كركوك هذه المدينة التي تقع في الحدود المشتركة بين القسمين العربي والكردي، كانت ومنذ الازل مدينة القوميات والطوائف المتعددة، وهي المدينة نفسها التي اطلق عليها السومريون والبابليون اسم «ارض النار الازلية» لأن نفطها الغزير كان يشتعل منذ ما قبل ظهور الحضارة في بلاد ما بين النهرين، وهي لاتزال نيرانها تشتعل الى عصرنا الحالي، ومع هذا العمق التاريخي لهذه المدينة كانت كركوك تجتذب كل الأمم الغازية التي وطأت جيوشها ارض الرافدين ولكنها ربما انسحبت بشكل كبير حينما جاء الفتح العربي الاسلامي بدخول الجيوش العربية القادمة من بطون الصحراء في جزيرة العرب الى هذه المدينة، وتحولت كركوك الى معقل لهذه الجيوش، ومدينة زاهرة بالحضارة العربية، ومنذ ذلك الحين اصبحت هذه المدينة عربية بعدما كانت بابلية، وقبل ان تغزوها جنود الفرس والاتراك وتعمها بعض موجات اكراد الجبال القريبة اليها، وبمرور الزمن اندحرت الامبراطوريات المتعاقبة وكانت كركوك نقطة الجذب في غالبية الحروب، وما ان وطأت اقدام العثمانيين ارض العراق حتى بدأت تتسرب الى هذه المدينة مجاميع من اتراك الجبال الذين استقروا فيها جنبا الى جنب مع الاكثرية العربية والاقلية الكردية، وهكذا منذ ما يزيد على الستة قرون اصبحت هذه المدينة مدينة للقوميات الثلاث العربية والكردية والتركمانية، وبقيت كركوك في غالبية المنازعات والحروب الداخلية والخارجية محايدة، وشكلت موضع أمان بعد ان تمازجت هذه القوميات الثلاث فيما بينها وتزاوجت فانجبت اجيالا عراقية تمثل التمازج الاجتماعي.
والآن فان الاكثرية في هذه المدينة هم العرب والتركمان بينما الاقلية هم الاكراد، ولكن القيادات الكردية ومنذ عقود من الزمن تتطلع الى كركوك مدينة النفط لضمها الى منطقتهم على اسا انها مدينة كردية وان الاكراد يشكلون غالبية فيها، والعائق الذي وقف ضد الطموح الكردي طوال العقود الماضية هي السلطة المركزية، منذ العهد الملكي ومرورا بمرحلة عبدالكريم قاسم وانتهاء بمرحلة صدام حسين. والآن وبعد ان زال نظام صدام حسين واصبح للاكراد شأنا مؤثرا في السياسة العراقية، وهم يتلقون دعما سياسيا ومعنويا وماليا من قبل الاميركان، فانهم لا يريدون ان يدخلوا الى مرحلة الانتخابات والدستور والاستفتاء قبل ان يحققوا سيطرتهم على كركوك. ويطرحون الآن قانون الفيدرالية وضم كركوك الى كردستان وهذا الطرح يسبق عملية تثبيت اسس الدولة العراقية، وهنا تكمن الخطورة لأن القوميات الاخرى في كركوك لا توافق على ذلك، ومن المحتمل ان تنشب نزاعات قومية مخيفة اذا ما امد الاكراد على هذا المنطق
العدد 476 - الخميس 25 ديسمبر 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1424هـ