أثناء الورشة التي رعاها سمو ولي العهد الأسبوع الماضي لاستعراض الوضع الخطير لسوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة طرحت فكرة بصورة تساؤل: هل نريد أن ننافس مومبي أم نود اللحاق بسنغافورة؟
«مومبي» هي المدينة الهندية التي كنا نسميها حتى وقت قريب «بومبي»، ولكن الحكومة الهندية غيّرت الاسم لاعتقادها بأن الاسم الصحيح هو مومبي وليس بومبي، وأن الأخير كان الاسم الذي أشاعته بريطانيا أثناء استعمارها الهند. ومومبي هي المدينة التي تزخر بالعمالة الرخيصة وبمستوى معيشة متدنٍّ لأكثرية من يعيش فيها ماعدا الأقلية التي تملك الكثير وتوسع الفجوة بينها وبين الطبقات الفقيرة باستمرار.
سنغافورة هي الجزيرة التي تساوي البحرين في المساحة ويسكنها مواطنون ووافدون يزيد عددهم على البحرين بعدة مرات، ولكن مستوى المعيشة فيها ينافس الدول المتقدمة، ودخل الفرد في ازدياد مستمر (سنغافورة لديها اكثر من 4 مليون نسمة، والبحرين لديها 700 الف نسمة).
الفرق بين مومبي وسنغافورة فرق في الثقافة العامة للمنطقتين وفرق في الإرادة العامة التي توجههما. في مومبي تقوم حركة السوق على استخدام العمالة غير الماهرة والرخيصة لتسيير مشروعات محددة سريعة الربح تخدم فئة صغيرة من المجتمع. أما في سنغافورة فإن العمالة غير الماهرة محدودة جدا ولا تسمح الحكومة باستجلاب أكثر من 25 في المئة منها إلى البلاد. وتفرض سنغافورة نظاما محددا لنوعية الصناعات التي تود استقطابها، وفي هذه الحال لا تحد من عدد الأجانب الذين يمكنهم دخول سنغافورة للعمل فيها.
لتوضيح الفرق، فإن بلدا مثل بريطانيا بإمكانه أن يفسح المجال لهجرة واسعة من أوروبا الشرقية أو من تركيا، وبإمكان هؤلاء المهاجرين أن يعملوا في أعمال بـ «أجور متدنية» بدلا من الاجور المرتفعة للبريطانيين. فيمكن للحكومة البريطانية - لو شاءت - أن تفسح للعمال الأتراك (مثلا) دخول بريطانيا للعمل في إصلاح المواسير والأنابيب المنزلية بأسعار منخفضة جدا، ولكن الحكومة البريطانية ترفض ذلك ولا تفسح المجال في مثل هذه المهنة إلا للبريطانيين، على رغم أن البريطاني يكلف كثيرا وربما لا يصلح المواسير كما ينبغي، ولكنها التضحية التي تختارها الحكومة ويقرّ بها المجتمع الذي يقبل أن يدفع غاليا لتصليح الأنابيب المنزلية في سبيل حماية مجتمعه من سيل العمالة الرخيصة التي إن دخلت بلاده فإنها تقلل القوة الشرائية للمجتمع، ذلك لأن العامل الرخيص لا يصرف كثيرا ولا يشتري من السوق لانعدام دخله القوي، والمواطن سيصبح عاطلا عن العمل ولن يشتري من السوق، وسيبقى الثقل على الذي يعمل ليتحمل المتاعب الناجمة عن كساد السوق وعن ازدياد البطالة وتبعاتها الاقتصادية والسياسية. الخيار البريطاني (والسنغافوري) هو في الحد من العمالة الرخيصة. والقول بأن ذلك سيؤدي إلى غلاء بعض جوانب الحياة صحيح لانه ليس هناك شيء بالمجان في هذه الحياة. فمن يريد أمنا اجتماعيا فإن عليه أن يوفر الأمن الاقتصادي، وتوفير الأمن الاقتصادي يعني حماية طبقات المجتمع المختلفة من إغراء العمالة الرخيصة الوافدة.
حاليا، لدينا 45 ألف «فري فيزا» بحسب الدراسة التي أعدتها مؤسسة «ماكينزي» وعرضتها في الورشة التي رعاها ولي العهد، ولدينا سبعة آلاف بحريني آخر ضمن هذه السوق المشبوهة، وهم الذين رمتهم الظروف إلى بيع بطاقاتهم السكانية أو التورط في أعمال غير ملائمة مثل الأعمال التي تقوم بها العمالة السائبة (فري فيزا).
نتج عن هذا الضغط المتواصل على سوق العمل البحريني لأن متوسط دخل البحريني هبط بمعدل 19 في المئة خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، وهو متجه إلى الهبوط لأن الضغط على سوق العمل يزداد. وهذا ما حذرت منه الدراسة الموسعة، وهو أن البحرين ستشهد بطالة قدرها ستون ألف مواطن، والضغوط ستزداد بصورة سيئة (حاليا لدينا عشرون ألف عاطل بحسب الدراسة).
الحل بأيدينا حكومة ومجتمعا وأصحاب أعمال، لكي نبدأ في التفكير على نهج سنغافورة ونتوقف عن منافسة مومبي، وإلا فإن المستقبل سيئ جدا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 479 - الأحد 28 ديسمبر 2003م الموافق 04 ذي القعدة 1424هـ