اطلعت على ما كتبه عباس بوصفوان في عمود «نقطة حوار» بصحيفة «الوسط» العدد 471 ليوم الأحد 21 ديسمبر/ كانون الأول الذي حمل تعليقه بشأن ما جاء في بيان التجمع القومي بشأن حادثة اعتقال الرئيس صدام حسين، إذ وجد عباس على ما يبدو في هذا البيان ومحتواه فرصة للتنفيس عن بعض كوامن النفس والقلب وبطريقة فيها الكثير من التعالي والوصاية والاستاذية المصطنعة التي لا تليق ولا نحب أن نراها في انسان نحترمه ونقدره ونحترم مواقفه وآراءه على رغم اختلافنا معه في الكثير منها.
وبعيدا عن الدخول في تفاصيل المغالطات التي تعمد عباس تغليفها بالموضوعية والحديث عن حقوق الانسان والديمقراطية وغيرها من المفاهيم التي تدغدغ عواطف القارئ، وبعيدا عن الدخول في مماحكات وجدل عقيم لا طائل من ورائه سوى الإثارة وتحريك نوازع الدس والتحريض، ومن دون الوقوع في مطب «التنظيرات الفارغة» أو التورط بالسقوط في مهاوي العصبية المذهبية، التي ربما تخدم هدف بعض الفئات في المرحلة الراهنة، والتي لا نظن ان عباس يخالفنا الرأي في ان هذه «العصبية» لا تمت إلى الثوابت الوطنية أو المبادئ القومية بصلة من قريب أو بعيد، بل إنها على العكس من ذلك مشاعر لا تضمر سوى عصبيات معادية للعروبة وللوحدة الوطنية في أي قطر من اقطار هذا الوطن العربي الكبير. نقول بعيدا عن كل هذا إن البيان الذي اصدره التجمع يعبر عن رأي جمعية سياسية ذات أهداف وطنية وقومية ليست خافية على احد وهي معروفة للقاصي والداني ولا شيء يخجلنا من البوح بها أو الإفصاح عنها، وهي مواقف مشخصة في النظام الداخلي وفي الأدبيات وفي إصدارات التجمع وفي كل أنشطته وفعالياته، لذلك نحن نتعامل مع قضايا الوطن والأمة بمسئولية وأخلاقية بعيدا عن أية مواربة أو تضليل من ذلك النوع الذي يلبس الباطل بالحق ويدس السم بالعسل.
وهذا يعني باختصار أن البيان لا يخاطب أصحاب النفوس الموتورة، ولا اصحاب المشاعر المتحفزة للثأر والانتقام والمشحونة بالضغائن... والتي تبحث عن فرصة للتنفيس عن بعض العقد والاحقاد.
كما أن بيان التجمع القومي لا علاقة له بأوهام الطائفية المتصاعدة ولا بالعبث المذهبي وغيرها من اشكال الفتنة التي تشكل اليوم هدفا استراتيجيا للاحتلال الاميركي والبريطاني والمنسجم كليا مع استراتيجية الصهاينة في فلسطين المحتلة.
كما إني على ثقة تامة بأن البيان يعبر عن رد فعل الشارع العربي (والشارع البحريني منه) الذي تداخلت مشاعره بسبب حادثة الاعتقال والطريقة المهينة التي تم تسويقها إعلاميا - تلك المشاعر التي توزعت بين الغضب والشعور بالمهانة والعجز.
كما أن البيان في تقديري ينسجم مع ذلك الاجماع العربي الذي رفض الطريقة التي عومل بها الرئيس صدام حسين باعتباره رئيس دولة عربية تعرضت للعدوان والاحتلال شأنه شأن كل الرؤساء أو الزعماء العرب بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الرئيس صدام ونظام الحكم في العراق.
هذا هو الرأي الذي عبر عنه التجمع انسجاما مع رأي قواعده وأعضائه، وهو رأي غير قابل للتنازل أو المساومة، ونحن الذين نحدد ونختار الطريقة أو الاسلوب الذي نعبر به عن مواقفنا وآرائنا ولسنا بحاجة إلى من يعلمنا أو يملي علينا كيف تكون المواقف في القضايا التي تمس كرامة الأمة وتستهدف النيل من كبريائها وعزتها.
وكل ذلك خاضع لموقفنا من الاحتلال ورفضنا لإفرازاته وتداعياته، وعملية اعتقال الرئيس صدام حسين ليست سوى حلقة في مسلسل الهوان والعجز العربي ورمزا للضعف والخواء على المستوى الرسمي العربي في مواجهة أعداء هذه الأمة.
أما عن «الرشد» والعقلانية التي تحدث عنها عباس في عموده وقال إن بعض العراقيين يتمتعون بها اكثر من التجمع القومي فنحن لا نوافقه الرأي إذا كان يقصد (بالرشد) والعقلانية القبول بالاحتلال والموافقة على إذلال العراقيين وامتهان كرامتهم وتحويل العراق إلى وكر للتجسس ومركز للغدر والخيانة ومنطلق للشعوبية. فنحن في التجمع القومي نرفض هذا (الرشد المذل) و(العقلانية الخانعة) أما أن التجمع القومي يحب العراق أكثر من العراقيين فهذا شرف لا ندعيه ولا يمكن أن نقول به «ولكن من المؤكد أننا وغيرنا من العرب الشرفاء نحب العراق أكثر من أولئك الذين باعوا العراق من الذين شاركوا منذ البداية في الاعداد للعدوان والحرب على العراق وصالوا وجالوا في (مؤتمرات الخيانة) في واشنطن ولندن كما قبلوا بأن يدخلوا العراق على دبابات الغزاة المحتلين التي سحقت اجساد العراقيين وحولت كل العراق إلى انقاض وخرائب ينعق فيها البوم والغربان.
واخيرا نقول إنه مع كل النقاط التي حاول عباس حشرها في عموده وهو يعلق على بيان التجمع لم يتطرق إلى موقف التجمع من المقاومة العراقية. وهي المقاومة التي تحرج الاحتلال وأعوانه والمتخاذلين معهم.
وفي تقديرنا ان عدم الحديث عن المقاومة كان مقصودا وبواعثه ليست خافية وتدخل تحت راية الرشد والعقلانية اللتين يؤمن بهما عباس، خلافا لمشاعر الغالبية الساحقة من ابناء الشعب العراقي والامتين العربية والاسلامية.
الا اذا كان عباس بوصفوان يريد أن يقنع القراء بأن الاحتلال وما يقوم به من قتل وانتهاك للحرمات والبيوت، وما يخططه وينفذه من نهب وسرقة لثروات وخيرات العراق - وكل هذا الذي يمارسه الاحتلال له علاقة بمقاييس حقوق الانسان - والحكم الصالح والديمقراطية والتحرير وغيرها من الشعارات الزائفة التي يروج لها الاحتلال الاميركي ويسوقها البعض منا جهلا أو عمدا.
ولنا سؤال أخير إلى عباس طالما تحدث عن محاكمة الرئيس صدام حسين - وأصدر حكمة العادل عليه مسبقا - ترى من سيحاكم الاحتلال عن جرائمه المتواصلة؟ وهل ينظر إلى الجرائم والمجازر الاميركية بحق العراقيين بأنها جرائم حرب ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم؟ أم أن المقاييس هنا مختلفة و«الرشد» غير ضروري والعقلانية غير مطلوبة؟
إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"العدد 479 - الأحد 28 ديسمبر 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1424هـ