تفصلنا أيام معدودات عن مؤتمر وعد المقبل. وإن كان لنا أن نتوقع المسألة الرئيسية التي سيتوقف عندها المؤتمرون فهي، بدون ادنى شك، قضية الموقف من انتخابات برلمان 2010، ومدى صحة المشاركة أو سلامة المقاطعة. ليس هناك من ينكر مفصلية هذه الموضوع في برنامج أي تنظيم سياسي بحريني خلال العام القادم، لكن ورغم اقتناعنا بضرورة أن يحظى هذا البند بحصة الأسد من جدول أعمال المؤتمر، الذي نتوقع ان يكون مكتضا ببرامج أخرى، لكننا نعتقد أن هناك الكثير من القضايا المصيرية الأخرى أيضا، التي ينبغي على هذا المؤتمر التمعن فيها، بغض النظر عن القرار النهائي الذي سيتوصل له أعضاؤه بشأن تلك الانتخابات. وقبل الخوض في أي من تلك القضايا، لتسمح لنا «وعد»، كمواطنين قبل أي شيء آخر، ومن باب التقدير لمسيرتها النضالية التي لا تبدأ بتشكيلها في مطلع هذا القرن، بل تعود عميقا إلى جذور «حركة القوميين العرب» حيث يتعانق نضال الأحفاد المعاصر مع تاريخ الأجداد الحافل، مناشدتها، ونحن على ثقة من رحابة صدرها وسعة أفقها، على أن تحرص في مؤتمرها هذا على تحاشي، قدر ما تستطيع، الوقوع فريسة سهلة لمدخل تحكمه ردة الفعل السياسية من تاريخ وواقع العلاقات التي تحكمها وسائر الفصائل السياسية، عند تناولها هذه المسألة المعقدة، التي ستقودها بالضرورة إلى التوقف طويلا أمام تلك العلاقات، وعلى وجه التحديد مع تلك القوى التي يمكن تصنيفها في فئة التيار الوطني الديمقراطي. نأمل أن ينجح المؤتمر في تجاوز ذلك كي تتمكن «وعد» وبالرشاقة المطلوبة، الانتقال من فصيل رابض على منصة القوى المتلقية، إلى فريق رائد يقف في مقدمة القوى المنطلقة من المحطة الممسكة بمفاتيح المبادرة التي تلقي وراء ظهرها، وبصدق ومن منطلق استراتيجي، كل تلك الخلافات الثانوية التي ورثتها جميع القوى الوطنية الديمقراطية، وفي القلب منها «وعد» من تاريخ نضالي تمتد جذوره في تربة مرحلة «قانون امن الدولة».
وما يدفعنا إلى الحديث عن «وعد»، أكثر من سواها من القوى الأخرى، هو إدراكنا للدور الإيجابي الذي يمكن أن تمارسه مجموعة الأوراق القوية التي باتت بحوزة «وعد»، والتي بوسعها، إن هي أحسنت استخدامها وتوظيفها سياسيا، ان تشكل نقلة نوعية حقيقية نحو الأمام في مسيرة النضالات التي يقودها التيار الوطني الديمقراطي البحريني، ليس من زاوية آنية ضيقة الأفق، وإنما من منظار استراتيجي تحكمه نظرة مستقبلية رحبة. ولعل أول تلك الأوراق وأكثرها أهمية، هي العلاقات المميزة التي نسجتها «وعد» مع بعض فصائل التنظيمات الإسلامية، والتي تبيح لها تفسير، بل وربما تبرير، أي تنسيق يمكن أن ينبثق بين تيارات العمل الوطني الديمقراطي المختلفة. وعلى نفس القدر من الأهمية تبرز العلاقات التي نمت، منذ إطلاق المشروع الإصلاحي بين «وعد» وتلك التيارات، والتي تمكنها من أخذ زمام المبادرة وطرح مشروعات رائدة على هذا الطريق.
أول القضايا المفصلية التي ندعو مؤتمر «وعد» الخروج بها هي التوصل إلى تحليل سياسي علمي دقيق، بعيدا عن أية موروثات سابقة، يحدد ثقل كل قوة في ساحة العمل السياسي البحريني، ليس في نطاق العملية البرلمانية فحسب، وإنما في الإطار العام الأكثر اتساعا، الذي يشمل فيما يشمل، منظمات المجتمع المدني، إلى جانب الشخصيات الوطنية المستقلة ذات التاريخ الوطني السياسي الذي يبيح لها المساهمة في أي مشروع وطني. الهدف من وراء هذا التحليل هو خروج مؤتمر «وعد» بتقويم صحيح للحصة السياسية التي تخص هذا التنظيم او ذاك، والتي على ضوئها تحدد «وعد» وتيرة وسرعة خطوات تحالفاتها، والمسافة التي ينبغي أن تفصلها عن هذا التنظيم أو ذاك. ولا ينبغي الخلط هنا بين التقويم العلمي الصحيح المبني على بيانات دقيقة مستقاة من ارض الواقع، وبين أية نزعة انتهازية قد تراود أذهان البعض عند قراءة تلك البيانات. علينا هنا التمييز بين امتلاك المعلومة، وأسلوب توظيفها.
ثاني تلك القضايا، والتي تحتل مكانة الأولوية الملحة في هذه المرحلة، والتي نناشد مؤتمر «وعد» أن يوليها الأهمية التي تستحقها، حتى في سياق تجيير قواه للمشاركة في الانتخابات او مقاطعتها، هي الوصول إلى ما يمكن ان نطلق عليه التأسيس لإطلاق «ميثاق عمل وطني» بين قوى التيار الوطني الديمقراطي، التي آن الأوان كي ترص صفوفها وتكتل جهودها من أجل الخروج ببرنامج عمل مرحلي، يعالج، فيما يعالج، مسائل كثيرة من بين أهمها الموقف من تلك الانتخابات. ولا ينبغي أن يغير من أولوية هذه المسألة - إطلاق ميثاق العمل الوطني - قرار مؤتمر «وعد» بالمشاركة في تلك الانتخابات او مقاطعتها. ففي كلتا الحالتين، تبقى هناك ضرورة لعقد لقاء، يأخذ شكل ورشة عمل، أو ندوة مصغرة، بعيدة عن الأضواء الإعلامية، تناقش برنامج العمل ذلك.
وللابتعاد عن أي شكل من أشكال الدعوات التجريدية، يمكننا مناشدة «وعد» لتشكيل لجنة مصغرة تضم في عضويتها ممثلين عن التيارات المختلفة من فصائل العمل الوطني الديمقراطي، بالإضافة إلى مجموعة من الشخصيات الوطنية المؤهلة والتي لديها رغبة في المشاركة في صياغة هذا البرنامج، من أجل التحضير لورشة العمل أو الندوة الداخلية التي ستناط بها مهمة الخروج بالتصور المطلوب للعمل الوطني خلال الفترة المقبلة، ومن بين كل ذلك وضع تصور صحيح لأساليب معالجة المواقف المختلفة من الانتخابات القادمة.
إن مؤتمر «وعد» المقبل، هو يوم الوعد الذي ستقول فيه «وعد « كلمتها الفاصلة، ليس في شأن، يبقى صغيرا مهما كانت المساحة التي يحتلها في ساحة العمل الوطني الديمقراطي، والذي هو الموقف من الانتخابات، وإنما في قضية تمس جوهرة مسيرة العمل الوطني الديمقراطي خلال المرحلة المقبلة، وعلى «وعد» أن تكون بمستوى المسئولية، وبقدر الثقة التي نالتها من جماهيرها، كي لانجد أنفسنا نعود مرة أخرى نجتر تاريخ علاقات سابقة أكل عليها الدهر وشرب، أو ضحايا سهام اتهامات واهية ليس مكانها، ولا زمنها ، مؤتمر «وعد» المقبل الذي يتمنى له الجميع كل النجاح والتوفيق.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2668 - الجمعة 25 ديسمبر 2009م الموافق 08 محرم 1431هـ