الجدل الذي أثير عن تعديل تسعيرة التأمين طرف ثالث كان صحيا، وتستحق مؤسسة النقد عليه الاشادة بدعوتها النواب وممثلي جمعيات النفع العام ذات العلاقة والاعلاميين بالاضافة الى شركات التأمين للوقوف على رأيهم في الأمر ولكن الأهم أن لا يكون الأمر محسوما بالنسبة لها وما اللقاء الأخير الا لاعلام هذه الأطراف بالاقتراح الذي سيصبح قرارا بغض النظر عما دار خلال اللقاء.
وربما كان يجب أن تعقد مؤسسة النقد لقاءها منذ بداية التفكير في تعديل وضع نظام التأمين على السيارات طرف ثالث بدلا من أن تقطع الشوط الطويل وحيدة تبحث عن حلول بدت ترقيعية ولن يطول الوقت كثيرا حتى تحتاج الى تعديلها مرة أخرى.
أثار المجتمعون عدة نقاط بدت بحاجة الى مراجعة قبل اقرار مقترحات التغيير، الأولى مدى امكان توجيه الأسعار من قبل مؤسسة النقد في السوق المفتوحة التي تصنف البحرين نفسها ضمنها.
والنقطة الثانية متعلقة بالمطالبات بمراجعة القانون برمته واعادة صوغه بدلا من تعديل جزئية منه، والتي بدت منطقية. فاقتراح تعديل التسعيرة كان قائما على السائق «الجيد» والسائق «المتهور» بينما بوليصة التأمين التي تصدرها شركات التأمين تغطي المركبة وليس السائق وبالتالي فان مبدأ الثواب والعقاب الذي تسعى مؤسسة النقد لتعكسه في التسعيرة المقترحة لن يكون له معنى لأن الحوادث التي تتورط فيها المركبة ليس بالضرورة أن يكون صاحب السيارة هو المتسبب فيها. كذلك فان البعد الاجتماعي الذي يدعي المقترح مراعاته لعلاقته بسلامة أفراد المجتمع والذي يفترض علاقة عكسية بين زيادة أسعار التأمين وانخفاض عدد الحوادث لم يعد ذا معنى لأن الـتأمين يغطي المركبة وليس له علاقة بسائقها.
والنقطة الثالثة متعلقة بادارة المرور التي يجب أن تلعب دورها وتبحث جديا في أسباب زيادة الحوادث المرورية كأن تراجع أداء السواق حديثي العهد بالسياقة الذين يتسببون في الحوادث التي تتسبب بدورها في خسائر بشرية ومادية يدفع ثمنها جميع المؤمَّنين، أو أن تراجع مدى صرامة دفع المخالفات وتخفف من قدرات موظفيها على الغاء مخالفات معارفهم، وبالتالي ينتفي هدف مراعاة السلامة من وراء المخالفة.
وكان اقتراح أخذ الشركات بالمخالفات المرورية في الاعتبار عند وضع التسعيرة اقتراحا جيدا يضاعف العبء على المخالفين من السواق ويحمي شركات التأمين بتغطية مخاطرها التي يرفعها عدم اكتراث السواق بالقوانين المرورية والتي بلاشك تؤدي الى زيادة الحوادث، لكن هذا يتطلب ايجاد ربط بين شركات التأمين وادارة المرور لأن العادة جرت على أن التأمين على المركبة يسبق فحصها وتسجيلها.
كان واضحا بعد اجتماع الأمس أن القانون بحاجة الى تغيير وليس تعديل ان كان الهدف حقا الردع واصلاح الوضع.
فمؤسسة النقد بعد اجتماع الأمس أصبحت تواجه تحدي الموازنة بين عدد الأمور بايجاد النموذج الأمثل للأسعار الذي يسكت، ويحمي في الوقت نفسه، شركات التأمين والمؤمَّن لهم على حد سواء، وبين مراعاة التطورات في نماذج التأمين المتطورة على السيارات في الأسواق الأخرى بما يحقق الهدف التجاري والاجتماعي، وذلك كله بأقل قدر من المساس بحرية السوق وترك العرض والطلب يحددان الأسعار فيها
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 481 - الثلثاء 30 ديسمبر 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1424هـ