العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ

مسيرة التجنيس... الرسالة وصلت

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تعتبر مسيرة الجمعة الأخيرة، استفتاء شعبيا مباشرا على موضوع «التجنيس السياسي» الذي تورّطت فيه البحرين خلال السنوات الأخيرة.

التجنيس لم يكن محل وفاق وطني على الإطلاق، وقد واجه معارضة شديدة من البداية، حتى من آثر الصمت عليه لمصالح انتخابية أو فئوية ضيقة، ستجده يعارضه عندما يختلي بجماعته أو يتكلّم بين جدران جمعيته. فالتجنيس ليس له غطاءٌ شعبيٌ على الإطلاق، حتى كتّاب الموالاة والمتملّقون للحكومة ستجد دفاعاتهم أضعف ما تكون عندما يجادلون في التجنيس.

المفارقة حتى من ناحية الإحصائيات، في السنوات السابقة اعتادت الداخلية أن تقلّل أعداد المشاركين، أما هذه المرة فاعترفت بمشاركة 12 ألفا، ربما بسبب الاستعانة بالكاميرات الدقيقة على أسطح البنايات، خلافا للتصوير من طبقات الجو العليا الذي ثبت عدم دقته! أما المنظمون فقالوا إن الرقم 130 ألفا، ولو أخذنا كمراقبين محايدين المتوسط فنحن أمام 60 ألف مواطن جاءوا من مختلف مناطق البحرين للتعبير عن موقفهم المعارض لسياسة التجنيس.

المسيرة انطلقت عند الثالثة والنصف، واختتمت عند الرابعة، أي أنها قطعت مسافة كيلومتر واحد خلال نصف ساعة، وكانت الحشود مازالت تتدفق من ناحية المنامة وضاحية السيف وشارع البديع... في مسيرةٍ سلميةٍ هادئة، أحسن المنظّمون اختيار جانب السلم والحكمة عندما أجّلوا إذاعة البيان، لكيلا يُستغل من أي طرف، للتشويش على الهدف الكبير المُجمَع عليه وطنيا: «لا للتجنيس».

المسيرة شارك فيها مختلف الأطياف الوطنية، وفي مقدمتها الجمعيات السياسية الست، ولو كانت بعض «الجمعيات الإسلامية» تخلت عن بعض هواجسها لشاركت في هذا التجمع، الذي يعبّر عن رأي السواد الأعظم من الشعب، ويعبّر عن مكنونات نفوس حتى من يعجزون عن الدفاع عن مصالح قواعدهم الانتخابية.

في المسيرة، كان لافتا جدا المشاركة الواسعة للنساء، وهو ما يؤكد الحضور الفاعل للمرأة البحرينية وما تمتّع به من وعي ومشاركة في الساحة السياسية والوطنية، فهذه المرأة ليست إمّعة ولا تابعا، وتستحق من الرجال مزيدا من الإنصاف. والمرأة سجّلت حضورها بمختلف انتماءاتها، فكنتَ ترى المحجبة وغير المحجّبة؛ وطالبات المدرسة وطالبات الجامعة؛ والصبيّة والشابّة والمرأة العجوز؛ كلهن جئن ليقلن: «لا للتجنيس السياسي الذي يهدّد مستقبل الوطن».

إحدى المشارِكات لفتت نظري لوجود حوامل بين المشاركات، وهو أمرٌ له دلالته الكبيرة، في ظلّ وضعٍ لم يملك أحدٌ ضمانة بعدم حدوث صدامات، وإطلاق مسيلات الدموع والرصاص المطاطي. وإصرارهن على المشاركة في هذا الوضع يدل على أهمية الرسالة التي أردن توجيهها ليسمعها الجميع، في الداخل والخارج، لعلّ الجميع ينتبه إلى خطورة هذا الملف المتفجّر، فيبادروا لمعالجته قبل فوات الأوان، بمنتهى الإحساس بالمسئولية ومراعاة المصلحة الوطنية.

في المسيرة شاركت العمامة والعقال؛ والملتحي والحليق؛ ولابس البدلة والـ«تي شيرت»، والعجوز الثمانيني وطفل الرابعة، كلهم جاءوا ليقولوا: «أنقذوا البحرين من هذا الضياع».

كانت المسيرة متشحة بلونين فقط: الأبيض والأحمر، كلّ الأعلام والشعارات واليافطات والملصقات، لتقول للجميع: ليس لنا غير هذا الوطن الذي تشكون من ازدحامه بأهله وقلة موارده، فلماذا تستضيفون أبناء الشعوب والأقاليم والأوطان الأخرى وتمنحونهم ما تضنّون به على أهل هذه الأرض الصغيرة؟

الرسالة الأخيرة للمسيرة أن الوطن ليس سلعة للمساومة والمزايدات. الوطن لا يُهدى ولا يُباع... فهو ليس فندقا للراحة أو شقة مفروشة للإيجار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً