يعتبر عقد الثمانينيات بالنسبة إلى الكثيرين فترة الذوق السيئ، ويبدو هذا الاعتقاد صحيحا إذا ما تأملنا الاتجاهات التي تربعت على عرش الموضة في تلك الفترة، حيث كانت خصلات الشعر العملاقة وسراويل «الليجنز» ذات اللون النيون، وجواكت «البليزر» الضخمة أحدث صيحات الموضة آنذاك. وعلى رغم ذلك تشهد الموضة الحالية عودة بعض هذه الاتجاهات التي اعتلت قمة خطوط الموضة في حقبة الثمانينيات وشهدت إقبالا شديدا في هذا الوقت من خلال الأفلام الشهيرة «Topgun» و «Miami Vice»، وكذلك الوصفات السحرية لجوليا روبرتس في رائعتها «Pretty Woman». غير أن هذا لا يعني ارتداء «البلوفرات» القديمة أو ارتداء الألوان غير المتناسقة. فمن لا يرغب في أن يبدو كما لو كان قادما من الماضي، فعليه أن يحرص على أن يكون متميزا ومختلفا عن الآخرين.
ومن المعروف أن موضة الثمانينيات اتسمت بالجرأة الشديدة والتمرد والانطلاق. وكانت ثقافة «البونك» الشبابية التي انتشرت في هذه الفترة مصدرا لإلهام مصممي خطوط الموضة، فكانت ربطات العنق «الكاروه» الرفيعة والجينز باهت اللون تمثل أحدث صيحات الموضة آنذاك. كما كان يمكن ارتداء سراويل «الجزرة» الواسعة من عند الخصر، والضيقة من عند الكاحل، وكذلك سراويل «الليجنز» الملتصقة بالجسم مع أية قطعة فوقية، مع ضرورة أن تكون الألوان صارخة، ويا حبذا لو كانت بدرجات اللون النيون. وبالإضافة إلى ذلك كانت الأكمام واسعة والأكتاف مبطنة. وفيما يتعلق بالأحذية انتشرت الأحذية ذات الرقبة «البوت» والأحذية ذات الكعب المُشكَل.
كل هذه الأشياء عادت لتتربع على عرش الموضة من جديد، ولكن بصوغ آخر ورؤية مختلفة تساير روح العصر، مثلما يتضح في تشكيلات الماركات العالمية مثل H&M و «دانييل هيشتير» و «ماركو بولو» و «مانجو» و «تايجر السويد» و «ستريلسون». وتؤكد خبيرة الموضة الألمانية داغمار بوته من العاصمة برلين ذلك، وتقول: «الملابس الآن لا تتسم بالمبالغة والتكلف كما كانت عليه في الثمانينيات، فصحيح أن الأكتاف أصبحت عريضة مرة أخرى، غير أنها لم تصل إلى الحال الذي كانت عليه آنذاك».
وفي هذا السياق، تشير خبيرة اتجاهات الموضة بمعهد الموضة الألماني بالعاصمة برلين إلكه غيزيه إلى أن القصة مختلفة تماما، موضحة أن أكتاف الملابس في الثمانينيات كانت عريضة للغاية وتتجه إلى أسفل بشكل مخروطي أو صندوقي، أما اليوم فقد قل الإقبال على الأحجام الكبيرة إلى حد بعيد. وتضرب إلكه مثلا على موضة الثمانينيات قائلة : بدت جوليا روبرتس في فيلم «Pretty Woman» كما لو كانت ترتدي جاكيت جدها البدين. ففي هذه الفترة اتسمت قصات الملابس بالأكتاف العريضة والأكمام الواسعة، وهو ما لا يتناسب على الإطلاق مع روح العصر حاليا. وتلفت إلكه إلى أن الأحجام العريضة عادت لتشكل أحد اتجاهات الموضة الحديثة، غير أنها لا تصل إلى المدى الذي بلغته الموضة في الثمانينيات. وتفسر إلكه ذلك بأن ثقافة الاهتمام بالجسد لم تكن منتشرة آنذاك كما هو الحال في وقتنا الراهن، فاليوم ينبغي أن تعكس الملابس ملامح الجسم الرياضي المثالي، لذلك تأتي القصات ضيقة أكثر في مناطق معينة لتتماشى مع خطوط الجسم وتبرز جماله ورشاقته.
واليوم ترتدي المرأة جاكيت «البليزر» فوق فستان، كما يجوز تشمير الأكمام أو رفعها إلى أعلى كما كان عليه الحال فيما مضى. وبعد أن طغت سراويل الجينز الضيقة وذات الألوان الداكنة على خطوط الموضة لمواسم عديدة، عادت سراويل الجينز ذات اللون الأزرق الباهت Stonewashed أو Moonwashed لتشق طريقها من جديد ضمن تشكيلات الملابس العصرية. ووصل الأمر بسراويل الجينز إلى حد البقع الباهتة. وطال التغيير القميص الجينز الأزرق أيضا. وعن هذا التغيير يقول مصمم الموضة الرجالي رينيه لانغ من مدينة دوسلدورف غرب ألمانيا: تأثير القميص الجينز الأزرق يختلف اليوم تماما عما كان عليه في الماضي، فعمليات تغيير لون الجينز إلى اللون الباهت أصبحت تعتمد على درجات لونية داكنة أكثر، موضحا أن قصات القميص الجينز أصبحت اليوم ضيقة أكثر، في حين كانت تبدو في الثمانينيات كما لو كانت «خيام».
ويسري هذا الأمر على السراويل أيضا، حيث أصبحت قصة الوسط والأقدام أكثر ضيقا. كما كانت السيدات يرتدين سراويل الـ «ليجنز» كبديل لسروايل الجينز، ومن دون أن تغطيها قطعة الملابس الفوقية، فكانت تبرز الأرداف والسيقان بشكل فج. ويوضح لانغ أن هذا النوع من السراويل لا يمكن للجميع ارتداؤه بهذه الصورة، لذلك يتم اليوم ارتداء فستان أو تنورة فوقه، وذلك لمداراة الأرداف الكبيرة وكي لا يبدو المظهر العام فجا.
وصحيح أن الموضة الحالية تهدف هي الأخرى إلى خطف الأبصار، ولكن لأسباب أخرى، وتقول خبيرة اتجاهات الموضة الألمانية غيزيه: «جذب الأنظار هو العملة الجديدة، ففي الوقت الحالي هناك احتياج كبير للفخامة والأبهة». وتفسر غيزيه ذلك بأن الجيل الحديث ترسخ لديه إحساس بأن الزمن أصبح أكثر قسوة عن ذي قبل، وأنه ليس من السهل ضمان حياة رغدة، الأمر الذي لم يكن يمثل مشكلة بالنسبة إلى الجيل السابق. فاليوم يسعى أفراد الجيل الحالي سعيا حثيثا أملا في أن «يظفروا ولو بقدر يسير من الكعكة». وكي يتمكنوا من ذلك بات لزاما عليهم أن يعبروا عن أنفسهم جيدا، ويثبتوا تميزهم وتفرد شخصيتهم عن الآخرين.
العدد 2668 - الجمعة 25 ديسمبر 2009م الموافق 08 محرم 1431هـ