هدية غير متوقعة نزلت على الرئيس الأميركي جورج بوش في زمن كان كثير من المحللين السياسيين يعتقدون أن الخناق ضاق عليه ولم يعد قادرا على التنفس بعد أن تورط في عدوانه على العراق، فجاءت الحوادث تتوالى ضده وضد شريكه في الشر طوني بلير داخليا وخارجيا كان من بينها ما جرى من داخل الكونغرس في أعقاب ارتفاع عدد الضحايا من الجنود الأميركان واتساع دائرة المتظاهرين في الولايات المتحدة وأوروبا ومختلف أنحاء العالم، كان آخرها الاستفتاء الذي أكد أن 59 في المئة يرون أن «إسرائيل» أخطر دول العالم على السلام العالمي، أما بلير زميله في العدوان على العراق فقد كان الضغط أشد عليه من قبل البرلمان ما أدى إلى استقالة بعض الوزراء النشطين في حكومته، عدا المظاهرات التي صارت تتزايد مع الأيام.

كان المتوقع سقوط بوش وبلير، غير أن ضعف الأنظمة العربية وامتثالها لأوامر بوش ثم الانقسام الذي حصل في العراق بين الطوائف الكبرى في عملية الإجماع على مقاومة الاحتلال أعاد الأمل لهما وصارا أقرب إلى النجاح من أي وقت مضى. وجاء اعتقال صدام بتلك السهولة من دون مقاومة وبالبشاعة التي أخرجوه بها دون أن ينفذ ما كان يرجوه أزلامه في أن يحتفظ بالرصاصة الأخيرة لنفسه هدية لعيد الميلاد ما قوّى من الموقف المنهار لبوش وبلير.

وكانت ثاني هدية عظيمة غير متوقعة، رضوخ ليبيا بقبول دفع التعويض الكبير عن ضحايا طائرة لوكربي الذي فتح شهية فرنسا وغيرها لتطالب بتعويضات بأثر رجعي... وحاول كثير من المثقفين أن يقنعوا أنفسهم بأن ذلك خير من استمرار الحصار على ليبيا متفقين مع تفسير الخارجية الليبية، لكن الهبة الكبرى غير المتوقعة كانت الإعلان المجاني ومن دون ضغوط بالتنازل طوعيا عن المشروع النووي الليبي فجأة ومن دون مقدمات حتى أعاد ترتيب الحكمة المعروفة (يكاد المرعوب أن يقول خذوني).

إن هذه التنازلات الليبية تأتي بمثابة انقلاب أبيض داخل المؤسسة السياسية الليبية، وكأن القذافي سلم الحكم لغيره كي يتصرف بحسب مقاييس اللعبة الأميركية الجديدة، فهل صار دور القذافي «تشريفاتيا» يستقبل ويودع ضيوف ليبيا فقط، وتسلم الحكم الفعلي غيره؟