العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ

أسوار عزْل ذوي القربى!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كتبتُ عن ذهنية العزل منذ جدار عزل المالكية، الذي وُضع حدٌّ له بفضل تدخل عاهل البلاد، وأسهبْتُ في مفاصل تاريخية طالت ما قبل نشوء المجتمعات الإنسانية، وصولا إلى عالم الغابة الحديث، عروجا على سور الفصل العنصري الذي أقامته «إسرائيل».

عدوى قيام الأسوار في العالم الآخر تنهار وتتداعى، فيما هي عندنا تستفحل. تحولت إلى شهوة من نوع آخر، ربما لأننا مجتمعات مسوَّرةٌ بعوامل تتعدَّى الجانب المادي للفصل. نحن مجتمعات مسوَّرةٌ بالحرام، والمنع، والقمع، والرقابة، والكاميرات. وتأتي الدعوة المحمومة من قبل نواب السلطة هنا إلى فرض وإقامة سور للرقابة على الفضاء الإلكتروني لتضيف إلى أسوارنا سورا جديدا سيضيِّق الخناق حتى على الفضاء الافتراضي!

لم تكتفِ دولٌ عربيةٌ بالفرْجة والصمت ومواراة المواقف تجاه السور العنصري الأطول والأبغض في التاريخ الذي أقامته الحكومة الصهيونية؛ بل زايدت بعض تلك الحكومات في موقف يكشف عن فائض الخذلان والتملُّص بإقامة سور يحاكي به السور البغيض.

غزةُ باعتبارها في ضمائر بعض الأنظمة المسيَّرة بـ «الريموت كنترول» الأنظمة المزمنة في إقامتها وسطوتها وخنقها لأنفاس مواطنيها قرابة ثلاثة عقود؛ لأن تلك الأنظمة لا يمكن أن تكتشف الفضاء الذي تتحرك فيه ما لم تعمد إلى خنق فضاءات شعوبها وفضاءات الشعوب اللصيقة بها، في موقف مخزٍ ومؤذٍ ينمُّ عن بيع الجمل بما حمل.

لماذا تعتقد بعض الأنظمة العربية أنها خالدة مخلدة؟ نعم بعضها خالد مخلد بالسخط الفائض عليها لتفريطها وتغاضيها عن الخسف!

السور الذي تزمع إقامته إحدى الدول التي حُيِّدَتْ منذ معاهدة الخذلان التاريخية، يكشف عن حجم المأزق الذي يعانيه النظام. هو سور يظل في نهاية المطاف في مصلحة الدولة الصهيونية؛ لأن نظام الدولة نفسه لم يفكر بإقامة السور يوم أن كانت حكومة رام الله مسيطرة على القطاع وتحت سطوتها، ما يكشف عن تواطؤ فاضح بين النظام المذكور والدولة العبرية.

الأنفاق التي تريد الدولة المذكورة ردمها على أصحابها، تظل هي شريان الحياة الوحيد لشعب محاصر في أكبر سجن عرفه التاريخ الإنساني، ويراد لذلك الشريان أن يقطع كي يتمكن النظام هناك من تمرير عقود أخرى لتوريث مزيد من السياسات التي ستؤدي بنا في نهاية المطاف إلى تحقيق وهم عتيق بإلقاء «إسرائيل» في البحر، سيرتد علينا هذه المرة لنكون نحن مشروع شحن وإلقاء في أكثر من بحر لن يفيض بنا!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً