خلفها يجري عدد كبير من الكلاب. وهي تخيف الناس أو تسحرهم وأحيانا تعمل بعض المقالب لهم، ويتذكر أهالي البحرين القصة التي تقول إن «أم حمار زارت في إحدى الليالي إحدى النسوة، وطرقت عليها الباب تدعوها للخروج معها لجلب الماء من العين، حسب الطريقة القديمة في جلب المياه من العيون. ولبت المرأة الدعوة، وكان الوقت قبل بزوغ الفرج بقليل، وفي أثناء سيرهما معا شعرت المرأة بصوت غريب ينبعث من تحت قدمي المرأة صاحبة الدعوة، فلما تطلعت إلى الأسفل اكتشفت أن صاحبتها لها رجل آدمية وأخرى لحمار فشعرت بالخوف والهلع من الموقف الصعب الذي ينتظرها، ولكنها تمالكت نفسها، وخطرت على بالها فكرة فقالت لصاحبتها:

لابد أن أعود إلى البيت حالا فقد نسيت ثوب زوجي سلمان، فلقد أوصاني بغسله لكي يلبسه في الصباح ،لكن أم حمار اعترضت قائلة: أجلى ذلك لما بعد فلا يزال لديك المزيد من الوقت، فردت المرأة قائلة لا أستطيع أن أؤجل طلبا لزوجي. خذي هذه الجربة أمانة عندك وسوف أعود حالا. بعدها أسرعت المرأة عائدة إلى بيتها، وأغلقت خلفها الباب بإحكام، ولما شعرت أم حمار أن المرأة قد تأخرت كثيرا. غضبت وثارت ثائرتها، ثم قصدت بيت المرأة وراحت تضرب الباب بقوة طالبة أن تخرج لها في الحال، ولكن عندما لم يجبها أحد بالمرة. صعدت إلى أعلى البيت، وكان عبارة عن كوخ مصنوع من جريد وسعف النخيل وهمت بالتبول على ساكنيه انتقاما منهم، فتصدى لها زوج المرأة مسددا لها ضربة قاسية بحربته الحادة. فهربت أم حمار بجرحها البليغ، ولا تخبرنا القصة هل ماتت أم حمار أم لا... ولكنها تقول لنا إنها لم تعد تخرج مرة أخرى».

وهكذا خرجت لنا من خرافة أم حمار العديد من الحكايات الفرعية، وأتاحت مجالا واسعا لمخيلة الناس لكي يضيفوا عليها موتيفات جديدة تتفق من حيث الشخصية الخرافية لأم حمار وتختلف من حيث التفاصيل والحوادث.


- حكاية أم الخضر والليف

ليست أم الخضر والليف من عالم الجن ولا الأشباح فهي لا تعدو كونها كناية عن النخلة، فالأخضر يعني السعف والليف هم الغشاء الذي يلف عنق النخلة، واستخدام كلمة (الأم) في هذا المعنى هو نتيجة لارتباط المرأة بشكل دائم بالسحر والشعوذة حسب الموروثات القديمة، فالسحر ارتبط بالأنثى منذ القدم فالساحرات دائما يأتون بصيغة الأنثى (أم القرون) أم حمار - كلبة القايلة - مسعودة .. الخ.

وتستخدم خرافة أم الخضر والليف لتخويف الصغار، وقد تم استنباط هذا المعنى من النخلة لكونها تصدر أصواتا تثير الفزع مع هبوب الرياح. إضافة إلى أن ارتفاعها الشاهق وسعفها المتحرك شبيه بامرأة تنثر شعرها مع الريح. وفي المناطق في البحرين، يعتقدون ان النخلة يسكنها الجن، ويكون هذا الجن على شكل جني غير مرئي يعيش في أعلى رؤوس النخيل ويقوم بحركات شبيهة (بحركة المنشار) وذلك يعني أن النخلة كانت تشكل مصدر خوف وفزع لدى الكبار مما دعاهم إلى اختراع تلك الأخيلة فيتصورون أن النخيل هي من جنس الساحرات خاصة أثناء الليل، ومن ثم نقلوا ذلك الخوف للأطفال فأصبحوا يخوفونهم بحكاية أم (الخضر والليف) مع علمهم بأنها ليست سوى نخلة لكن في اللاوعي هي جنية متلبسة.

العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً