تسلّمت ست عائلات فلسطينية جديدة خلال الأسابيع القليلة الماضية مذكرات بضرورة إخلاء منازلها في حي الشيخ جرّاح بالقدس الشرقية.
مرة أخرى نستطيع توقّع مشاهدة مناظر أصبحت روتينية: يقوم مستوطنون ترافقهم قوات الشرطة بإخلاء السكان بالقوة وإلقائهم مع ممتلكاتهم في الشارع. سوف يشاهد هذه الصور أصدقاء «إسرائيل» في كافة أنحاء العالم، وسيجدون صعوبة في فهم كيف تتواءم مع التزامات الحكومة الإسرائيلية المعلنة حول عملية السلام.
ينتظر مصيرا مماثلا حوالي عشرين أسرة فلسطينية في ذلك الحي، فقدوا حقوقهم السكنية في عملية قانونية طويلة مضنية ضد المؤسسة الاستيطانية، بعد أن قبلت المحكمة ادعاءاتهم بملكية الأرض وتأكيداتهم بأن الأسر الفلسطينية التي تقيم في تلك المنازل لم تحقق التزاماتها كمستأجرين تجب حمايتهم. تنوي مجموعات المستوطنين هدم المنازل وبناء مستوطنة إسرائيلية تضم 200 وحدة سكنية مكانها.
هذه هي المرة الثانية التي تصبح فيها هذه الأسر الفلسطينية لاجئة. كانت المرة الأولى إبان حرب عام 1948، وهم يقيمون في الشيخ جرّاح منذ العام 1956 عندما وافقت الحكومة الأردنية التي كانت تحكم القدس الشرقية وقتها على طلب الأونروا إسكان ثلاثين أسرة فلسطينية في الموقع.
يجد هؤلاء الذين يراقبون الأحداث الحالية في القدس الشرقية صعوبة في رؤية العلاقة بين إعلانات الحكومة والواقع على الأرض. واقع الأمر هو أن القدس الشرقية أصبحت ساحة تحتلّ فيها المنظمات المتطرفة الممتلكات بأساليب مشبوهة، وتنشُر قوة أمنية خاصة تمولها الحكومة، والذي بحسب وزارة الإسكان كلّف حوالي 80 مليون شيكل في عام 2008، وهو أمر يثير في الوقت نفسه التوترات مع السكان الفلسطينيين.
يشكل حيّ الشيخ جرّاح حالة تثبت ذلك. تقع المنازل المعنية في هذا الحي على بعد مئات قليلة من الأمتار من فندق شبرد، وهو نفس المبنى الذي قال عنه رئيس الوزراء إنه من غير المعقول ألا يُسمَح ليهودي أن يشتري بيتا في القدس. ويقع المبنى على بعد رمية حجر مما يسمى بمجمع غلاسمان، وهو أحد المواقع التي قام المستوطنون مؤخرا بشرائها في الحي، وعلى مقربة من كرم المفتي وإيمك تسوريم وبيت أوروت، وجميعها مشاريع استيطانية تحيط بحي الشيخ جرّاح.
تحفّز محاولة إظهار نشاطات المستوطنين في القدس الشرقية على أنها مجموعة عشوائية من عمليات البيع والشراء الخاصة لعقارات مختلفة، رغبة في إخفاء ما يحصل فعلا عن عيون العالم كله.
عمليا، تواطأت الحكومات الإسرائيلية خلال العقود القليلة الماضية مع المستوطنين فيما يتعلق بعقارات في قلب الأحياء الفلسطينية، وحولتها إلى جزر استيطانية تتمتع بمعونات إسكانية شائنة، تعيش في تنافر مستمر مع محيطها، وأحيانا مع القانون.
ليس الموضوع قيد الخلاف هو ما إذا كان يحق لليهود شراء عقارات في هذا الحي أو ذاك، وإنما هو الكفاح من أجل القدس وفرص حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
اعترف أكثر من رئيس وزراء، وقائمة طويلة من كبار السياسيين الإسرائيليين خلال السنوات القليلة الماضية وبشكل علني بأن حل النزاع سوف يتطلب بالضرورة التوصل إلى حل حول القدس. «ليس هناك من جديد» حسب قول مصادر من وزارة الخارجية الأسبوع الماضي عندما ارتاحت لسماع قرار الاتحاد الأوروبي عدم إعلان القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية. ولكن من خلال قول ذلك، أكد المسئولون الإسرائيليون مرة أخرى التزامهم بالتفاوض حول القدس.
إلا أنه في الوقت نفسه تقوم الحكومة الإسرائيلية بدعم المجموعات المتطرّفة التي تعمل دون كلل لضمان أن يكون تحقيق أي اتفاق مستقبلي غاية في الصعوبة. وهي تعمل على خلق استفزازات مقصودة لزيادة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بهدف إشعال النزاع في القدس وتحويله من طاولة المفاوضات إلى الشوارع.
تفقد حكومة تعلن التزامها بعملية السلام، وفي الوقت نفسه تساعد مجموعات أعلنت نيتها استباق الحل، تفقد استقامتها ومصداقيتها، وقد تجد نفسها في يوم من الأيام في وسط حوادث الخليل ثانية، ولكن هذه المرة في عاصمة «إسرائيل».
وعندما يعود الأمر إلى القدس، تحاول حكومة نتنياهو أن تُظهِر نفسها وكأنها حكومة لا تنحني أمام شروط الولايات المتحدة أو أوروبا. إلا أنه يتوجب على المرء أن يسأل نفسه ما إذا كان تصرفها يعكس مصلحة إسرائيلية أو عزيمة الشعب الإسرائيلي. هذا أمر مستبعد. فالشعب الإسرائيلي، حسب مؤشر السلام لمركز تامي ستاينمتز لبحوث السلام وغيره من الاستطلاعات، يدعم بإصرار ثابت حل الدولتين وهو مستعد، إذا كان ذلك يؤدي إلى نهاية النزاع، لأن يقبل بتنازلات مؤلمة في القدس. يفهم الجمهور كذلك أن القدس الشرقية ليست سوقا عقاريا، وأن كل عمل يجري في القدس ويغير الوضع الديمغرافي والحدودي الراهن يحمل في طياته نتائج سياسية وخيمة.
يتوجب على حكومة منطقية عاقلة أن توضح نواياها الحقيقية فيما يتعلق بعملية السلام وأن تخبر الناخبين بصدق أنه لا يمكن الوصول إلى حل دون الاتفاق على القدس. يتوجب عليها أن تقوم بإدارة عاصمتها بشعور من المسئولية والرزانة وألا تمكّن المصالح الشخصية المتخفية في حقوق ملكية العقارات أن تفرض سياستها.
المدير التنفيذي لمنظمة «إر أميم» غير الحكومية الإسرائيلية التي تعمل من أجل تحويل القدس إلى مدينة أكثر قابلية للبقاء تتمتع بالمساواة، وتشجع استدامتها السياسية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2667 - الخميس 24 ديسمبر 2009م الموافق 07 محرم 1431هـ