على مدى 13 عاما من الحصار الأمني الخانق لشعب العراق، ظلت المملكة الأردنية الهاشمية المتنفس الوحيد والنافذة الضيقة التي يمر عبرها النزر القليل من مواد الإغاثة من الأغذية والأدوية والمستلزمات الضرورية لحياة الجسم العراقي الذي ظل حيا داخل العراق ميتا خارجها.
طوال فترة الحصار ظل الجسم العراقي ينبض بقليل من الأمل في الحياة على رغم جفاف شرايينه الرئيسية، ما أدى إلى موت الكثير من الرجال والنساء والأولاد وإصابة الأطفال الرضع بشتى أنواع الأمراض والإعاقة ولولا رحمة الله وتعاون الأردن من باب الأخوة مع الشعب العراقي على رغم الضغوط الهائلة عليه من قبل دول العالم لخنق العراق ولربما كانت الكارثة أشد وقعا وأكبر حجما.
صحيح أن الأردن كان مستفيدا في ذلك الوقت من وضع العراق إلا أن تلك الاستفادة - في الوقت الذي تخلى فيه جميع أبناء العمومة والأخوة في الإسلام وانفصلوا عنه، استجابة لزمرة الشيطان، عن شعب العراق الذي وقع بين حجري الرحى - لا يمكن تقديرها بثمن فلقد كان الأردن ملكا وحكومة وشعبا بمثابة ملائكة الرحمة التي سخرها المولى عز وجل لإنقاذ شعب العراق من قسوة فرعون وهامان القرن وجنودهما.
والآن وبعد تلك الوقفة الشريفة للمملكة الأردنية الهاشمية مع شعب العراق هل يجوز أو يستحق الأردن هذا الغدر؟ ألا يستحي من دبر انفجار السفارة الأردنية في بغداد وأوقع قتلى مدنيين ودمر دورا سكنية من فعلته؟
اننا لا نعتقد أن ذلك من فعل الشرفاء، انه بلا شك من عمل وتدبير الموالين لزمرة الشيطان عقابا للمملكة الأردنية الهاشمية على وقفاتها الخالدة وعلى رفضها للاحتلال العسكري لجمهورية العراق.
إن أولئك الذين يروجون للاحتلال وتدمير العراق وهدم منجزاته العلمية والصناعية عن بكرة أبيها، خدمة لصالح الصهيونية، تحت غطاء أنها من مخلفات العصر الصدامي سترتد عليهم وقفتهم هذه مع المحتل وسيلاقون سوء المنقلب بعد حين من قبل المحتلين ذاتهم بعد أن يستتب الأمر للمحتلين وسيواجهون مصير الفلسطينيين نفسه، والذين - وعلى مدى أكثر من خمسون عاما - من المعاناة لم يجدوا أي نوع من الرحمة أو العدالة من هذا المحتل، فكيف - بالله - تأمن فرق من شعب العراق لهؤلاء المحتلين؟ هل انطبق عليهم معنى الآية الكريمة «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» (الحج:46).
إن الكارثة الكبيرة المقبلة إذا استمرت فرق من الشعب العراقي في مسايرة المحتل فبعد حين سيتحول العراق مع الأسف الشديد إلى فلسطين أخرى وسيقاسي ويعاني شعب العراق ولأجيال مقبلة معاناة الفلسطينيين نفسها لعقود مقبلة
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 342 - الأربعاء 13 أغسطس 2003م الموافق 14 جمادى الآخرة 1424هـ