تغيرات وتطورات وتجارب كثيرة عاشتها وسائل الإعلام العربي من مشرقه إلى مغربه خلال السنوات الماضية، بعضها قدم إضافة وحقق نقاطا إيجابية لصالح إعلام أكثر حرية وتفاعلا وقربا من الناس، وبعضها حمل معه مشاكله وعقبات استمراره، وغيرهما لم يقدم الجيد أو على الأقل اكتفى بالتقليد والمحاكاة.
وعند النظر إلى الأنموذج الإعلامي العربي بمجمله: الترفيهي والتعليمي والإخباري والديني وغير ذلك، لابد من الإشارة إلى واحد من أهم وأبرز هذه التطورات التي استطاعت أن تسجل المؤسسات الإعلامية العربية خطوة إلى الأمام فيها، هي مسألة التنوع والتعدد في أنماط ونماذج القنوات الفضائية العربية، ومن بينها الإعلام الإسلامي الذي حاول من خلال قوالب مختلفة أن يسجل له حضورا قويا منافسا في بعض الأحيان، ومبتكرا في أحيان أخرى.
وعلى رغم أن المواقع الإلكترونية الإسلامية هي التي تقود هذا القطاع، من حيث النشاط واتساع الانتشار على الأقل، وهي التي تتبادر إلى الأذهان بالدرجة الأولى عند الحديث عنه، فإن القوالب الإعلامية التي يمكن شملها تحت المسمى ذاته تمتد إلى مجالات أخرى، قد تكون ترفيهية وتعليمية وإخبارية أيضا، أسوة بنماذج الإعلام العادي الذي يمكن رؤيته في كل مكان.
فاهتمام بعض المؤسسات الإسلامية أو حتى المنتجين والفنانين المحافظين، بتقديم نماذج فنية إسلامية، تعرض الأنموذج الأخلاقي والقيمي الإسلامي بقوالب تستطيع أن تواكب العصر وتغيراته وفي الوقت نفسه، من دون أن تتخلى أو تغطي طابعها وهويتها الخاصة، بات من النماذج التي نراها في كثير من الأماكن حتى على مستوى عالمي، كما هو الحال مع المغنين أو كما يحب بعضهم أن يطلق عليهم (مؤدين) أو (منشدين) إسلاميين الذين يقدمون أناشيد وأعمالا غنائية ملتزمة، تحمل جزءا من الرسالة الأخلاقية الإسلامية، بطريقة أو بأخرى. وعلى رغم أن بعض هذه النماذج الغنائية الإسلامية لاقت بعض الاعتراضات والانتقادات من أطراف مختلفة، فإنها في المقابل استطاعت أن تحقق شعارا بقي لفترة طويلة مجرد عبارة لغوية، لا قيمة لها في الواقع، وهي عبارة المنافسة وخلق البديل، وهو ما وجده البعض في هذه الأعمال الفنية التي تنافس أشهر الفيديو كليبات الفنية الأخرى، في جميع المستويات، التي تستطيع أن تشد ذات فئة الشباب التي تبحث عن ألبوم لأحد الفنانين الغنائيين العاديين أيا كان مستوى فنه وأدائه.
ولا يقتصر النشاط الإسلامي الإعلامي على هذا الوجه، فلمدة طويلة بقيت الدراما التاريخية الإسلامية مهمشة، ومكررة وغير قادرة على المنافسة والجذب، يضاف إلى هذا حملها لكم هائل من الانتقادات من مختلف الأطراف المهتمة. إلا أن الالتفات لأهمية هذا النوع من الأعمال والتركيز عليها حديثا، وزيادة قيمة رؤؤس الأموال المنتجة لها، ساعدها على التقدم لخطوة إلى الأمام في زحمة الدراما العربية التي تحاول أن تنهض بمشروع إبداعي محلي في مختلف الدول العربية، وخصوصا أن الباحثين عن إيصال رسالة إلى المجتمع والتواصل معه بشأن هذه القيم باتوا يعرفون أن زحمة الإعلام قادرة على شد الأجيال الجديدة لأنماط ثقافية جديدة بمختلف أشكالها السيئة والجيدة، وأن هذه النوع من التواصل مع فئات المجتمع بمختلف أشكالها في كثير من الأحيان بات أكثر تأثيرا وفعالية ومقدرة على إحداث الأثر الإيجابي. وعلى رغم أن هذه النموذج يعيش نوعا من الانتعاش والتحسن على جميع المستويات، فإنه، كما هو حال غيره من النماذج، معرض للكثير من الانتقادات والتدقيقات، وخصوصا لكونه يتطرق في غالبية الأحيان إلى قضايا قد تكون خلافية أو جدلية، وفيها أكثر من رأي، وهو العائق الأول والأكبر أمام تطور هذا النوع من الإعلام.
العدد 2668 - الجمعة 25 ديسمبر 2009م الموافق 08 محرم 1431هـ