العدد 480 - الإثنين 29 ديسمبر 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1424هـ

مجلس النواب في اختبار الإرادة والأدوات الدستورية

محطات ثلاث فاصلة

محمود السيد الدغيم comments [at] alwasatnews.com

-

ثلاث محطات رئيسية وضع سكتها مجلس النواب في فترة قياسية، وهي بحاجة إلى وقوف طويل قبل أن تنطلق إلى المجهول، تقرير هيئتي التأمينات والتقاعد، وقانون الأحزاب، وأخيرا التعديلات الدستورية. ففي وقت كان مجلس النواب خارج التأثير السياسي إلا من التصريحات، هاهو يعود حاملا معه تركة ثقيلة ستكشف حقيقة التوازنات الدستورية والسياسية بجلاء، كما ستكشف توازنات الكتل البرلمانية، ونظرتها إلى هذه المحطات، ولا بأس بأن يكشف الغطاء عنها من الآن.

أولا- تقرير هيئتي التقاعد والتأمينات

للأمانة، يجب الاعتراف بأن الإفصاح عن محتوى التقرير بأسمائه وشخوصه ونتائجه التي قد تجر أسماء كبيرة غير الأسماء المذكورة، يحتاج إلى شجاعة كبيرة، إلا أن الكثير من المعلومات التي وردت في التقرير يعلم بها الكثير من السياسيين ومتابعي هذا الشأن تحديدا حسب تصريحات بعضهم، وما فعله النواب أن ثبتوا هذه الهواجس على الورق من خلال ما توصلوا إليه من تحقيق في هذا الشأن.

الأخطر من هذه النتائج والمعلومات هو كيفية حلحلة هذه المعضلة التي بدت مؤرقة للكثير من أبناء الوطن، وهم يعلمون غيابيا أن حقوقهم ضائعة ومتلاعب بها من دون أن يكون لهم القدرة على رد هذه المظالم عن أنفسهم، وفي هذه المسألة تحديدا سيكون المجلس النيابي على المحك بكل ما يملك من أدوات وصلاحيات، فهل ستعبر هذه القضايا بعد هذا الكم الفضائحي من الحقائق والأرقام؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لقضية بهذا الحجم؟

هناك سيناريوهان أساسيان سيحكمان مقاطع اللعبة كلها، وسيكشفان بكل جلاء عن الإرادة الفعلية والمموهة لمجلس النواب بكل كتله وأعضائه وانتماءاته، وحقيقة الشجاعة التي ظهرت مباغتة: إلى أين ستصل، فقد كشف غطاء الحقائق والفضائح والأرقام، فهل سنزداد يقينا باتجاه السلب؟ أم سنزداد يقينا باتجاه الإيجاب؟

السيناريو الأول: أن تتحرك القضية داخل المجلس النيابي باتجاه التصعيد مع الأطراف المسئولة عن تدهور الصندوقين ووصلوهما إلى حال الإفلاس، فتصطدم بقانون 45 الذي يمنع على مجلس الشورى والنواب محاسبة السلطة قبل انعقاد المجلس الوطني، وفي هذا القضية الحساسة تحديدا، يجب على مجلس النواب أو بعض أعضائه «الوطنيين الديمقراطيين» تحديدا أن يكسروا حاجز هذا القانون بالطعن في دستوريته، أولا: لإمكانهم في الطعن المباشر، وثانيا: لاستثنائية هذه القضية وخطورتها على البلد، وثالثا: لأنهم طرحوا التعديلات الدستورية بغية توسيع صلاحياتهم، وعدم قيامهم بهذا الواجب الأدنى، سيجعل من هدفهم في طرح التعديلات الدستورية محل شك، مع الإيمان بأن التعديلات غير ممكنة وفق آلية دستور 2002، فيما الطعن ممكن، وهو أضعف الأيمان، والأنسب لواقع المجلس وصلاحياته وأدواته المحدودة.

المطلوب هو أن تصل القضية إلى نهايتها، وأن يعرف الناس المتسببين الحقيقيين في ضياع حقوقهم، ويشهدوا محاسبتهم ومحاكمتهم، كما يشهدوا إرجاع حقوقهم بحسب وعد النواب بذلك، وهذا أقل القليل.

السيناريو الثاني: أن تصل القضية إلى التسويات السياسية مجهولة الأهداف والنتائج خارج إطار آلية رقابة المجلس النيابي، وهذا سيثير شكا بشأن الغاية من تشكيل لجنة التحقيق في إفلاس الصندوقين من الأساس، وسبب الإعلان المفاجئ عن إفلاس الصندوقين في ذلك الوقت، وستظهر علائم هذا التوقع تحديدا بعد إعلان المجلس النيابي الخطوات الفعلية لحلحلة هذا الملف، وبروز مواقف الكتل، وخصوصا تلك التي تذهب دائما في الاتجاه المعاكس، كما تتجلى علائمه الحالية من الصمت غير المبرر للسلطة التنفيذية على ما جاء في التقرير، ما يعكس تخوفا مبررا من توجه مجلس النواب المستقبلي، فهذا ملف بحجم إسقاط حكومة في بلدان ديمقراطية أخرى.

سيكشف موقف المجلس النيابي عموما سواء كان بالخيار الأول أو الثاني حجم الأدوات الدستورية للمجلس النيابي، وإمكان الذهاب بها بعيدا مع وجود أدوات دستورية أخرى كابحة، ولكن الأهم من الأدوات الدستورية، أنه سيكشف الإرادة الفعلية لمجلس النواب ونوابه بكل أطيافه أمام ناخبيهم، في قضية تمس السواد الأعظم من الشعب البحريني، ولا يوجد فيها مجال للتدوير السياسي على خيارات وتسويات لا تعيد الحق، وخصوصا مع انكشاف حجم التلاعب الكبير ولسنوات عدة في أموال الناس ومصائرهم.

من جهة أخرى، فإن صمت المعارضة عن الدفع بهذا الملف الخطير قدما ليس فيه حصافة، فتناوله لا يعطي النواب أي نقاط على حساب موقف المقاطعة، بل سيعزز موقف المقاطعة أكثر مع وجود بوادر تسوية سياسية من قبل أطراف عدة في المجلس، والموقف الأساس أن يدفع بعدم التراجع عن هذا الملف، لأن التراجع في حال وروده لن يكشف الأبعاد الدستورية لعجز المجلس فقط، بل سيكشف الأبعاد السياسية والخلفيات التي يرتكز عليها كل طيف داخل المجلس، ومستوى تمثيل النواب للشعب في قضية خطيرة مثل قضية إفلاس الصندوقين، إذ لا توجد قضية أكبر من قضية حقوق الناس لتجمعهم على موقف واحد، والبلادة في كل شيء قاتلة.

ثانيا - قانون الأحزاب

المدخل لفهم ظروف تقديم هذا القانون كما في غيره من القوانين، لا يتحرك من النظر إلى أن آلية إقرار القوانين غير شرعية بحسب رؤية الأطراف المقاطعة الجامدة أمام هذا الخيار فقط، وإنما إلى نواتج هذه الآلية التي تخدم الغرض نفسه، ولكنها تعطي لنفسها حرية الحركة في قياس نواتج هذه الآلية، بما يعزز التأكيد على حقيقة عقم هذه الآلية كفيء مقتسم بين ثلاث قنوات، مجلس النواب المنتخب، مجلس الشورى المعين، والسلطة التنفيذية بصوغها للتشريعات والقوانين التي ستنفذ عليها، ويقاس أداؤها من خلاله، إضافة إلى الحراك السياسي داخل هذه القنوات، سواء كان المبرمج منه أو الحر بمختلف درجات الحرية فيه.

يفهم قانون الأحزاب في حال استدارته على القنوات الثلاث أنه سيخرج غير شرعي في نواتجه كما في آليته، لأن الأطراف التي تحكم إنتاجه غير متكافئة لا في الصلاحيات ولا في الثقل السياسي، فما بالك والتوقع المحرج لأصحاب المشروع، أنه لن يخرج من الغرفة الأولى (المجلس النيابي) مع كون النيابي في غالبيته كتل نيابية تنتمي لتيارات وجمعيات سياسية، من المفترض أن ترى في الأحزاب طموحا مشروعا ومقدما على كل المشروع، فلم هذا الانكفاء عن تبني هذا القانون، ووضع مبررات مثل عدم ملاءمة الظروف الحالية للعمل الحزبي؟ يوجد اعتباران أساسيان، يداخلان في دائرة اللا شعور على مستوى ممانعة الكتل النيابية لهذا القانون، وكذلك ممانعة الحكومة.

الأول: يتعلق بالحصص الشعبية، ومستقبلا الحصص الانتخابية لكل تيار. فمن المعروف أن تيار «الوفاق» يمارس نشاطه السياسي خارج اللعبة، ويملك حصة الأسد إن لم تكن الحصة كاملة من التمثيل الشعبي، وستكون له الحصة نفسها من التمثيل البرلماني في حال تم التوافق على الآليات الدستورية، والسماح له بالتنظيم يعني فيما يعني أن يكون قويا في أدواته وخياراته داخل وخارج اللعبة.

لذلك، اشترط واضعو القانون الحقيقيون عدم التبشير الحزبي من المساجد والمآتم، ولو سن كعرف سياسي لكن ذلك أفضل من سنه كبند في قانون، وخصوصا في ظل عدم وجود بنى تحتية لكل التيارات، من مؤسسات سياسية وغيرها، ما يعني أن مطلب التبشير الحزبي فيه شيء من لي الذراع، واستقواء بمعادلات مستقبلية تضمن تكافؤ التيارات السياسية الصغيرة مع التيارات الكبيرة في حصص التبشير السياسي بمواقفها وأجندتها، من دون أفضيلة للتيار الإسلامي تحديدا من خلال مؤسساته التقليدية التي هي مصدر قوته وحراك السياسي الفاعل، وخصوصا مع تحقيق تيار «المنبر الديمقراطي» تمثيلا خياليا من خلال نوابه الثلاثة في مناطق نفوذ «الوفاق» بالنسبة الى حجمه ودوره الفعلي، في ظل غياب «الوفاق» عن اللعبة البرلمانية، ويراد لهذا التمثيل أن يستمر في المرات المقبلة.

أما في التيار المضاد لهذا القانون، والمستحوذ على بعض حصص «الوفاق» في مناطق نفوذها (الكتلة الإسلامية)، فهو رافض لهذا القانون من منطلقات إيديولوجية رسخت منطق الرمزيات والنفوذ السياسي الفردي في قبال مصالح تيار عريض لا يحتمل الرهانات ولا التوازنات الفردية، حتى ولو كانت بعض تشكلاته خارجة عن هذا المضمون بعض الشيء، إلا أنها واقعة فيه فعليا لعدم قدرتها على إيجاد بناء تنظيمي مواز للتيار الملتحقة به اضطرارا، أو التيار العريض المضادة له من خلال أجندة المجموع لا أجندة الفرد، وبالتالي فالتشكل الحزبي لهذا التيار العريض يلغي ما يوازي له من تشكلات فردية ورمزيات حظيت كثيرا برعاية خاصة نتيجة بعدها عن طموح وأجندة التيار الأم.

الفارق الأهم في قانون الأحزاب السياسية، هو أن وجوده مع وجود تمثيل نيابي لتيار «الوفاق» العريض عند التوافق على الآليات الدستورية، سيلغي كل المعادلات الحزبية الصغيرة والهامشية، لكون حصص تيار «الوفاق» ستسترجع بلا شك من كل التيارات التي أخذت منه أثناء فترة غيابه عن اللعبة الديمقراطية، وستشكل معادلة أكبر من التنوع الحزبي في دائرة الأحزاب الصغيرة والكبيرة، إلى معادلة «الحزب الأمة» و«الأمة الحزب» على غرار بعض تحارب الأحزاب الإسلامية في الدول العربية، مع فارق أن التمثيل السياسي للقواعد الجماهيرية أكبر بكثير من هذه الأحزاب، وهو أقرب إلى تجربة الواقع الإسلامي في العراق، إذ الحصص الانتخابية غير مقتطعة.

هذه المعادلة إذا ما أضفي عليها صفة التنظيم الحزبي وفق مفهوم يتعدى الحزب إلى دائرة «الأمة المنظمة» في كل معانيها وأحاسيسها وكيانها النبيل المنفتح على الآخر، هو ما يؤرق الكثيرين، ومن بينهم التيارات الإسلامية ذات الامتداد المؤسسي الضخم، والأجندة الدينية المغلقة، والقواعد المغلفة بالخطاب وامتيازاته التي تبنى عليه، ومن بينها ما أخذ من حصص انتخابية وأعطي لها، ما يجعل أي تواز فعلي على مستوى المؤسسات، مع تفوق نوعي على مستوى المرجعية والقواعد الجماهيرية أمرا غير مقبول عند هذا الطرف، كما هو غير مقبول عند الطرف الرسمي، ولهذا السبب تحديدا سيرفض قانون الأحزاب من التيارات الإسلامية الممثلة في البرلمان.

الاعتبار الثاني: ويتعلق بالسلطة التنفيذية، فوجود قانون للأحزاب معناه وجود كيانات ووجودات موازية للسلطة، وخصوصا في ظل عدم وجود التنوع الحزبي الذي يخدم في قدرة السلطة على تشتيت جهود هذه الأحزاب لصالحها بصفتها «الحزب الحاكم» بالاصطلاح الحديث.

حزب لديه صحيفة وتلفزيون ومؤسسات ريعية وغيرها من الامتيازات التي كانت تعطى لأفراد، وليس لمجاميع أو فئات واسعة من الشعب، هذا الحزب يقينا سيؤسس لأعراف وتوازنات سياسية مختلفة عما في السابق، وسينتج معادلة القوة سواء كان خارج أو داخل اللعبة، ولهذا فإن هذا الحزب غير ممكن وجوده في ظل وجود مفاعيل سلبية، أمنية كانت أو سياسية، تحرك الساحة باتجاه مغاير لمفهوم التعددية، وخصوصا مع عدم وجود قنوات شرعية لها، فإذا توافقت إرادة السلطة على إعطاء غطاء الشرعية للجمعيات السياسية، فسيتم تبني مشروع «كتلة المستقلين» في المجلس النيابي، والمفارقة أن مقدمي المشروع غير حزبيين من الأساس، أي غير منتمين لجمعيات سياسية، ومع ذلك يبدو أنهم أرأف من الحزبيين على أنفسهم، بدليل تطوعهم في تقديم هذا المشروع.

تبقى مسألة ضرورية يجب توضيحها لكي لا تلتبس الأمور، ولقطع دابر الخوف والتوجس عن الكثيرين من المراقبين لوضع تيار «الوفاق»، وهو أن حقيقة ضخامة هذا التيار وعدم اقتطاع حصصه الانتخابية لا يجب أن تكون مدعاة لقلق الكثيرين، لأن الاعتدال السياسي هي حقيقة أصيلة في رموز هذا التيار، والقدرة على تشكيل مواطنة فعلية للمنتمين لهذا التيار، قائمةٍ على احترام توازنات وأنظمة البلد، أمر في غاية السهولة، بل هو طيع في يد صناع القرار فيه، وما قرار المقاطعة إلا نأي بجراحات هذا التيار عن التفجر في ظل توازنات دستورية وسياسية غير محمودة العواقب، إذ يحسب لرموز هذا التيار أنهم خرجوا من معادلة كان بإمكانهم أن يكونوا أرقاما كبيرة، إلا أن خوفهم من الاضطرار السياسي في ظل واقع تنظيمي سيئ، وملفات سياسية يمكن تفجيرها مع ازدياد حال الإحباط، وعدم وجود الأدوات الدستورية التي تعزز قيم الإنجاز لا الصراخ والعويل، في ظل هذا الواقع خرج هذا التيار مضطرا من اللعبة الديمقراطية.

ثالثا - التعديلات الدستورية

سبق وأن تمت الإشارة إلى أن التعديلات الدستورية غير ممكنة وفق آلية الإعاقة (مجلس النواب - مجلس الشورى - سلطة تنفيذية تصوغ القوانين) وخصوصا إذا كانت التعديلات تمس جوهر صلاحيات الطرفين الآخرين (مجلس الشورى - السلطة التنفيذية) يدعمها إبقاء مادة أن التعديل لا يكون إلا جزئيا، ما يعني عدم إمكان إجراء هذه التعديلات إلا إذا تم الاعتراف بعدم حاكمية هذه الآلية، وبالتالي عدم صلاحية التعديل من خلالها، وإلا عد ذلك نوعا من الخبال السياسي، أو استهواء ضرب القوانين بها وبغيرها، وهذا لا يؤسس إلى تثبيت آلية معينة في إقرار القوانين ولا احترامها من كل الأطراف، ما يعني الفوضى السياسية والقانونية والدستورية المستقبلية، وعدم الأمن السياسي ولا القدرة على التفاوض المتكافئ مع القيادة السياسية.

إلا أن هاتين الإثارتين تبدوان غير كافيتين في إقناع الأطراف الأخرى بضرورة احترام الآلية التي أقر النواب بإمكان التعديل والتغيير من خلالها، وإذا بهم ينقلبون عليها، لذلك لزم توجيه حزمة مكثفة من الإشارات الميدانية، التي حكمت عمل المجلس، لتكون أبلغ في الإلزام بها، وهذا كما يقال آخر الكيل في إطاره الموضوعي، ولمقدمي الاقتراح أن يجربوا حظهم بعد ذلك في إمضائه بالطريقة التي يرونها مناسبة.

أولا: يبدو أن الأخوة النواب تناسوا حقيقة موضوعية في غاية الإفصاح عن مطالبها بعقم هذه الآلية في إقرار القوانين، وهي أن السلطة التنفيذية حجبت قهرا اجتماع الغرفتين طوال فترة انعقاد المجلس، وكانت الفرصة سانحة لذلك أثناء اعتراض المجلس النيابي على قرض 500 مليون، ولكن السلطة التنفيذية أرجعت موضوع القرض إلى المجلس النيابي مرة أخرى لإقراره، متجاوزة الآلية المتعادة بأن يمرر على مجلس الشورى للنظر فيه، فكان أول انتهاك لدستور 2002 تم القبول به من اللاعبين فيه.

زاد من عدم التقاء المجلسين كثرة المقترحات برغبة الموجهة إلى السلطة التنفيذية، وهو ما كفى النواب شر القتال، لكنه حقق غرضا أساسيا، بستر هذه الآلية عن الأنظار، وجعلها مبهمة في مفرزاتها ونواتجها السياسية.

بعد سنة ونيف من عمل المجلس الوطني بغرفتيه من دون التقاء المجلسين: هل من الممكن أن يكون أول التقاء للمجلسين من أجل ضرب هذه الآلية بالآلية نفسها، أي إقرار تعديل يقضي بسحب صلاحيات من مجلس الشورى من خلال آلية أحد قنواتها مجلس الشورى نفسه؟ ماذا يعني هذا الموقف؟ هل اعتراف بعقم هذه الآلية بصورة عكسية؟ فإذا كان كذلك: فهل الخروج من مأزق هذه الآلية يكون من خلالها؟ أليست هذه مكابرة سياسية مكشوفة الأهداف والدوافع؟

ثانيا: إذا كان النواب يريدون إجراء تعديلات حقيقية، تؤسس لمراجعة فعلية للخيارات والمواقف السياسية، فالأفضل لهم أن يواصلوا مشوارهم النيابي، ليكشفوا كل الآليات والمفاعيل السلبية الأخرى، وليس آلية مجلس الشورى فقط، لأن تعداد التغييرات الدستورية التي أجريت على دستور 73 لا يقتصر على هذه الآلية فقط، وإنما على مواد كثيرة لا يتحمل النواب تغييرها بهذه الآلية، ولو تمت التغييرات بصورة جزئية، فهو تحسين لموقع النواب الإعلامي لا تحسين موقع الناس أو ترجيح لخيار مشاركة الجميع في إنجاح التجربة.

الأفضل يقينا اختبار كل الآليات لقياس مدى صلاحياتها، ولم يختبر النواب إلى الآن مجلس الشورى، حتى يعلنوا اتهامهم المبطن له كما فعل المقاطعون بعدم فاعليته، ثم يطلبون منه أن يقر هذا الاتهام بالتنازل عن صلاحياته، وبالآلية التي أكسبته شرعية المشاركة في صنع القرار، كما أنهم لم يختبروا الأدوات الدستورية الأخرى، ومازال في الوقت متسع لمراقبة التجربة بحسب رهانات كل الأطراف عليها، وإن الالتفاف على هذه الرهانات في حال العجز عن تحقيقها لن يخدم في تثبيت صدقية المشاركين، كما لن يخدم في إنجاح العمل السياسي وإنضاجه، ويمكن القبول بمراقبة الوضع البرلماني طوال دورته المتبقية له، ليكون إصلاح الوضع وتطويره بناء على بينة من كل نواتجه ومعطياته الحالية والمستقبلية، أما الاضطرار وإخضاع الناس لهذا الاضطرار، فمرفوض جملة وتفصيلا

العدد 480 - الإثنين 29 ديسمبر 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً