العدد 477 - الجمعة 26 ديسمبر 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1424هـ

صناعة القرار السياسي... تعايش سلمي وحقوق وتنمية وثوابت

مرتضى بدر comments [at] alwasatnews.com

القائد السياسي بين جمهوره وشعبه، والرمز السياسي في محيطه وحزبه، والصيدلاني في مختبره، والخبير الكيميائي في معمله، جميعهم تحيط بهم ملفات وعناصر وأدوات عمل ومواد أولية تدخل في صنع قراراتهم السياسية أو العلمية كل حسب اختصاصه.

هؤلاء جميعا قلوبهم تنبض، وعقولهم تفكر، وألسنتهم تحاور، وأقلامهم تدون معادلاتهم وخطتهم، كل يعمل وفق أسس ومعايير معينة.

هؤلاء القادة والعلماء والرموز تجمعهم اتجاهات ومسارات مشتركة، وأحيانا منهجية واحدة في العمل والإبداع والإنتاج كالبحث والتدقيق في مصادر المعلومات وإجراء الدراسات والتحاليل ومتابعة الحوادث والتطورات والمستجدات. فإن كان سياسيا نراه يحلق في سماء الحقوق الدستورية والمصالح الوطنية والحريات العامة والمكتسبات السياسية، مع مواجهته للكثير من التحديات. وإن كان عالما أو باحثا فإنه يدور في أروقة المختبرات والمكتبات ويمارس تجاربه وبحوثه ويتابع كل اكتشاف علمي يفرز أفكاره ويوصله إلى الهدف المطلوب.

فللعلماء والباحثون في حقل العلوم مختبرات ومواد وعناصر البحث العلمي، وللساسة مكاتب ومقررات وصحف حزبية، الفارق بينهما يكمن في أن حياة الساسة أكثر نشاطا وحيوية وحراكا، كونها تمس الحياة المعيشية للمواطن في الحاضر والمستقبل. ولكن لا يمكن للقائد أو الحزب السياسي أن يحول وطنه وشعبه إلى حقل تجارب كما يفعل الخبير الفيزيائي في مختبره، فهو يجمع كل العناصر الجامدة والمواد اللازمة في معمله.

فقد ظهر في التاريخ القديم والحديث ساسة حاولوا إجراء تجارب في شعوبهم وبلدانهم بهدف بسط نفوذهم، فأقرب مثال على ذلك صعود الطاغية صدام حسين إلى سدة الحكم في العراق. ففي عهده المشؤوم الذي دام 35 عاما أصبحت الشعوب مواد جامدة يمكن التلاعب بها وبمصيرها.

ومن هنا يبرز القرار السياسي في حياة الشعوب، فيمكن لقرار سياسي خاطئ إدخال الشعوب في دوامة من الحروب والفتن المستمرة، في حين يهدف القرار السياسي الحكيم إلى خلق حال من التعايش والوئام والاستقرار، علاوة على دفع عجلة التقدم والتنمية نحو الأمام.

إن النهضة العلمية والصناعية التي تحققت في أوروبا قبل قرنين جاءت بعد سلسلة من الانتفاضات والثورات والتضحيات. فكان لقرارات القادة السياسيين بشقيها الإيجابي والسلبي دورا مهما في هدم وبناء أوروبا، كما لعبت في هذا الدور أيضا قرارات أصحاب السلطة والنفوذ والقادة الميدانيين في الأحزاب والنقابات وكذلك الأمراء والملوك. وفي النهاية غلبت الحكمة والعقلانية في القرارات على الانفعالية والحماس، فكانت نتيجتها انطلاقة الثورة العلمية والصناعية في أوروبا.

إذا القرارات السياسية وإرادة الشعوب قد فعلت فعلتها وغيرت مجرى التاريخ في أوروبا.

السؤال الذي يطرح نفسه، ما الصفات التي يجب أن تتمتع بها الشخصية السياسية؟

الجواب يكمن في ضرورة توافر عشر صفات في صانع القرار السياسي، وهي المعرفة، التخصص، التجربة، الحكمة، الحنكة، المرونة، الحزم، فن التحاور والمناورة، احترام الرأي الآخر والقبول بالتعددية. أما كيفية الوصول إلى القرار فيجب على الفرد السياسي أو الحزب الالتزام بمنهجية واضحة المعالم (وضوح الرؤية والهدف والخطة)، والسير وفق استراتيجية وقواعد اللعبة السياسية من دون الخروج عن الثوابت والمصالح الوطنية. ففي اعتقادي تكمن الأسس والثوابت التي يجب على كل حزب إسلامي التمسك بها في برامجه وقراراته في الآتي:

أولا: الحقوق الأساسية

ثانيا: الثوابت الشرعية

ثالثا: التعايش السلمي

رابعا: التنمية المستدامة

إن هذه الأسس والثوابت الأربعة تعتبر مصادر لصنع القرار أو المرجعية الأساسية التي يجب أن يرجع إليها السياسي.

ولا شك أن الوصول إلى لحظة اتخاذ القرار السياسي ليس بالأمر الهين لأية مجموعة سياسية في منطقتنا، خصوصا الأحزاب الإسلامية التي تمر أمام تحديات كبيرة وحوادث متسارعة وتطلعات الشعوب نحو الديمقراطية والعدالة. هذا في الوقت الذي تخشى فيه الحكومات من حركة الإصلاح والتغيير المتصاعدة، وتحاول بشتى الطرق إبطاء تحركها وذلك من خلال وضع القيود والعراقيل للمؤسسات المنتخبة ومحاولة الهيمنة عليها. ففي هذا الجو التنافسي المشحون والمتأزم، لزاما على الساسة في الحكم والمعارضة اختيار التفكير العقلاني وخلق قنوات الحوار وجعلها مفتوحة من أجل بناء الثقة أولا ومناقشة ملفات الخلاف ثانيا، خصوصا وأن بين الحكومات والقوى السياسية المعارضة مشتركات كثيرة، فيجب التمسك بنقاط الالتقاء وتقويتها، لأن ذلك سيساعد على حل نقاط الخلاف على مر الزمن، وخصوصا إذا سادت روح الشفافية والحوار بين الطرفين.

الأحزاب المعارضة التي اختارت النهج السلمي وتؤمن بالتعددية يعتبر دورها تكامليا في التنمية، فلا يجب محاربتها أو عزلها سياسيا أو التكابر عليها، بل يجب الاستعانة بها والاستفادة من خبراتها وإشراكها في عملية صنع القرار، هذا ما نشاهده في الدول الديمقراطية. كما أن على القوى السياسية المعارضة أن تدرك بأنها ليست وحدها في الساحة السياسية، وتستطيع تحقيق إنجازات من خلال فرض شروطها وأجندتها من اعتبار للقوى السياسية الأخرى وخصوصا الحكومات التي تتمسك بغالبية خيوط اللعبة، والتي تنفرد في اتخاذ أهم القرارات بعيدا عن المشاركة الشعبية. فيتوجب على القوى المعارضة أخذ ذلك ضمن حساباتها، مع أخذ الأمور بروية واعتدال.

فعودة إلى آليات صنع القرار السياسي، وبعد التطرق إلى الأسس والثوابت التي ترتكز عليها عملية صنع القرار السياسي، نذكر هنا المحطات التي يجب أن يمر بها الحزب السياسي قبل اتخاذه أي قرار وذلك من أجل جس نبض القوى المؤثرة في الساحة، ومن هذه المحطات الجمهور، الحكومة، القوى السياسية، والقوى الإقليمية والدولية، لأن جس نبض هذه القوى سيفتح آفاقا رحبة لأي حزب سياسي لمعرفة الساحة السياسية بدقة، ويؤهله إلى اتخاذ قرار أكثر واقعية وحكمة، مما يجعل الحزب السياسي أكثر تفاعلا وتأثيرا في الحياة السياسية

العدد 477 - الجمعة 26 ديسمبر 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً