دائما ما تقرن لفظة التعصب بلفظة الأعمى كناية عن أن التعصب يعمي رؤية الإنسان، والرؤية المقصود بها هنا ليس رؤية العين وإنما رؤية القلب التي تحجب عن الإنسان الحقائق وتجعله أسيرا لبعض المواقف المتعصبة التي لا يمكن له أن يحيد عنها.
والتعصب مذموم في مختلف الشرائع الإلهية والوضعية على السواء، كونه يجعل صاحبه لا يقبل النقاش معتقدا أنه وحده من يملك كامل الحقيقة!
ولقد اشتهرت القبائل العربية قديما بتعصبها لقبائلها ولأحسابها وأنسابها، حتى جاء الإسلام بقيادة نبي الرحمة محمد (ص) ليعلن المساواة بين بني البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
والتعصب يستخدم سياسيا أيضا من قبل بعض الأحزاب أو الحكومات أو الأفراد الذين يسعون لشد العصب القومي أو الديني أو الطائفي من أجل الحفاظ على مصالح ومكتسبات شخصية وفردية حتى لو أدى ذلك لخراب البلد، فشبكة المصالح تقتضي في أحيان كثيرة شد العصب لدى الجمهور حتى لو استدعى ذلك استدعاء حوادث تاريخية وإسقاطها على الحاضر، فالهدف يبرر الوسيلة كما يقولون!
ولكوننا في العالم العربي مؤهلين مسبقا لتقبل التعصب وتقديمه على الكثير من الأمور من خلال بنية العائلة والقبيلة والطائفة، فإن المجال الرياضي لم يخل هو الآخر من هذا التعصب الأعمى بل هو من أكثر المواضع التي يظهر فيها هذا التعصب، وليست بحوادث مباراة الجزائر ومصر ببعيدة عنا على رغم أن المباراة كانت بين شعبين عربيين شقيقين بينهما دماء مشتركة ومصالح دائمة.
وعلى رغم أن الرياضة هي رسالة السلام للعالم ووسيلة للتواصل بين الشعوب والأمم، فإننا حولناها إلى وسيلة للبغضاء والتناحر، وليس ما يحدث بين أنديتنا المحلية ببعيد عنا، فالعصبية تمنع الكثير من الجماهير من الاستمتاع بالرياضة وهو الأساس في المنافسات الرياضية، وتحولهم إلى مجموعة دمى كل همها سب ولعن المنافسين وإن اقتضى الأمر سب إدارة أنديتها ومدربيها ولاعبيها.
هذه الجماهير التي تعتقد أن كل صافرة من الحكم هي خطأ غير صحيح إذا كان ضدها، وكل سقوط للاعبيها هو خطأ صحيح لصالحها، وهي تعتقد أنها محقة على الإطلاق!
والمشكلة أيضا أننا لم نكتفي بالتعصب الأعمى لأنديتنا، بل بدأنا بنقل هذا التعصب للملاعب العالمية، وخصوصا بعد شيوع نقل الدوريات الأوروبية الكبرى من خلال شبكات التلفزة العربية، ويمكن ملاحظة هذا الأمر بشكل جلي في المقاهي الشعبية وفي الديوانيات، فالنقاشات التي قد تصل إلى حد التشابك والدماء الثائرة في العروق تدفع للتعجب والاستغراب، لأن الدوريات الأوروبية وجدت أساسا لمشاهدة المتعة الرياضية الحقيقة والمستويات والمهارات الرائعة التي لا توجد في دورياتنا المحلية في حين أن البعض لا يستمتع أبدا بالمنافسات الرياضية العالمية بقدر جاهزيته المتواصلة لإظهار تعصبه الأعمى والدخول في نقاش وجدال له أول وليس له آخر.
فالحال بين جماهير برشلونة وريال مدريد لا تسر العدو قبل الصديق، لان بعض النقاشات بشأن هذين الناديين وصلت إلى حد الخصومة إن لم يكن الاشتباك والعداوة الدائمة، في حين أن جماهير الناديين في اسبانيا نفسها تستمتع بأداء الفريقين قبل أن تتعصب لأحدهما، وجميعنا شاهد كيف وقفت جماهير ريال مدريد مصفقة للاعب برشلونة البرازيلي رونالدينهو وهو يستعرض في البرنابيو!
الرياضة فوز وخسارة، وأي فريق قد يفوز وقد يخسر لأن هذا هو حال الرياضة، ودوام الحال من المحال، والتعصب مذموم دائما لأنه يسطح من قدر الإنسان ويظهر جهله أكثر مما يظهر معرفته وعلمه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس"العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ