في البحرين، رسميا نحن على استعداد تام لمواجهة كافة المخاطر والأزمات! عندما تم طرح سؤال: هل نحن حقا مستعدون لمواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل، والفيضانات والحرائق وموجات الجفاف والتصحر والعواصف والأوبئة والتسخين الحراري وما شابه؟ سيأتي الجواب نعم فنحن مستعدون لذلك! والبحرين لديها كافة الإمكانات للتصدي أو للتقليل من مخاطر الكوارث، كما أن البحرين قد أنشأت «اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث» وعند سؤال بعض موظفي القطاع الحكومي في الوزارات مختلفة عن مدى توافر المراجع أو التعليمات ومدى إلمامهم بواجباتهم في حالة وقوع مثل هذه الكوارث «لا سمح الله» أبدى الكثيرون بأن ليس لديهم أدنى فكرة، فقط الهرولة خارج المبنى في حال سماع إنذار الحريق، البعض لن يغادر على افتراض أن إنذار الحريق انطلق بسبب عطل كهربائي!
وعندما بدأت الأزمة المالية العالمية بسبب فساد الأنظمة الأميركية في البنوك العقارية، طرح أيضا سؤال: هل ستتأثر البحرين بهذه الأزمة الطاحنة؟ فتوالت التصريحات بأن البحرين بعيدة كل البعد عن هذه الأزمة العالمية! وإنها لم ولن تتأثر بها، جاءت هذه التصريحات على أساس أننا في البحرين ننتمي إلى كوكب آخر غير الأرض أو إننا نعيش في مجرة مختلفة! فها هي الأزمة تطال دبي بدولة الإمارات فتتسبب بخسائر كبيرة للمستثمرين متمثلة بمديونيات كبيرة، تعجز عن تسديدها على رغم كثرة ووفرة الأصول إلا أن الأخيرة قد فقدت قيمتها بما يزيد على 50 في المئة فجاء الخبراء بتصريحات مطمئنة بان الأزمة مؤقتة وان دبي قادرة على مواجهتها! ومازال الإصرار أن البحرين في منأى عن أخطارها!
من الصعب جدا أن تواجه الأزمة في ظل عدم الاعتراف بوجودها أصلا، الأزمة أو تداعياتها قد طالت البحرين سواء في المجال المالي والاقتصادي «البنوك» حتى وصلت إلى سوق العقار المعتمد على البنوك أصلا في كساد مكشوف،فأسعار العقارات قد تهاوت إلى 40 – 60 في المئة من قيمتها، فحركة الشراء والبيع أصابها ذلك الهاجس المخيف، فهذا لا يبيع أملا في ارتفاع الأسعار وذاك لا يشتري أملا في هبوط الأسعار.
إن تصريحات الحكومة مازالت محل شك وريبة فهي لا تقر بالمخاطر ولا بالحقائق الموثقة لكونها تنظر بمنظار ضيق يخاف الحقيقة، وهذه النظرة ستزيد من مؤثرات السوق سلبا، وهي بالتالي ستبعث بمؤشرات عدم الثقة.
البحرين مازالت مصرة إصرارا عجيبا على الانصهار مع الدولار الأميركي على رغم كافة المؤشرات الاقتصادية والمالية التي تثبت هبوط الدولار والاقتصاد الأميركي إلى الهاوية، فقد وصل عدد البنوك الأميركية المفلسة إلى 133 بنكا، وفقد الاقتصاد الأميركي عشرات النقاط على مؤشراته الاقتصادية فماذا يحدث في أميركا... هذه بعض المؤشرات:
- ازدياد نسبة الفقراء والبائسين في غالبية الولايات الأميركية الكبرى.
- استطاعت 25 في المئة من ربات البيوت الأميركية شراء حاجياتهن الضرورية.
- لجأ الاميركيون إلى استئجار البيوت والشقق بدل الشراء بالرهن العقاري.
- لجوء الأميركيين إلى استخدام بطاقة الإعانة الغذائية التي تقدر بـ 72 مليون دولار
- مؤشرات مستويات البطالة في أميركا مازالت في ازدياد.
- ازدياد حركة التنقل بين الأميركيين بسبب البحث عن العمل والسكن.
- هجر المدن والتوجه إلى الأرياف لتأمين الغذاء والسكن.
- توقعات بانهيار الاقتصاد الأميركي «الرأسمالية «
- تدني الضرائب وبالتالي ستؤثر على الخدمات.
- وصول العجز في الموازنة 292 مليار دولار.
ومن العجيب أن بريطانيا أيضا تواجه نفس الصعوبات المالية فقد قرر خفض مستويات الخدمات وبالتالي ستقوم بتسريح ما يقارب مليونا من موظفي الخدمات. قامت أميركا والدول الغربية في محاولات للتخفيف من آثار الأزمة المالية بخفض الفائدة في البنوك التجارية وخاصة في مجال الرهن العقاري، ولكنها ستفشل بسبب بسيط وهو إضافة مديونيات جديدة للمستهلكين. لن تؤمن للبنوك أرباحا مضمونة بل على العكس، ففي الظروف الراهنة سيعجز المستهلكون عن السداد وبالتالي تعجز البنوك عن المطالبة بحقوقها المالية وبالتالي ستفقد أصول البنوك قيمتها الفعلية وستبقى مجرد أصول دفترية لا تساوي الحبر الذي كتبت به. وهنا نطرح التساؤل المهم، هل لمملكة البحرين خطة طوارئ لمواجهة الكارثة الاقتصادية أو المالية الحالية أو المستقبلية؟
أرجو أن لا يكون الجواب نعم كالمعتاد من باب التجمل والدعاية والطمأنة! فالوضع الاقتصادي في حاجة إلى قرارات حاسمة، ويجب أن يكون أول تلك القرارات هو فك الارتباط مع الدولار الأميركي ومحاولة عدم الاعتماد على مجال العقار أو ما يسمى بالمشاريع العقارية الطموحة والتي يشوبها الكثير من التساؤلات لكونها تخدم فئة معينة، ومضرة بالبيئة وخاصة البيئة الفطرية والبحرية! ويجب الاعتماد على الاستثمارات الغذائية والصناعية ومجالات الاعتماد على الموارد الذاتية، ويجب التروي في اختيار الاستثمار المناسب للوطن بجميع فئاته وليس محصورا في جهة ما أو فئة محدودة ومحاولة الاستناد الى مرجعيات كالجدوى الاقتصادية وخبرات الآخرين.
خالد قمبر
إذا تبغي من الآخر تعبت أرسم بلا ألوان
تعبت أحفر حروف الوهم فوق أوراق مخفيه
تعبت أنشد وأغنيها بلا صوت وبلا ألحان
أمثل خدعة العاشق في قصة حب وهميه
تعبت أرسم لك اللوحه واجعل نفسي العنوان
وتحصرني مكابرتك في صوره غير مرئيه
تعبت أظهر بهالصوره... بلا برواز ولا جدران
تعلقها على زيفك... تزينها بمزاجيه
تهمشها إذا ودك وتطويها مع النسيان
وتوهمها بقدر الحب إذا ودك علانيه
إذا تبغي من الآخر وجودي في دنيتك يافلان
غلط وأكبر من أغلاطك ظهوري بصوره عاديه
أجمّل لك وأعديها على ما تشتهي أزدان
وأكَبّرك بنفس غيري... وأزينك ابحسن نيه
تعبت أجرف في أنفاسي وأحجبها عن الأعيان
أراكمها في جوف القلب وأطبطبها بحنيه
تعبت أصنع من اللاشي مشاعر ترتعد طوفان
وأمطر غيث هالصحرا من غيوم الأنانيه
تكون بدنيتي لوحة ملامح مبهه وإنسان
مجرد من صفات النفس... بلا أوصاف حسيه
وأكون بدنيتك ريشه يبعثرها هوى الخذلان
ويركنها على الهامش... مشاعر حب منفيه
أكون بدنيتك ورده تِنَمّي للجذور أغصان
ويجرفها أذى الواقع... ويدفنها وهي حيه
تعبت أحلم وأحلامي وهم مايروي العطشان
تعبت أظما بعد واظما وكاسك يرفض الجيه
جميلة المرخي
كان ينتظر صبيحة ذلك العيد، وكان يترقبه بفارغ الصبر والشوق، أتعرفون لماذا؟ كي يلبس حذاءه الجديد، لا! الذي أهداه إياه والده قبل أن يودعه، هدية نجاحه وتفوقه في دراسته، لا، حتى أنه كاد أن ينام به في ليلة العيد، لا! لولا أمه التي خلعته منه وهو نائم، أو يرتدي بذلته الكحلية الجديدة، أيضا لا، إذن ما الداعي إلى تشوقه وحماسه لهذا العيد؟ إن قضيته ليست في لبس حذاء جديد ولا في ارتداء بذلة جديدة، إنما قضيته أكبر من ذلك وما إن بزغت شمس ذلك اليوم حتى نسي قضيته، فراح يبحث عن حذائه فلم يجده، ولم يجد أيضا بذلته الزرقاء الجميلة التي وصلته من أبيه، ثم تذكر والده، فركن في غرفته واستسلم لقدره، وصمت في داخله مرة أخرى، وراح يعنف ضميره وعقله تارة أخرى، إلى أن ختمها بقطرات من دموعه البريئة، التي وجدت من يمسحها عن خده هذه المرة المشع براءة وبياضا، شقيقه جمال الذي يكبره بسنة واحدة، الذي أطلق من بعيد شعارا «لا يلبس الجديد وأبوه بعيد»! وقبل أن يسمع من أخيه أرجوزته هذه المتكررة في كل عيد، لا تحزن يا جمعة سيأتي ذاك العيد الذي تلبس فيه حذاءك وترتدي بذلتك الداكنة ونفرح فيه كما يفرح فيه أصدقاؤك وزملاؤك، قاطعه شقيقه ثانية قائلا له: العيد القادم! فصمت، وهو يعرف أن العيد السابق كان عيد الأكل كما كان يسميه؛ لأن الناس يفطرون فيه، وهذا العيد يسميه عيد الحجاج؛ لأن والده كان يحج فيه، لكنه لا يعرف أي عيد هذا الذي قصده شقيقه، إذ راح يلهو في دراجته لعله تنسيه آلامه بغياب والده وتهديه آماله بعودته، وهو يسمع قهقهات زملائه خارجا وهم ينادونه ألا تخرج معنا يا جمعة نلهو ونلعب معك؟ من الذي حبسك عنا في هذا العيد أيضا؟
لحظات وإذا هو واقف أمامهم ورقابهم معلقة ناحيته كأنه القائد في هيبته يخطب في جنوده، ولكنه لم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة، فكان الصمت جوابا! وقبل أن ينسحبوا عنه بادره صديقه سعد ذو الأسنان الساقطة كسقوطه في الدراسة، وهو يتبختر بثوبه الأبيض الجميل المملوءة جيوبه دراهم ودنانير! لِمَ لا تتكلم معنا يا جمعة؟ هل أمك مريضة هذه المرة أيضا؟ فسبقه زميله جاسم ذو الشعر الأسود المجعد كالحلقات تشبه الدوائر الحمر التي تملأ كراريسه في كل امتحان شهري!
أخيرا مضى هذا العيد بسلام ولم يعتقل فيه أحد من الفلسطينيين مثل كل عام، وكل عام وأنتم بخير! كان ذلك صوت المذياع الذي ينبعث من منزل جاره سعد ثم اختتم المذيع النشرة بخبر عاجل من «إسرائيل» إذ أعلنت عن إطلاق صراح مئة أسير فلسطيني بمناسبة العيد، كان وقع هذا الخبر على الأمهات الفلسطينيات كبيرا جدا، إذ هنأوا فيه أنفسهم، أما بالنسبة إليه فكان عاديا لأن يعرف أن أباه لن يكون معهم، لكنه لم يستطع حبس احتجاجه، لماذا في كل الأعياد تطلق «إسرائيل» مئات الأسرى بينما في بلادنا يعتقل العشرات، ولا يطلقون إلا القليل منهم وغالبيتهم من ارتشى أو سرق من خزينة الدولة أو اعتدى على مال الغير؟ لماذا يا ماما؟ لماذا أبي لايزال بعيدا عنا؟ ولكنه يعرف أيضا انه لن يحصل على جواب منها هذه المرة أيضا! وعاد ثانية يلهو بدراجته في فنائه الفسيح لعله يجد فيه تسليته وحلا لمشكلته، إلا أن عقارب الساعة أسرع منه إذ تشير إلى قرب غياب قرص الشمس ومعها لونها البرتقالي الجميل! فانزوى في مخدعه وتوسد وسادته واستسلم لنومته ولكوابيسه من جديد، كأنه جالس مع أبيه مرتديا بذلته الداكنة وحذاءه الأسود بمعية والدته وشقيقه جمال وهم في فرح وسعادة لا توصف إلا أنه لا يبدو مسرورا ولا فرحا بل كان حزينا، أتعرفون لماذا؟ لأنه يعرف أن هذا حلم، نعم حلم وقد شبع من هذه الأحلام الليلية والكوابيس النهارية، التي تريه صورة أبيه إما جالسا معه او قادما إليهم وقد أطلق سراحه من الأسر، والآن العيد لم يأتِ بعد، إلا أنه حقيقة وليس حلما، إذ كانت أمه توقظه من قيلولته لتخبره بإطلاق جميع الأسرى بما فيهم والده أبو جمعة في يوم الجمعة المصادف يوم العيد الوطني المجيد القادم، وهنا جلس مسرورا جدا وهو كالمجنون أتعرفون عمَّ يبحث؟ يبحث عن حذائه وبذلته الزرقاء الداكنة ليستقبل بها والده!
مهدي خليل
إن جامعة الدول العربية دعمت نظام العفالقة في بغداد منذ قيامه في العام 1968، وحتى تاريخ سقوطه في العام 2003، حيث استولى النظام البعثي على سدة الحكم، وأعمل هذا النظام السلطوي الديكتاتوري السيف في رقاب الشعب العراقي ، ولم يتورع عن مطاردة واغتيال الكوادر الحزبية على الشبهة والظنة، فتمت تصفية الحسابات مع قيادات حزبية ساهمت مساهمة فعلية وفعالة في تأسيس هذا الحزب القومي النزعة.
وما أن اعتلى الرئيس المقبور صدام سدة الحكم، وهيمن على مقدرات السلطة حتى أصبح يحكم العراق بدكتاتورية مطلقة، ولم تعد الأنظمة والتعاليم الأساسية والجوهرية للحزب تعني له شيئا، فلم يكلف نفسه عناء تطبيقها أو الالتزام بها، وأصبح هو وحده من يحكم البلاد، ويتحكم في رقاب العباد بالحديد والنار.
فخاض غمار الحروب بفعل ما أصابه من جنون العظمة، الذي يصيب الطغاة من أصحاب الزعامات الموهومة، والمعجبة بعظمتها وخيلائها ظنا منها بتفوقها على البشر، وانتهى الأمر بأن أصبحت بلاد ما بين النهرين، التي احتضنت الحضارات منذ آلالف السنين، وقد أُحتلت من قبل الغزاة والمستعمرين، وصارت مرتعا خصبا لعصابات القتل والجريمة المنظمة.
ولقد شهد العراق الجريح في عهد الطاغية ، شتى أصناف الظلم والعذاب والإبادة الجماعية ، ومن شدة قساوة وبطش إرهاب الدولة، وما اقترفته يداه من جرائم ونكبات ومجازر، يندى لها جبين البشرية جمعاء، فبدءا بالاغتيالات والتصفيات الجسدية، ومرورا بالملاحقات القمعية والتهجير القسري، وانتهاء بزجّ الجيش العراقي ليكون وقودا لحروب طائشة، بالإضافة إلى ما قام به من قمع وإبادة بحق فئات مختلفة من الشعب العراقي، كانت تخالف ذلك النظام الدموي، وترفض سياساته القمعية ، وأساليبه الدكتاتورية الهمجية.
لم يتورع هذا النظام الجائر في استخدام أعتى الأسلحة في قمع وإبادة قطاع كبير من أبناء العراق الجريح خلال الانتفاضة الشعبانية الباسلة، ومن عاقبهم عقابا جماعيا بشتى الوسائل والطرق، وعمل بكل قسوة ووحشية على تجفيف مياه الأهوار، لقتل وتدمير كل مظاهر الحياة فيها لتهجير سكانها، وتمادى في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الأخوة الأكراد في الشمال، والتي أدت إلى وقوع مجازر بشرية مروعة في حلبجة وفي مجزرة الأنفال، وهي جرائم ستظل شاهد عيان على ما ارتكبه ذلك النظام النازي.
وبالإضافة لما قام به ذلك النظام الفاشستي من حرب على جارته المسلمة، التي كانت قد خرجت للتو من مخاض ثورة شعبية عارمة، أطاحت بنظام بوليسي قمعي سلطوي، والذي كان يعتبر أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، ويمتلك أحدث الأسلحة المتطورة والحديثة، وكان يعد جيشه خامس قوة عسكرية في العالم من حيث التدريب والتسليح، ويمتلك أشرس جهاز مخابراتي يدعى (السافاك).
واستمرت تلك الحرب المجنونة والمفروضة زهاء ثمان سنوات، كان لأميركا ودول أوروبية أخرى الفضل الكبير في استمرارها. وبتوفير الصواريخ الصينية، اشتعلت حرب جديدة من نوعها، وهي حرب المدن وقصف السكان الأمنين، وضرب السفن المحملة بالنفط بها، حيث تم تدمير العشرات من السفن، بالإضافة إلى ما سببته من تلوث في البحار والمحيطات وشواطئها، وكذلك القضاء على الأحياء البحرية والثروات المائية فيها، وهي التي تعتبر من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي بحق الشعوب، ولقد التزمت الدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان في العالم يومها الصمت المطبق، ولم تكلف نفسها حتى عناء إدانة النظام.
لم يحفظ رأس النظام العفلقي في العراق الجميل والمعروف، الذي أسدي إليه من تلك الدول الشقيقة، وخاصة الكويت التي كادت أن تحارب إلى جانبه، وفتحت له خزائنها المالية، وتبرع الشعب الكويتي بأقصى ما يملك من مال وثروات.
رد هذا الجاحد والناكر للمعروف والجميل على تلك الدولة بحرب ظالمة احتل الكويت بطائراته ودبابته ومجنزراته، ومعداته العسكرية التي لم يزل غبار الحرب السابقة متكدسا عليها، والتهمها كلقمة سائغة خلال سويعات قليلة، واعتدى على سيادة دولة عربية من دول البوابة الشرقية، ولم يخرج منها إلا بحرب مدمرة ضده من قبل دول التحالف الغربية وبعض الدول العربية، وكانت أغلب تلك الدول هي التي دعمته وساندته بالأمس القريب.
أين كانت جامعة الدول العربية من كل تلك الفواجع والكوارث التي ارتكبها صدام ونظامه الدموي؟! ولماذا لم تتكرم تلك الجامعة العتيدة خلال تلك السنوات من تحريك ساكن وفضلت التزام الصمت المطبق؟!
لن نذهب بعيدا، فمنذ سقوط صنم العراق وحتى الآن لم تفكر تلك الجامعة باتخاذ القرارات والإجراءات الضرورية اللازمة لمساندة الشعب العراقي والوقوف معه في محنته الصعبة والمتعسرة، على رغم المؤتمرات والاجتماعات المتكررة التي تعقدها، ولكنها على ما يبدو لا تعدو كونها حبرا على ورق، شأنها في ذلك شأن بقية القمم والاجتماعات العربية التي تعقد دوريا.
فما الذي حدا ما بدا، حتى تسارع جامعة الدول العربية، وترسل بوفد رفيع المستوى لبحث التمهيد لعقد مؤتمر مصالحة وطنية ، برئاسة أمينها العام لتخوفه من وقوع حرب طائفية، وربما يكون من أجل أشياء أخرى، وهي فرض الوصايا العشر، التي تعتبر تدخلا سافرا بحق العراق وسيادته، وفرض سيناريوهات على الشعب العراقي، أهمها فرض المصالحة الوطنية - على حد تعبيرها - مع العصابات الإرهابية المسلحة، وإشراكهم في العملية السياسية، لتزحف من جديد تلك العصابات وتستولي على كرسي السلطة في العراق الجريح، وتعيد الشعب العراقي إلى المربع الأول، وكما يقول المثل العربي: «وكأنك يا أبا زيّد ما غزيت».
وحتى يومنا هذا لم تقم جامعة الدول العربية بواجبها على أكمل وجه، إذ كان من الواجب عليها التحرك على أعلى المستويات، لتتضافر الجهود والتمكن من القيام بعمل جماعي من قبل كافة الدول العربية، لانتشال العراق من محنته العصيبة، وما يتعرض له من إرهاب وتفجيرات، تقوم بها عصابات مدعومة من قبل أجهزة المخابرات في بعض هذه الدول، التي تساند وتدعم وتأوي قيادات وزعامات من فلول النظام البائد، وهي التي تتعاون وتتحالف مع الإرهابيين في الداخل، والتي تقوم بشن الهجمات والتفجيرات التي تطال المدنيين الأبرياء، لزعزعة الأمن والاستقرار وإفشال العملية السياسية برمتها.
تمهيدا للعودة إلى المربع الأول، والاستيلاء على السلطة، التي لا تزال حلما يراود مخيلتهم، ويجد هؤلاء من يدعمهم ويساندهم في بعض الدول، التي لا يحلو لها ولا ترغب في وجود نظام ديمقراطي، وعودة الاستقرار إلى العراق الجريح، في ظل حكومة وطنية منتخبة من قبل الشعب بكل طوائفه - المتعددة الانتماءات العرقية والإثنية – والمنتمية لمختلف الاتجاهات السياسية والفكرية والعقائدية.
محمد خليل الحوري
العدد 2670 - الأحد 27 ديسمبر 2009م الموافق 10 محرم 1431هـ