إذا، لقد عادت ليبيا عن نيتها المضي قدما في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وهي خطوة جيدة ولا شك، والسعيد من اتعظ بغيره، فلا التهويشات ولا البلاغات الكلامية تؤثر، ولا «طز في أميركا» تجدي نفعا، كما لا تجدي نفعا «تسقط تسقط إسرائيل» لأنها دائما «تنجح»، ونحن من «يسقط» في أدنى اختبار. فالدول الكولنيالية الطابع - وهي في الغالب الدول المتأخرة تنمويا على الأصعدة كافة، وخصوصا في مجال حقوق الإنسان، والتنمية البشرية - يستثيرها لمعان الأسلحة في ترسانتها، ويجذبها اصطناع أعداء لها من الخارج لأن هذا أسهل من إنجاز تنمية على الأرض، وجذب الاستثمارات، فخلق العداوات أسهل بكثير من صناعة الأصدقاء.
وليبيا واحدة من الدول التي دخلت في صراعات إقليمية عدة، لم توفر تونس ولا مصر، ولا السودان ولا تشاد، دعمت الجيش الجمهوري الإيرلندي، وبعثت بعملائها لتفجير طائرتين مدنيتين، قارعت الولايات المتحدة حينا من الدهر، واكتشفت متأخرة أن طائراتها الحربية (السوخوي) لا تعدو «نعوشا طائرة» في مقابل «إفّات» الجيش الأميركي. كابرت منذ العام 1992 في شأن الحصار الاقتصادي، دفعت أثمانا باهظة نتيجة لذلك، تأخرت عجلة التنمية بالنسبة إلى بلد نفطي عملاق، وسكان لا يتجاوزون الخمسة ملايين (بحسب إحصاءات 1999)، على مساحة أرض كبيرة تقارب 1,76 مليون كيلومتر مربع، ثم عادت لتعوض أهالي ضحايا الطائرتين بما يقارب الثلاثة مليارات دولار، واليوم تفكك مصانع أسلحة الدمار الشامل المختلفة الأغراض، ويعلم الله، و«الراسخون في السلطة» مقدار ما أنفق فيها من أموال وخبرات، وأسواق سوداء، وسماسرة السلاح، حتى يتم إنشاؤها.
أحد الأصدقاء العرب كان قد أطلق لحية كثيفة (ليس بدافع التدين)، ولكن عندما سيطرت قوة تكره اللحى على بلده، ذهب إلى الصالون ليزيلها تماما، وعندما سأله الحلاق مستغربا عن السبب، قال: «أحلقها بنفسي أفضل من أن يحلقوها ليش... بيده لا بيد «عمروش، كما فضلت ليبيا أن يكون الأمر بيدها لا بيد «عمريكا»
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 480 - الإثنين 29 ديسمبر 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1424هـ