لقد أصبح دخول المرء الحر إلى العراق شيئا مكروها في الاسبوع الماضي فقط، أقر قائد سرية في فرقة المشاة الأولى الأميركية في الشمال أنه من أجل انتزاع معلومات عن المسلحين الذين يقاتلون القوات الاميركية من الضروري «غرس الخوف» في صدور القرويين. وأخذ مترجم عراقي يعمل لصالح الاميركيين للتو سيدة عجوزا من منزلها لتخويف بناتها وحفيداتها، ليظن بأنها اعتقلت.
قائد كتيبة أخرى في المنطقة شرح المسألة بصراحة أكبر حين قال: «مع اعطاء جرعة ثقيلة من الخوف والعنف وضخ مبالغ ضخمة من النقود في المشروعات أعتقد أننا نستطيع اقناع هؤلاء الناس بأننا جئنا هنا لمساعدتهم». ويتحدث القائد من قرية طوقها جنوده بالأسلاك الشائكة ووضعت عليه لافتة تقول «هذا السياج وضع هنا لحمايتكم. لا تقتربوا أو تحاولوا العبور، وإلا سيتم اطلاق النار عليكم».
هذه المعاملة وهذه الكلمات تهين إنسانية هؤلاء الذين ادعى الاميركيون انهم جاؤا «لتحريرهم»! ولكي تبين أن الترويع يأتي غالبا من قوات الاحتلال الاميركي وأن رعب البريطانيين في جنوب العراق من أن يحل بهم الانتقام العراقي أمر مفهوم، كما حل على الايطاليين والاسبانيين، مع ان هذا الرعب لن يجديهم نفعا! وبدل مصارحتنا يقال لنا إن القوات الاميركية كسبت تلك القلوب والعقول، هناك مثال كئيب على ذلك، فالتمييز العنصري المتأصل الذي يتخلل حتى تقارير مثل هذه الحوادث، في وكالة الأشوسيتد برس مثلا، اذ يصف جنديا أميركيا يلبس قبعة سانتا كلوز ويوزع اللعب للأطفال، كتب المراسل جاسون سيزر أن طفلا يبلغ من العمر 11 عاما «بدا حائرا ثم ابتسم» بينما يمنحه الجندي لعبة ماعز صغيرة، واستمر التقرير يقول: «تشبث الاطفال الآخرون غالبيتهم من المسلمين بشكل جشع بصندوق الهدايا» مضيفا تعليق الجندي على المشهد: «إنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع الكرم».
لا أشك في نية الجندي بفعل الخير، ولكن لماذا يكتب المرء «غالبيتهم مسلمون» الذين «أمسكوا بجشع» بصندوق الهدايا؟ أو تعليقات الجندي التي تفتقر إلى الشعور عن الكرم؟ وأوردت الصحف العراقية في صفحاتها الأولى بطاقة معايدة في عيد الميلاد تقول «الكتيبة الأولى تتمنى لكم عيد ميلاد سعيد».
لكن الرسم المرافق هو لصدم حسين يلحيته القذرة بعد أسره مباشرة، مع قبعة سانتا على رأسه، لاشك أنها مضحكة لنا ولكنها إساءة صريحة للعرب الذين - على رغم انهم قد يشمئزون من وحش بغداد - سيرون هذه البطاقة محاولة مقصودة لإيذاء العراقيين المسلمين. والأمر متروك للعراقيين في اذلال رئيسهم السابق - وليس محتليهم الاميركيين.
بدت المسألة كما لو أن القوى المحتلة ترغب في النظر من خلال مرآة أليس، اذ سمعنا بتصريح غريب للجنرال البريطاني جريم لامب بأنه يمكن مقارنة صدام بالامبراطور كاليغولا. ولكن يمكن القول ان كاليغولا كان اكثر وحشية وجنونا من صدام.
يفترض أن يحقق كل هذا؟ محكمة جرائم حرب جادة - هي الطريق لكشف طبيعة نظام صدام البغيض، ومن المفضل أن تكون خارج العراق وبعيدا عن سلطة البلاد القضائية الملوثة.
ان كل التشبيهات لديكتاتور العراق بهتلر وستالين واتيلا المغولي أو كاليغولا، تعتبر طفولية مثلها جميع تشبيهات بلير أو بوش بونستون تشرشل. ولكن يبدو أن تأثير المرآة يترسخ لدى سلطة بول بريمر، الذي أخذ مايكرره بوش من سخافة بأن كلما كان نجاح الغرب عظيما في العراق، كلما ازدادت الهجمات على القوات الاميركية، فقد قال قبل اسبوعين: «شخصيا أشعر أنه سيكون لدينا عنف اكثر في الاشهر الستة المقبلة» بمعنى آخر، كلما تحسنت الأمور نحو الافضل، كلما واجهوا الأسوأ.
إنني لن اقلق من هذا الهراء كثيراَ اذا لم ينسخ على أرض الواقع في العراض، خذوا مثلا إدعاء الاميركيين السابق الذي اصبح سخافة الآن، من أنها قتلت «54 متمردا» في سامراء الشهر الماضي، فهم لم يقتلوا غير ثمانية مدنيين، ولم يوجد دليل على أنهم قتلوا أي شخص آخر، ولكن مازالوا يتمسكون بقصة نصرهم العظيم!
في الاسبوع الماضي، أخرجوا لنا رواية أخرى، هذه المرة قتل أحد عشر متمردا في سامراء عندما تحققنا من الأمر وجدنا سجلات أربعة قتلى مدنيين وكثيرا من الجرحى.
وهناك عادة غريبة ظهرت الآن وسط المتحدثين باسم سلطات التحالف. عندما قتلت دبابة عالم دين في مدينة الصدر بضواحي بغداد قبل ثلاثة أسابيع، ادعوا أن تلك كانت «حادثة مرور» كأنما اصطدام دبابة ابرامز بسيارة ورجل دين هو من النوع الذي يحدث في أي شارع بوسط مدينة.
وبعد أيام قليلة عندما انفجرت شاحنة ملغومة مصطدمة بسيارة وقتلت سبعة عشر مدنيا، استخدم المتحدثون بأسم الاحتلال قمامة الاكاذيب مرة أخرى، وقالوا «حادثة مرور» اشتركت فيها ناقلة بنزين!
وصل بعضنا إلى مسرح العملية بعد فترة قصيرة ومازالت المذبحة تفوح برائحة المتفجرات، لكن مع ذلك اعتبروها «حادثة مرورية!» كما شهدنا قبل أيام حادثة غريبة مماثلة، إذ ذكر أن الطائرات سي - 130 المليئة بالبنادق والمدافع الثقيلة شنت هجوما على «قواعد في اطار عملية مطرقة الحديد جنوب بغداد، ولكن اثبت التحقيق ان الاهداف كانت حقولا خاوية وأن بعض المدافع كانت تطلق عيارات فارغة كجزء من صيانة المدفعية الروتينية.
لذلك دعونا نفهم ما يجري بشكل صحيح، المتمردون هم مذنيون. الشاحنات المتفجرة والدبابات التي تسحق المدنيين مجرد حوادث مرورية. والمدنيون «المحررون» الذين يقيمون في القرى يحاطون بالاسلاك الشائكة يجب أن يتلقوا «جرعة ثقيلة من الخوف والعنف» لابقائهم خاضعين، وفي مكان ما على طول الطريق ربما يتحدثون عن الديمقراطية أيضا
العدد 480 - الإثنين 29 ديسمبر 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1424هـ