وسط التركيز الإعلامي على تطورات القضية الفلسطينية وامتداداتها الإقليمية والعالمية، وبين ثنايا الاهتمام الدولي بما يجري داخل إيران من صراعات تبلور، بشكل حاد وصارخ في مراسم تأبين آية الله المنتظري، ضاعت تفاصيل وأهداف جولة الرئيس المصري حسني مبارك الخليجية التي شملت دول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت على التوالي.
ما رشح من توقعات حول دوافع هذه الزيارة وأهدافها تركز حول ثلاثة محاور أساسية هي: تحسين علاقات الجوار بين إيران ودول مجلس التعاون، تهيئة الأجواء الإقليمية في حال توجيه ضربة عسكرية لإيران، تنقية الأجواء بين دمشق والقاهرة، كخطوة على طريق ترتيب البيت العربي ترقبا لأية مشروعات شرق أوسطية قادمة.
لكن ما أدلى به العديد من المسئولين المصريين، سواء من كانوا أعضاء في الوفد المرافق للرئيس المصري في تلك الجولة، أو من شاركوا في المحادثات المصرية الإيرانية خلال الزيارة التي سبقت جولة الرئيس المصري، والتي قام بها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني للعاصمة المصرية، تؤكد تخبط السياسة الخارجية المصرية بشكل عام، وتجاه منطقة الخليج بشكل خاص، اللهم إلا إذ وضعنا هدفا واحدا لم يفصح عنه، وهو محاولة الحصول على بعض المساعدات في شكل معونات مالية واقتصادية، تساعد مصر على انتشالها من أزمة مالية محدقة بها. وما يدفعنا إلى تغليب هذا الهدف على الأهداف الأخرى هو مشاركة وزير الاستثمار المصري محمود محيي الدين في الوفد المرافق للرئيس المصري، وهو حضور غير مبرر وغير مطلوب في جولة يفترض، كما تدعي وسائل الإعلام المصرية، وكما تقول تصريحات الرئيس المصري، أن تنصب الجهود فيها على مناقشة قضايا سياسية ليست لها أية علاقة من بعيد أو قريب مع الاستثمارات.
نعود بعد ذلك لتأكيد تراجع مستوى أداء السياسة الخارجية في مصر، مستندين على تضارب التصريحات المصرية وتناقضها من أهداف تلك الجولة، مما يدلل على عجز السياسة الخارجية المصرية وعدم قدرتها، في الوقت الراهن، على وضع إستراتيجية واضحة المعالم ذات أهداف محددة. فقد نقلت صحيفة «الأخبار» اللبنانية، وفيما كان الوفد المصري على أهبّة الاستعداد للجولة الخليجية، نقلا عن مسئول مصري قوله «إن علاقات دول الخليج مع إيران جيدة»، موضحا أن القاهرة أبلغت طهران رفضها أية محاولة لابتزاز العواصم الخليجية أو محاولة إجبارها على اتخاذ مواقف تتعارض مع مصالحها الوطنية.
في الوقت ذاته، وأبان زيارة لاريجاني إلى القاهرة، وفي أعقاب لقائه مع رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية ارتياح سليمان من تلك المحادثات، مشيرا إلى أن «إيران ومصر تملكان قواسم مشتركة كثيرة، وإذا كان هناك خلاف فهو بسيط». وأطمأن إلى استعداد بلاده «لأكبر قدر من التعاون في المجالين الاقتصادي والثقافي».
هذا يعني أن العلاقات المصرية - الإيرانية حسنة، وإن شابتها بعض الخلافات الثانوية.
لكننا نقرأ وعلى نحو موازٍ، ما هو مناقض تماما لذلك، فتوضيحا لإمكانية انخراط القاهرة في «ترطيب العلاقات الخليجية الإيرانية»، لم يستطع المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكي، أن يخفي «تردي العلاقات بين القاهرة وطهران، ونجده يعترف بصعوبة نجاح مصر في هذه المهمة، حيث لا يخفي استغرابه من التقارير الإعلامية التي أشارت إلى وجود وساطة مصرية بين دول الخليج وإيران، قائلا «حتى نتوسط بين إيران ودول الخليج يجب أن تكون علاقتنا مع طهران جيدة، ولكن كما يعلم الجميع فإن علاقتنا مع طهران بها خلاف».
تارة تحاول القاهرة، كما هو واضح في التصريح الأول، أن تبدو قوية إلى درجة أنها لن تسمح لإيران بإرغام دول الخليج على عمل يفرط في سيادتها الوطنية، وتارة أخرى هناك بعض الخلافات البسيطة مع إيران التي لا تمنع التعاون، وفوق هذا وذاك، هناك إشارة واضحة، كما في التصريح الثالث، إلى تردي العلاقات إلى درجة تفقد مصر القدرة على «التوسط».
ترى كيف يمكن لمن يريد أن يمارس دورا رياديا في ترتيب أوضاع المنطقة، أن يقوم بذلك، وهو غير قادر على تحديد طبيعة ومستوى العلاقة التي تربطه بأحد أهمها والذي هو إيران.
يصعب القبول بدور مصري إستراتيجي اليوم، طالما أن القاهرة غير قادرة على تحديد موقف واضح وصريح من الأحداث التي تمر بها المنطقة، وفي مقدمة ذلك قضية الملف النووي الإيراني، ففي غياب مثل هذا الموقف الواضح والصريح، تتحول السياسة الخارجية المصرية، كما هي عليه اليوم، إلى ممارسات يومية غير مدروسة تأتي كردود فعل آنية على التطورات التي تشهدها المنطقة، من مستوى الملف النووي الإيراني.
نجد تخبطا من نوع ما في الموقف المصري من قضايا مصيرية أخرى، لعل أكثرها بروزا هو فشل مصر في التوسط بين الأطراف الفسطينية المتنازعة، بل هي اليوم، وبعد شروعها في بناء السياج الحديدي، قد تجد نفسها طرفا في الصراع الفلسطيني الداخلي، بعد أن كانت حكما للفصل بين أطرافه المختلفة.
لا يبقى بعد ذلك من بند يمكن أن تقرأ من خلاله تلك الجولة، بالإضافة إلى محاول الحصول على الدعم المالي والاقتصادي، سوى الملفات الروتينية العربية مثل ملف العلاقات السورية - المصرية، أو المصرية - الفلسطينية، والتي من غير المستبعد أن تكون قد أخذت حيزا من محادثات تلك الجولة، خصوصا وأن هناك حديث متزايد عن احتمال زيارة يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الرياض، واحتمال أن تعقبها قمة ثلاثية سعودية - مصرية - سورية، وهو ما أشار إليه مصدر مصرى مسئول، حيث قال «ليس هناك ما يدعو لعدم عقد هذه القمة لأن الأرضية ممهدة من حيث المبدأ ولكن القرار فى هذا الأمر يرتبط بالتقدير الرئاسي».
باختصار يصعب على فاقد الشيء أن يعطيه، وطالما استمرت مصر في فقدان سياسة خارجية واضحة غير متذبذبة أو مضطربة، فمن غير المتوقع أن تمتلك القدرة على مد الآخرين بالحلول التي يحتاجونها لتحسين العلاقات فيما بينهم. ومن ثم فمن غير المتوقع أن تسفر تلك الجولة عن شيء ملموس فيما يتعلق بترتيب العلاقات الخليجية - الإيرانية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2667 - الخميس 24 ديسمبر 2009م الموافق 07 محرم 1431هـ
مصر ملت من العرب و العرب ملو منها
عاوزين تحاربو اسرائيل .. اهي اسرائيل تعالو حاربوها. ما تعملوها عنتر بن شداد على النت و في الصحف و في التلفزيون، هو انتو عندكو جيوش أًصلأ. مصر مش حتحارب عشان حد. مشكلتكو انكو ما تحبوش مصر بس ما تقدروش تعملو حاجة من دونها. أيوه 80 مليون مصري، يعني البحرين بسكنكم في عمارة في اسكندرية. 7000 سنة حضارة منخفش من حد. و الأهرام قدامكم.