العدد 342 - الأربعاء 13 أغسطس 2003م الموافق 14 جمادى الآخرة 1424هـ

العنف والمرجعية الفلسفية

حسام ابو اصبع comments [at] alwasatnews.com

ننشر اليوم في هذه الصفحة مقالا عن ليو شتراوس لأحد الكتاب الأميركيين على أن نستكمل نشر المقال في الأسبوع المقبل... عموما شتراوس هذا رحل قبل ثلاثة عقود كاملة، وهو أحد الأسماء اللامعة التي تثير جدلا كبيرا اليوم، خصوصا بعد ازدياد القراءات له، والتي تذهب لمنتجه الفكري والفلسفي بوصفه عرابا للإدارة الأميركية الحالية. شتراوس يقرأ الآن كأحد الحلول السحرية لاستقراء منطق هذه الإدارة في التعامل مع القضايا كافة.

وعمل شتراوس هذا خليط عجيب من تأثيرات متباعدة، فإذا كان هايدغر كما تذهب الكثير من الأدبيات هو ملهم شتراوس في آرائه التي يصفها البعض بالغنوصية، والبعض الآخر بالمملة، وفريق ثالث بالغامضة، فإن أفكاره تدين بالشيء الكثير لنيتشه، ويقال إنه أحد المؤمنين بالسوبرمان، بل ومن المطورين لهذه الفكرة بالذهاب بها إلى مدى أبعد، وتأثيرات ميكافيللي لا سيما في طرح هذا الأخير الشهير عن تبرير الغايات بشتى الوسائل الممكنة بهدف تمتين الوضع وتقوية القائم من الأمور. وهذه بعض وجوه هذا الشتراوس، إلا أن أخطر ما جاء به الرجل هو مسألة حجب الحقائق والتكتم عليها بزعم أن من يجب أن يعرف لابد أن يكون منتميا لطبقة معينة - نخبوية بالضرورة - وأن الحقائق الأساسية ينبغي أن تكون حكرا في أيادي الصفوة، على أن يتم إقصاء ما دونهم مما تعوزهم أدوات الدهاء والمكر والفهلوة ممن يملكون القدرة على التعامل مع الحقائق بشكل صحيح، وهذا الكلام ينسحب على كل الميادين التي يتعامل بها البشر.

إلا أن أطرف ما جاء به هو حاجة المجتمع إلى باقة من الأكاذيب يتم تمريرها من أجل الحفاظ على ما هو قائم... وهذا المتفلسف يؤمن بشكل تام أن الفلسفة صنعة لا بد وأن تحفظ في مكان قصي، لأن الفلسفة تحمل خطورة على المعتقد المهيمن، والنسق الثابت، كونها تسهم في تعرية الأفكار التي يبني عليها المجتمع أنظمته المنظمة لعمله وتعامله على الأصعدة كافة.

إن تثبيت الوضع القائم، وحجب الأفكار والمعلومات، وسيلتان أساسيتان في فكر الرجل لإحكام السيطرة على تدافع المجتمع وحركته بهدف جعل كل خيوط اللعبة على مستوى الوعي في أيدٍ قليلة ذات مصلحة... وعموما فإن مثل هذه الأفكار موجودة في الإرث الفلسفي المتقادم، وما يهم في سياق إعادة الإنتاج والقراءة هي الآراء ذات الطبيعة السياسة والتي -كما يشاع - تستثمرها هذه الطغمة كما جاء، ومن أبرزها وجود تهديد خارجي وخطر محدق، وهو أمر يسهم في تثبيت الوضع، لكن في حالة انتفاء هذا التهديد، لا بد من السعي لإيجاد مصدر خطورة أو حسب التعبير القائل وجود «سياسة مقاتلة». وسواء كان ما يساق صحيحا أم غير صحيح، فإن أي فعل يضمر عنفا حتما ولا بد أن يتم تبريره أو تجميله، وتحميل نفر من الفلاسفة تبعات الحماقات التي ترتكب، وهكذا يكون نيتشه ملهم هتلر، والفيلسوف كذا ملهم ذاك الدكتاتور، وشتراوس معلم الأباطرة الجدد، إلى غير ذلك

العدد 342 - الأربعاء 13 أغسطس 2003م الموافق 14 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً