سأتكلم عن عائلة أعرفها حتى لا يقال إني أتكلم من فراغ أو أني نصّبت نفسي مسئولا أو مترافعا عن عوائل الشهداء. مسكينة خالتي أم حميد، فهي كبقية أمهات الشهداء، رحلت عن الدنيا وكانت تأمل أن تزف ابنها الشهيد ابراهيم المادح عريسا في يوم من الأيام لكنها ذهبت بغصتها حزنا وكمدا. ومازلنا نتذكر تلك الأيام الحزينة كيف بقت هذه الخالة الكسيرة في المأتم في صمت... دون أن تتكلم والنساء من حولها يبكين ويلطمن حزنا على رحيل «الشباب». هل يمكن لي ان أنسى سوءات صدام ودموع خالتي وأمي وأمهات الشهداء هذه الصورة مجتمعة مازالت حاضرة في الذاكرة؟.
بقيت الخالة العزيزة طيلة أيام موسم العزاء على رحيل الشهيد صامتة... هول المصاب وفاجعة الحدث منعاها من النطق... لكنها في آخر يوم... نطقت صارخة باسم الشهيد... هنا بكى الجميع لان الشهيد ابراهيم كان بالنسبة لنا كل شيء... والفاجعة الكبرى انه قُتل دون ان يراه احد من العائلة.
قتل غريبا ودفن غريبا وهكذا هو مسلسل الطغاة كيف يحفرون الجروح في قلوب عوائل الشهداء، لذلك لا يمكن أبدا أن نقبل بتشكيل هيئة للدفاع عن صدام أو عن محاسبة تاريخ المنطقة أو أي أمر آخر، لأن الاعتراض هوعلى أساس تشكيل الهيئة بغض النظر عن النيات . فمهما كانت فهي غير مبررة.
هل لنا أن ننسى صدام وما فعله بهؤلاء؟ أليس من حقنا نحن أيضا ان نترافع عن أبنائنا الذين قتلوا وعن أهالينا الذين ذبحوا؟
ضعوا أنفسكم مكان أم ابراهيم التي رحلت دون ان تحظى ولو بنظرة من ابنها. فكيف سيكون شعوركم لو ان صدام كان متورطا في قتل أحد ابنائكم لا سمح الله؟
ألأنه عربي تسقطون كل هذه الجرائم؟ هل هذا منطق؟
وانتم تسطرون لنا آلافا من الخطب التنظيرية في الوطنية والثقافة والتحرر و... بكتابات هنا أو هناك؟
أنا لا أتكلم عن عائلة لا أعرفها ولم أعايشها فقد يقول البعض إنه ينسج قصة عاطفية خيالية... أبدا ابراهيم هو قطعة منا ومن وطننا هو وكل الشهداء... عشنا معه وتربينا معه... أمه اخت إلى أمي مباشرة وبيته في الجهة المقابلة لبيتنا، ولكن الفارق بينه وبيننا انه رحل شهيدا ونحن بقينا نشهد صور مخازي المثقفين كيف تعبث بالثقافة من دون ان تراعي شعور هذه العوائل، ولا أتكلم من منطلق عائلي أو عاطفي وإنما من ناحية مبدئية وموضوعية.
ولا اظن أن أحدا من سترة لا يذكر الشهيد السيد محمد ضياء الستري والذي أيضا قتله صدام، وكذلك الشهيد خليفة الرأسرماني، وابحثوا سترون بيوتا كثيرة لبحرينيين اغتالهم صدام فضلا عن الذين فقدوا في العراق. ومحمد العالي، والزهيري السنابسي ومحمد السرو وآخرون وآخرون... كلهم شباب في عمر الزهور ذبحوا من الوريد إلى الوريد... فهل هؤلاء يسقطون بالتقادم أيضا؟ وتريدون محاكمة التاريخ، تاريخ المنطقة... ما هذا الكلام الانشائي الخرافي... ؟
امتنعوا من الدخول إلى هذه الهيئة الصنمية وارفضوها ذميمة قبل أن ترفع أم شهيد من الشهداء يدها إلى السماء فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. ومازال هنالك مندوحة للتراجع.
وافترضوا جدلا أن الصحافة حورت الكلام وأن قصد الدخول من أجل أجندة خيّرة فذلك أمر خاطئ لأن مجرد الدخول في هيئة اسمها «هيئة الدفاع عن صدام» هو موقف خاطئ. لذلك، بعيدا عن أن الصحافة حورت أو لم تحور فإن مجرد الدخول خطأ استراتيجي كبير يجب الابتعاد عنه ولا يصحح الموقف إلا بعدم الدخول مطلقا لأن هناك من سيستفيد من تشكيل الهيئة لكي يسوّق إعلاميا وسياسيا لأجل صالح بطل العصر وحامي حمى الإسلام وحارس البوابة الشرقية عبدالله المؤمن صدام حسين.
أخيرا، ومادام تقولون إن الصحافة حورت كل شيء فأقل القليل لحفظ البقية الباقية عدم الدخول في هذه الهيئة وهذا ما تتمناه عليكم وترجوه كل الأمه بمن فيها شعب البحرين. الدخول خطأ خطأ خطأ حورت الصحافة أم لم تحور
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 475 - الأربعاء 24 ديسمبر 2003م الموافق 29 شوال 1424هـ