العدد 342 - الأربعاء 13 أغسطس 2003م الموافق 14 جمادى الآخرة 1424هـ

موسوعة أم كلثوم: ظروف العالقين

كمبردج - أحمد العبيدلي 

تحديث: 12 مايو 2017

سيُصدر الصديق إلياس سحاب وأخوه فيكتور سحاب موسوعة في ثلاثة مجلدات عن أم كلثوم، والتي رحلت عن الدنيا العام 1975. سيركز أول المجلدات وهو لإلياس على سيرتها الشخصية وتجربة الموسيقى العربية والتغيرات التي شهدتها في القرن التاسع عشر. ويضم المجلدان الثاني والثالث ليفكتور سجلا لملحنيها ونصوص أغانيها وتحليلا للنصوص مع بطاقة تعريف وهوية لكل عمل.

لا يعرف المرء كم يشكل هذا المشروع استجابة لما أحدثه المسلسل الرمضاني الشهير عن حياة هذه الفنانة بحيث أوجد طلبا كافيا في السوق للإطلال على حكايتها والاستمتاع بمجموعة حوادث حياتها كأحد مشاهير القرن الماضي. أم إن في الأمر انعكاسا لمكانة فنية حقيقية لجهدها الذي استمر لنصف قرن من الزمان، وجعل من إنجازاتها إبداعا يمتلك قدرة على الحضور والتأثير في النفس العربية لآماد تتخطى عمرها الذاتي والقرن الماضي بمجمله.

لربما أفادت قصة متخيلة كتبها سليم تركية بالفرنسية على هيئة مذكرات لشاعر أم كلثوم المفضل أحمد رامي في إضفاء ضوء ما. يذكر رامي انطباعاته حينما كان يحاضر أمام جمع من الطلبة في أخريات حياة المطربة: فاجأني قلة اكتراث الشباب بأغاني أم كلثوم. لم يبدِ أحد منهم ما توقعته من حماسة. فبالنسبة اليهم، كوكب الشرق هي مطربة أهلهم أو حتى أجدادهم. فقد ولدوا في ذلك الكنف، صوتها الذي كان رائحة من الروائح اليومية في شوارع القاهرة. وكانت لهم بالمجان، لا بل المجانية مجسدة.

«أذهلني ما أدركت من أمرهم؛ ربما لم تكن انخطافا ووجدا سوى لجيل أو اثنين. وما غنت إلا لنا، نحن. لكني في قرارتي لا أصدق. أدركت أنها لا تلقى استحسانا في الثامنة عشرة من العمر. ينبغي أولا تلقي الصدمة، ابتلاع الغصة الأولى؛ وإذ ذاك فقط، حين يصبح طعم عذاب الحب في فمنا يصبح واحدنا مستعدا، عالقا إلى الأبد».

لربما كانت كلمات رامي المتخيلة تلك تحمل الكثير من الحقيقة. يصعب على العالق بها أن يصدق أن إحساساته هي مشاعر ذاتية، لا يمكن أن يتقاسمها وآخرون. فهي ظاهرة برزت وانتعشت واستمرت وسط انتشارها ضمن الحس الجمعي. وحتى في أدائها ذاته يفضل أداؤها الجمعي كما في الحفلات بضوضائها على الفردي وإن كان نقيا كما في الأسطوانات. فهناك تكون كهرباء الوجد في أفضل حالاتها.

على أن هناك أشياء يصعب الحكم عليها من دون سبرها عبر الوقت. وحتى الآن مازالت تلك المؤدية حاضرة وقادرة على الاستمرار واجتذاب أجيال أخرى الى دائرة المهتمين بها. والأمر متروك للعقود المقبلة والأجيال اللاحقة لتقول كلمتها. وحتى ذلك الحين يكفي الاستماع لأداء نادر يقع بين يدي المرء، كما حدث لي أخيرا في تسجيل لـ «لسَّه فاكر» حتى ينخطف المرء ويدخل سعيدا إلى ساحة العالقين





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً