العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ

الأمل في حركة لا عنفية في فلسطين

احمد منجد comments [at] alwasatnews.com

كاتب

تعلمت منذ طفولتي أن الطرف الذي لا يملك القوة يستحق دائما «العمل الإيجابي» في أي نزاع غير متكافئ قبل الوصول إلى حل حقيقي. كمسلم يعيش الآن في الغرب، أحاول دائما وبشدة أن أفهم لماذا يفترض هذا العدد الكبير من الناس في الغرب أن «إسرائيل» الأقوى بكثير هي «الإنسان الطيب»، بينما الفلسطينيون الذين لا يملكون سوى قوة محدودة هم «الإنسان الشرير السيئ» في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

هل هذا تعويض من قبل الغرب عن «شعورهم بالذنب» حول المحرقة اليهودية؟ أم هل يتعلق الأمر بصورة أوسع بقوة الأموال اليهودية؟ هل يتعلق الأمر بلون البشرة؟ كيف نستطيع أن نفهم أن مئتي صاروخ من صنع محلي أطلقتها «حماس» نحو «إسرائيل» خلال الأسبوع الأول من الأزمة تستحق اهتماما أكبر، كإثبات على الإرهاب، من حياة 700 شخص معظمهم من المدنيين الفلسطينيين، قتلتهم أسلحة إسرائيلية متطورة في الأسبوع نفسه؟

لم نتفق أنا والعديد من أصدقائي المسلمين أبدا مع حماس، التي ترى كل يهودي على أنه المجرم الذي يعتبر دمه حلالا، ويمكن بالتالي شكمه. كما نختلف كذلك مع بعض المسلمين، بمن فيهم أعضاء حماس والرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذين يريدون إزالة «إسرائيل» عن الخريطة. حل الدولتين الحقيقي هو الخيار الأكثر منطقية.

إضافة إلى ذلك، أفهم بشكل كامل أن أية هجمة على اليهود يجب أن تذكرنا جميعا بالمحرقة التي تعتبر أكبر جريمة وأكثرها هولا ضد الإنسانية. يتوجب على كل إنسان العمل على منع تكرار ذلك في التاريخ البشري، ليس فقط لليهود وإنما لكل إنسان. وبالتأكيد، لنعترف أنه منذ العام 1948، عانى الفلسطينيون من جرح عميق كشعب هُجّر واضطر للنزوح عن أرضه ووطنه.

إلا أنه في هذه الدائرة الشيطانية من العنف، يعتبر النقاش الذي يبرر القتل من قبل أي من الطرفين أو النقاش حول السبب الذي يوجب على الناس دعم طرف دون الآخر، نقاشين لا نهاية أو فائدة لهما، بل الأسوأ من ذلك، فكلاهما يخلق أزمة أكبر وأوسع. من الواضح أن الوضع في غزة أكثر تعقيدا إلى درجة بعيدة.

الإغراءات بالاستمرار باستخدام السلاح على الجانبين قوية جدا، إما باسم الدفاع عن النفس أو العدالة أو الكرامة أو الثأر أو حتى الله تعالى. لا أملك القدرة أبدا على إخبارهم ما هو الشيء الصحيح الذي يجب عمله. لم يقدم استخدام السلام من قبل الفلسطينيين، ولفترة تزيد على 60 سنة، سوى التبرير للإسرائيليين لقتل المزيد واحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية.

إذا توقف الفلسطينيون عن استخدام الأسلحة، وإذا استطاع الزعماء العرب والعالم الإسلامي بشكل عام أن يساعدوا حماس وغيرها من المجموعات على إيقاف إطلاق النار، فسوف ينعدم تبرير «إسرائيل» للقيام بأعمال القتل.

ليناقش أصدقاء «إسرائيل» بالمنطق نفسه. فقط عندما تتوقف «إسرائيل» عن استخدام السلاح، وهي الطرف الأقوى، سوف يفقد هؤلاء المسلمون المتطرفون، بمن فيهم حماس التي أوجدتها «إسرائيل»، شرعيتهم ويفقدون الدعم الفلسطيني.

يتوجب على «إسرائيل» التوقف عن تسمية حماس «منظمة إرهابية»، ويجب على الفلسطينيين التوقف عن تسمية «إسرائيل» «شعب الشيطان». يمكن تحقيق السلام إذا تعلموا أن يتكلموا ويعملوا مع بعضهم بعضا.

يحتاج قادة العالم لأن يتخذوا كل خطوة ممكنة باتجاه صنع السلام، ونحتاج نحن المواطنين العالميين العاديين أن نشارك في المسئولية. فإلى جانب الجهود المتنوعة التي بذلت حتى الآن، من الصلوات وحتى الجهود الإنسانية، نحتاج نحن المسلمين بشكل خاص أن نتفاعل بشكل استراتيجي. لقد تفاعل العديد من المسلمين حول العالم حتى الآن بأساليب تزيد من حدة العنف.

نعم، لقد تشاركنا في المسئولية من خلال الصلوات وجمع التبرعات والبيانات الصحفية والحوار والاحتجاجات والأعمال الفنية وتبادل المعلومات الإخبارية. إلا أن معظم تصرفاتنا تنبع من «حوار التبرير». على سبيل المثال، قام المتظاهرون في بلدي إندونيسيا، وهي أكبر دولة مسلمة في العالم، بإغلاق الكنيس اليهودي الوحيد الأسبوع قبل الماضي لأنهم افترضوا علاقة أوتوماتيكية بين «إسرائيل» واليهودية. استعدت بعض المجموعات الإسلامية الإندونيسية، مثل جبهة الدفاع الإسلامية، حتى على إرسال قوات تطوعية غير مدربة إلى غزة للقتال.

بدلا من مساعدة الأزمة، لا تعمل ردود الفعل هذه إلا على تضخيم موجات الحقد والثأر والوحشية التي تمتد من غزة إلى العالم الخارجي. وبوجود غزة كنقطة مركزية لهذا العنف، يتعاطف العديد من المسلمين في كل أنحاء العالم مع الفلسطينيين المظلومين الذين يريدون قتال العدو، الإسرائيلي الشيطاني.

تعتبر إدانة القتل ومساعدة الضحايا بأي شكل من الأشكال أمورا مهمة جدا. ومن الأهمية بمكان كذلك بالنسبة للزعماء المسلمين حول العالم أن يقدموا غزة ليس كنزاع بالدرجة الأولى بيننا «نحن» المسلمين ضد «هم» اليهود. تستحق كل من الحكومة الإسرائيلية وحماس الإدانة، كما أن كلا من الطرفين مسئول عن العدد المتزايد من الضحايا، والعديد منهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

نحن بحاجة لأن نرفع أصواتنا ونتصرف، ليس كمجموعة وطنية أو دينية محددة وإنما كمجتمع عالمي متعدد الديانات. نحتاج نحن المسلمين خارج فلسطين لأن نتعاون مع بعضنا بعضا ومع كل فرد مهتم أخلاقيا، مسلما أكان أو يهوديا أو أسود أو أبيض، ذكر أو أنثى، لأن يعتني بالضحايا ويعمل بفاعلية من أجل الهدف نفسه، السلام.

لا نستطيع من خلال العمل معا أن نعزل عنف غزة فحسب وإنما ومن خلال تعاطفنا ودعمنا وأملنا نستطيع كذلك نشر رسالة سلام

العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً