الشدة والأزمات تظهر حقيقة الناس، كما أن الأصدقاء الحقيقيين والجوهر الحقيقي لمعدن الإنسان يختبر في الأزمات... هذا المبدأ لا يقتصر على الحياة الاجتماعية، وإنما هو أمر ينطبق على الحياة السياسية أيضا. وربما يكون خير مثال على صدق هذه الكلمات، ما فعله رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان في وجه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في ملتقى «دافوس» الاقتصادي.
فبينما اكتفى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بالصمت لإيمانه بمبدأ «لابغيت عدوّك يموت قتله بالسكوت»، أثلج صدورنا كثيرا ذلك الموقف الشجاع لأردوغان، حينما رد بكلمات صدق على خطاب بيريز الذي حاول تبرير المجازر والجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة... هنا نطق أردوغان الذي أعتقد أنه مؤمن بمبدأ «إذا كان المتكلّم مغروما فيجب أن يكون المستمع عاقلا»، حيث أصاب بيريز في الصميم، وحدثه بخطاب شديدة اللهجة، وكان من بين الجمل التي أعجبتني «أن رفع الصوت دليل على خزي إثموي يعتمل داخل ذلك الصدر المنتن»... غيرة وشهامة أردوغان أثلجتا صدري، بينما افتقار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لهاتين الصفتين، واكتفائه بالصمت، وتفضيله الجلوس في المنتدى بجوار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وبيريز ومدير الندوة الأميركي، عن المغادرة برفقة أردوغان، جرحني بصفتي مواطنة عربية، على اعتبار أنه يمثلنا بشكل «رسمي» في المنتدى... فأخذت أبحث لنفسي عما يسكن ألم جرحي «العربي»، فلم أجد سوى «لافتات» الشاعر الكبير أحمد مطر، فأعدت قراءتها للمرة السابعة، إذ وجدت فيها مسكنا لآلامي ، فاخترت لكم أو لمن يريد أن يسكن هو الآخر آلامه هذه الكلمات:
إنني المشنوق أعلاه على حبل القوافي
خنت خوفي وارتجافي
وتعريت من الزيف وأعلنت عن العهر انحرافي
وارتكبت الصدق كي أكتب شعرا
واقترفت الشعر كي أكتب فجرا
وتمردت على أنظمة خرفي
وعلى ذلك وقعت اعترافي
@@@@@@@@@
كُنتُ في (الرّحْمِ) حزينا
دونَ أنْ أعرِفَ للأحزانِ أدنى سَبَبِ!
لم أكُنْ أعرِفُ جنسيّةَ أُمّي
لمْ أكُنْ أعرِفُ ما دينُ أبي
لمْ أكُنْ أعرِفُ أنّي عَرَبي!
آهِ... لو كُنتُ على عِلْمٍ بأمري
كُنتُ قَطَّعتُ بِنفسي حَبْلَ سِرّي
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ