العدد 342 - الأربعاء 13 أغسطس 2003م الموافق 14 جمادى الآخرة 1424هـ

هروب الحركة التشكيلية عن الأدب نتيجة تواضع المستوى الثقافي لدى التشكيلي

الفنان عبدالله يوسف متحدثا عن الأزمنة غير السعيدة

المصلى - عدنان الموسوي 

تحديث: 12 مايو 2017

هذه قراءة جديدة... وحزمة ضوء القيت على النص والتشكيل فقد انبرى الفنان التشكيلي عبدالله يوسف إلى ابراز غربال التاريخ اما من خلال الالتصاق بالحدث أو الالتئام معه ليروي الوقائع ودعونا نتعقب سطور تلك القراءة التي شهدها الملتقى الثقافي الأهلي في ندوة نص الادب والتشكيل التي اختزلت الزمن وخلصت الذاكرة من حوادث الزيف والوهم.

قال الفنان عبدالله يوسف في بحثه المتداخل: التجربة التشكيلية في البحرين كانت مأمولة الترشح لتأسيس وتجذير العلاقة نفسها مع الحركة الادبية الجديدة في البحرين. والجديدة بمعنى المغايرة في تقديري، بدأت في ستينات القرن الماضي وتحديدا في 1968م عام تأسيس اسرة الادباء والكتاب في البحرين، كيانا استقطب مبدعي الحركة الادبية الجديدة وجمهورها العريض المواكب في ذلك الوقت لمجمل الندوات والامسيات الشعرية التي كانت تقيمها الاسرة. ولأن التجربة الادبية الجديدة قد غايرت سائد الادب المطروح في تلك الفترة أو قبلها، فإنها بضرورة طرحها الموضوعي والتقني المغايرين للسائد قد بلورت رؤى ابداعية جديدة طالت المجالات الابداعية الأخرى، كان الفعل المسرحي ابرزها واهمها، فيما توارى كثيرا عن مناخاتها الفن التشكيلي، ربما بسبب خشية الفنانين التشكيليين ولوج دروب مغايرة لما ألفوه، وجدوا الادب فيها يزكي الحياة الاجتماعية المشحونة بالرثة والقهر، موضوعات حيوية مؤثرة، ويطرح الابعاد السياسية بتقدمية توجهاتها كخطاب ادبي جديد، استدعته مناخات الاحتقانات المحلية والعربية عموما نتيجة مباشرة للنكسات العسكرية والسياسية وغياب الحريات العامة.

واستدرت يقول: كان ذلك مدخلا ضروريا في نظري لاثبات ان التجربة التشكيلية في البحرين ظلت في عمومها بعيدة عن طرح الموضوعات الحيوية الساخنة في فترة زمنية مهمة ومفصلية في التجربة السياسية والتجربة الادبية الحديثة في البحرين الا فيما ندر وضمن حدود ضيقة لم ترق إلى مفهوم التأسيس الجديد المغاير في طبيعة ضخ المنتج التشكيلي الذي ظلت غالبية موضوعاته تراوح بين محاكاة الطبيعة الحية والصامتة والبورتريهات الاعتيادية والحرف والمهن القديمة ومظاهر الافراح والحياة الشعبية كالعرضة ودق الحب والمسحر والمراداة وغيرها... أو استلهام مفردات ومظاهر الحضارات التي نشأت على تراب البحرين واعادة صوغها، من دون بزوغ افق شاسع مؤثر ومنظور للوحة التعبيرية الجديدة، المكتظة بالهموم الاجتماعية الانسانية الشاملة، انعكاسا لما كانت تمور به الحياة في الداخل أو الخارج العربي والعالمي وتعضيد ما كانت تطرحه وتركز عليه نتاجات الحركة الادبية الجديدة في البحرين... وربما مازالت العلاقة المفترضة غير قائمة بين الكيانات التشكيلية والكيانات الادبية والمسرحية في البحرين حتى اللحظة الراهنة، عدى بعض اجتهادات فردية ضئيلة جدا وخافتة.

ولعل من ابرز حالات النأي تلك في تلك الفترة، ندرة أو قلة مساهمة الفنانين التشكيليين في دعم الحركة الادبية الجديدة بالأغلفة التعبيرية والتصاميم والرسومات الداخلية للاصدارات الكثيفة في مجال المجموعات القصصية والروايات والدواوين الشعرية، واستلهام موضوعاتها لصوغ أعمال تشكيلية تواكب حركة الادب الجديدة وترفدها، وأيضا عدم مساهمة الفنانين التشكيليين منذ تلك الفترة إلى الآن في توفير الاحتياجات التشكيلية الملحة والضرورية والحاسمة في خلق المناخات والاجواء السينوغرافية للفعل المسرحي في العروض المسرحية المتوالية، على رغم العدد الكبير نسبيا من الفنانين التشكيليين الذين تزخر بهم البحرين قياسا بعدد السكان ورقعة الأرض.

وأكرر ملاحظة ان ذلك ليس تصورا في المطلق يشمل الجميع... بل هو يستثني بعض الاجتهادات والمساهمات الفردية المتفرقة هنا وهناك، لكنها لم تواصل فعل المراكمة على المساهمة الأولى أو الثانية كي تضحى تجربة حية متنامية، واضحة المعالم والاتساع الكمي والزمني بحيث لا يتجاهلها قلم الباحث عن ظاهرة/ أو عين الراصد لانبثاق تجربة ملفتة يمكن التعويل على تناميها وتطورها عبر الزمن وحضورها المتقد إلى اللحظة الراهنة... متسلحة بالبعدين التقني والموضوعي ومسعوفة بالآفاق الادبية الحديثة المحلية والعربية والعالمية لتستقر بثبات في عمق بانورامية المشهد الثقافي في البحرين على أقل تقدير.

وتوقف عند التجربة والابعاد ذات العلاقة التفاعلية ثم انعطف يقول: إن تجربتي التشكيلية المحدودة الرقعة، والمتقطعة النفس على صعيد الانجاز المستديم والعرض الخاص أو المشترك، ترعرعت وعيا وثقافة واتت بعضا من اكلها في كنف ورعاية الحركة الادبية الجديدة التي اتشرف كثيرا بالانتماء إلى قناعات وثقافات وتضحيات ووعي وفكر المؤسسين لها وكنت واحدا منهم، ما استلزم والحال كذلك أن يأتمنوني على صوغ أغلفة وتصميمات ورسوم داخلية كثيرة لنتاجاتهم الادبية المتميزة، كنت اسعى جاهدا إلى الاحتفاظ بصبغة الاعلان في تصميمها مع المراعاة في الوقت ذاته لضرورة اختزال الفكرة بترميزية تعبيرية أو واقعية فاقعة من أجل اغناء الدلالات والاشارات والترميزات التي كانت تكتنف مضامين المنتج الادبي الجديد في شتى فروعه... وبدافع من لياقة الادب التي تعلمتها منهم واعترافا بفضلهم انتهز هذه الفرصة لتأكيد ان علاقات الصداقة الحميمة التي ربطتني منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي بالاخوة الاعزاء قاسم حداد وعلي عبدالله خليفة وأمين صالح وعلي الشرقاوي ويعقوب المحرقي ومحمد عبدالملك وعبدالحميد القائد وابراهيم بوهندي وعلوي الهاشمي وخلف احمد خلف وعبدالرحمن رفيع واحمد المناعي وسعيد العويناتي وايمان اسيري وحمدة خميس ومحمد الخزاعي وصقر الرشود واسماعيل فهد اسماعيل وآخرون كثر من محبي الادب ومبدعيه، ومن العناصر الفاعلة في التجربة المسرحية السبعينية، قد ساهمت ابداعاتهم ووعيهم وبلاغة جلسات النقاش التي كانت تجمعهم في بلورة قناعتي بضرورة تخليق علاقة تفاعلية بين الفن التشكيلي وفنون المسرح من جهة وبين عنفوانية الحركة الادبية الجديدة، وربما كنت الاوفر حظا من بين زملائي في ذلك الوقت كوني حظيت بأصالة اهتمام كل اولئك باهتماماتي التشكيلية والمسرحية، القليلة الوعي والخبرة حينها.

وبوعي الشواهد الراصدة تحدث قائلا: إن الحال الراهن المتمثل في الفجوة والجفوة والضمور بين اضلاع المربع الادب، الفن التشكيلي،المسرح، الموسيقى، وهو بالضرورة نتيجة افتقاد تأسيس سابق لعلاقة جدلية فيما بين العناصر المبدعة للمشهد الثقافي والفني عند المفصل الزمني الذي تبلورت فيه الحركة الادبية الجديدة في البحرين، لما لذلك المفصل السبعيني من تاريخية الريادة في تأسيس ادب تلك المرحلة والمراحل اللاحقة. وما تبعثر الاجتهادات والتجارب اليتيمة اللاحقة والحالية في الادب والتشكيل والمسرح وحال التشرذم المستشرية الا دليل بارز ورئيس على ذلك من وجهة نظري. كما ان الشواهد العالمية على أهمية وايجابية خلق علاقة جدلية بين الفنون البصرية والسمعية وبين الادب كثيرة، وان تضافر وتداخل جهود المدعين لكل تلك الابداعات الادبية والفنية، قد حققت تجارب اصيلة متميزة، لم يغب عنها رصد الباحث والمحلل المؤرخ، ولم تبرح ذاكرة اجيال من متلقيها... ولذلك يتبادر السؤال الآتي: كيف يمكن أو عند من تكمن القدرة الخلاقة الفاعلة لاستثمار جفاف اللحظة الراهنة، وترطيب تربتها بأعمال ريادية تسهم في صوغ ابعادها، امكانات الابداع لدى المعنيين بالمشهد الثقافي والفني، مستثمرين تراكم الخبرة وتطور مفاهيم صوغ الرؤى الابداعية/ الادبية والفنية على مدى خمسة وثلاثين عاما؟ انه هاجس مؤجل، مازالت آمال تحقيقه قائمة، لو انبثقت الحاحات جماعية نحو تحقيق ذلك، عند المعنيين والمبدعين للفنون في البحرين لانجاز مشهد ثقافي شامل نزهوا به جميعا.

وبسفر الذاكرة المفعمة بفرح التجربة استذكر الفنان عبدالله يوسف كل الصور والوجوه حين افاض يقول: وبألق فرح التجربة النموذج المستقر في خلايا الذاكرة تطل الوجوه في التجربة الشعرية التشكيلية المسرحية الموسيقية (وجوه) لابراهيم بوسعد وقاسم حداد وخالد الشيخ وادونيس وعبدالله يوسف، مفصحة بكل جلاء عن الجدوى الفاعلة المؤثرة لمعنى العلاقة الجدلية بين الفنون الابداعية، شرط تخلي المبدع إلى حين عن انانية الزهو بابداعه كي يفسح للفكرة مجال التحليق في آفاق الجماعة المبدعة لعمل جماعي خلاق تقتضيه حال الركود والاعتيادية التي باتت عليها الأوضاع الثقافية الراهنة. هي فكرة في إطار دعوة للكيانات الثقافية الادبية والفنية (اسرة الادباء والكتاب والملتقى الثقافي الأهلي والفرق المسرحية الاهلية وجمعية البحرين للفنون التشكيلية وجمعية البحرين للفن المعاصر وفرقة اجراس والجماعات الموسيقية والفنية الاخرى كفرقة البحرين للفنون الشعبية، والعناصر المبدعة في مجال الصوت والضوء وتقنيات الكمبيوتر). هؤلاء وآخرون غيرهم جديرون - فيما لو تم استثمار طاقاتهم الكامنة - بتحقيق انجازات ثقافية فنية باهرة عجزت الأجهزة الرسمية المعنية حتى الآن عن تحقيقها أو حتى التفكير في جدوى ابتكار قنوات لضخ اوكسجين يسعف رغبة حدوثها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً