قريبا نحتفل برأس السنة الميلادية وسرعان ما تعود الذكرى إلى ما حدث في مطلع العام 2003 عندما هاجمت مجموعات من الشباب المنفلت (الهوليغنز) الممتلكات العامة والخاصة وعبثوا بأمن البلاد. حينها بدت علامات التعجب على وجوه الجميع وحاول البعض تسييس الحوادث وتوجيه أصابع الاتهام لهذا الطرف أو ذاك، ولكن الأمور هدأت واتجه الجميع لمعالجة ما حدث بصورة أكثر عقلانية.
دراسات وحوارات أجريت عن الموضوع وكان بعضها يتحدث عن أسباب مادية وثقافية دفعت بتلك الحوادث التي لم نعهدها من قبل.
وقبل أن يحدث أي شيء هذا العام فإننا جميعا مدعوون إلى مراجعة أنفسنا والتأكد أن أحدا لا يعبث بأمن البلاد كما يشاء. الجمعيات الأهلية والناشطون السياسيون وعلماء الدين وخطباء المساجد جميعهم لهم دور في إبعاد الشباب عن مثل هذه الأعمال. والجهات الرسمية مسئولة عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار ما حدث مطلع العام 2003.
المشكلة تتمثل في شباب يمتلك طاقات ولا يعرف كيف يوجهها، وربما ينفلت بعضهم معتقدا أن ما يقوم به يساعد في التنفيس عن احتقان ذاتي أو غير ذاتي. ولكن مسئوليتنا هي أخذ الحيطة والحذر قبل أن يحدث الشيء بدلا من إلقاء اللوم لاحقا.
لقد لاحظنا خلال هذا العام انفلات الوضع أمنيا لأسباب مختلفة، وفي بعض الأحيان مفاجئة، كما حدث مع المغنية نانسي عجرم. وهناك من لا يهمه لو احترقت البلاد مادام هو خارج الحريق الذي يتسبب فيه. الذكاء ليس في إطلاق العبارات وتهييج الناس وإنما في تحديد الهدف من حياة الإنسان ودوره في مجتمعه قبل النطق بما يثير الشارع في هذا الاتجاه أو ذاك.
البعض يتلذذ بإثارة الكلام، وهذا شأنه الخاص إذا كانت الإثارة لا ينتج عنها تخريب ممتلكات خاصة أو عامة. أما إذا نتج عن تلذذه بإثارة الكلام مكروه لغيره فإنه محاسب أمام ربه ومجتمعه في كل ما يقول ويفعل.
إن البحرين محظوظة أكثر من غيرها لأن لدى شعبها قنوات عدة للتعبير والتنفيس عن الاحتقانات، وينبغي علينا أن نحافظ على الحريات العامة التي تحققت وعدم السماح بقمعها. فقمع الحريات قد تكون النتيجة التي يدفع باتجاهها البعض عبر تطرفه في الطرح وعبر انفلاته فيما يقول ويكتب ويفعل.
الحديث أصبح متداخلا لأن هناك تداخلا فيما حدث أخيرا، وخصوصا مع قدرة أطراف مختلفة على الدخول على الخط وإثارة الناس يمنة ويسرة من دون استراتيجية واضحة ومن دون اهتمام لما ستؤول إليه تلك الإثارات. وعلينا أن نفصل بين التعقيدات المختلفة لكي لا تختلط الأمور ولكي لا يحاول البعض توجيه التهم إلى هذا الطرف أو ذاك واستغلال أي حدث للدعوة إلى قمع الحريات.
إننا واثقون أن أصحاب الرأي بعيدون كل البعد عن حوادث العبث، ولكن الجميع بحاجة إلى الانتباه مسبقا لمنع أي اختلاط في الأمور ومنع أي استغلال لاختلاف الرأي (بشأن هذه المسألة أو تلك) في إثارة الشارع تحت أية حجة من أجل ارضاء حاجات ذاتية تنزع نحو الإثارة من أجل الإثارة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 477 - الجمعة 26 ديسمبر 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1424هـ