ربما تكون الولايات المتحدة خرجت من أسوأ فترة من الركود منذ عقود لكن أكبر اقتصاد في العالم يشهد حاليا تغيرا كبيرا إذ يتطلع المستهلكون نحو مستقبل غامض في العام 2010.
المستهلكون الأميركيون الذين ساهموا في دفع النمو حول العالم لعقود عدة أصبحوا الآن أكثر ميلا للادخار وأقل نزعة للاقتراض، وكان هذا هو الدرس الصعب الذي تعود أصوله إلى سنوات من الإفراض وأزمة مالية قوّضت تقريبا سوق وول ستريت أواخر العام 2008.
قال الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا إن «جزء كبير من نمونا لعقد من الزمن أو أكثر كان مدعوما من دين استهلاكي غير مستدام ومضاربات مالية متهورة، بينما تجاهلنا التحديات الجوهرية التي كانت تملك مفتاح رفاهيتنا الاقتصادية ولا نستطيع العودة ببساطة إلى الطريقة التي كانت تمضي بها الأمور».
والتراجع الأميركي يعني أن الدول المصدرة الرئيسية بما فيها الصين واليابان وألمانيا سوف يتعين عليها أن تعتاد واقعا جديدا، فالنمو خلال المستقبل يعني تعزيز الطلب المحلي أكثر من شحن منتجات إلى الولايات المتحدة.
كما أن مصداقية النموذج الاقتصادي الأميركي تعرض لضغوط من خطط الإنقاذ الحكومية الإجبارية للبنوك التي لا يزال الرأي العام يصب جام غضبه على الكثير منها لتسببها في الأزمة الاقتصادية العالمية.
ومع عودة وول ستريت إلى تحقيق أرباح من جديد خلال العام 2009، سددت معظم البنوك الكبرى القروض الحكومية الطارئة لكنها لم تفعل سوى القليل لاستعادة شعبيتها مرة أخرى.
ومن المتوقع أن تدفع مؤسسات «غولدمان ساكس» و»مورغان ستانلي» و»جي بي مورغان تشيس» بمفردها نحو 30 مليار دولار نقدا وأسهم في شكل حوافز لمسئوليها التنفيذيين.
وبالعودة إلى «الوضع الأساسي»، دفع إنفاق المستهلكين المتباطئ معدل البطالة إلى أعلى مستوياته منذ عقود حتى على الرغم من بدء الولايات المتحدة تحقيق انتعاش بطيء.
وعلى الرغم من أن معدل البطالة تراجع على غير المتوقع في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 10 في المئة من ذروته البالغة 10.2 في المئة في أكتوبر/ تشرين الأول، لا يزال عند أعلى مستوى خلال 26 عاما.
وقدم مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي «البنك المركزي» صورة قاتمة لعام 2010.
ففي الوقت الذي قد تكون فترة الركود قد ولت، توقع المجلس أن يتذبذب معدل البطالة في البلاد ما بين 9.3 إلى 9.7 في المئة، فيما يتكهن معظم خبراء الاقتصاد أن يبلغ المعدل نحو 10 في المئة.
وأعلنت إدارة الرئيس أوباما أن بيانات البطالة في نوفمبر تمثل علامة على أن عملية التغير الإيجابي سارية، وأشارت أيضا إلى معدل نمو نسبته 2.8 في المئة في الربع الثالث من العام الجاري في تغير حاد مقارنة بانكماش ضخم نسبته 6.4 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
وقال رئيس مجلس الاحتياط بن بيرنانكي إنه يتوقع «نموا معتدلا» على مدار العام المقبل لكن ليس بالقدر الكافي الذي يمكن من تحقيق تراجع كبير في البطالة، وبالتوازي أبدى آخرون تشاؤمهم.
وكتب وزير العمل السابق، روبرت ريش، خلال فترة رئاسة بيل كلينتون قائلا إن «عبارة أننا أصبحنا بمنأى عن الخطر لا يجب أن تؤمن بها للحظة».
وكنتيجة لذلك، لا يزال البيض الأبيض يتملكه اليأس في البحث عن وسائل جديدة لاستعادة القدرات الاقتصادية للبلاد. ويأمل الكونجرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون في تحقيق تغير جذري قبل أن يخوض الكثيرون منهم إعادة الانتخابات في نوفمبر المقبل.
وبدأت جهودهم مع بدء العمل بحزمة الحوافز الاقتصادية البالغ قيمتها 787 مليار دولار في فبراير/ شباط. ومع نهاية العام، كان المشروعون يبحثون «حزمة حوافز ثانية للتوظيف» التي قد يتراوح إجمالها ما بين 75 إلى 150 مليار دولار. لكن هاتين القيمتين يحكمهما عجز الموازنة الضخم الذي وصل إلى رقم قياسي بلغ 1.4 تريليون دولار في العام المالي 2009.
ووصل الدَّين العام إلى 12 تريليون دولار.
وأعرب منتقدون عن قلقهم من أن يجعل العجز المرتفع الولايات المتحدة وجعلها دولة مدينة لدول أخرى قد يتسبب في حدوث أزمة أخرى إذا ما بدأ المستثمرون يتخوفون من الجدارة الائتمانية للحكومة الأميركية.
والصين هي أكبر دولة دائنة إذ أنها تمتلك سندات أميركية بنحو تريليون دولار.
ومن ناحية أخرى، ففي ظل إحجام المستهلكين المحليين بسبب الديون والبطالة، تأمل الشركات الأميركية في استخدام العام 2010 لزيادة وجودها في الخارج، وأصبحت زيادة الصادرات على رأس أولويات إدارة أوباما.
وقال المستشار الاقتصادي الكبير لأوباما، لاري سامرز، خلال «قمة الوظائف» التي استضافها مؤخرا البيت الأبيض إن «الولايات المتحدة ربما كان أداؤها دون المستوى كدولة مصدرة في عالم أصبح أكثر عالمية».
ورغم ذلك فإنه في الوقت الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة للتوسع في الخارج، لا تزال هناك ضغوط قوية لحماية الأسواق المحلية كان في صدارتها فرض رسوم جمركية أميركية على الإطارات الصينية في سبتمبر/ أيلول.
ويعتزم أنصار اتحاد العمال على وجه الخصوص تقديم حوافز للمستهلكين من أجل شراء المنتجات الأمريكية الصنع.
وقال رئيس نقابة «انترناشيونال برازرهود أوف تيمسترز»، جيمس هوفا، لعمال النقل والشحن وصناعات أخرى من بين أكثر من 100 شخصية تمت دعوتها للمشاركة في «قمة الوظائف» إننا «إذا ما كنا جادين بشأن خلق وظائف وإعادة الناس إلى وظائفهم من جديد، فمن الأفضل أن نبدأ التفكير بشكل جاد بشأن شراء المنتج الأميركي».
العدد 2667 - الخميس 24 ديسمبر 2009م الموافق 07 محرم 1431هـ