ورشة العمل التي رعاها سمو ولي العهد ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية يوم أمس الاول جاءت تصديقا لما تحدث به جلالة الملك يوم السبت الماضي مع الصحافة عندما قال إن ولي العهد بصدد طرح حلول جذرية لمشكلة البطالة وسوق العمل.
وهكذا كانت الورشة المنعقدة في 23 ديسمبر / كانون الاول في قصر القضيبية والتي استعرضت نتائج الدراسة الموسعة التي أجرتها مؤسسة «ماكينزي» الاميركية المتخصصة في الاستشارات الكبرى. الدراسة اشارت الى ان مئة ألف مواطن سيدخلون سوق العمل حتى العام 2013 وان البطالة ستكون في حدود الستين الفا اذا استمر الوضع الاقتصادي يسير على الانموذج الحالي.
الانموذج الحالي يسير على نهج «مومبي» ويحاول منافسة «مومبي» وهذا هو سر البلاء، بينما ينبغي علينا ان نتجه نحو منافسة «سنغافورة» او اتباع نهج «سنغافورة». والفرق بين الاثنين كبيرا، احدهما يركز على العمالة الرخيصة، وبالتالي فإن المنتجات والمخدمات المستخرجة من هذا النهج تعني ان ستة من كل عشرة بحرينيين لن يحصلوا على وظائف وان المستوى سيتدنى كما تدنى خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية بمقدار 19 في المئة. والثاني انموذج يحتذي نهج سنغافورة ويركز على المهارات العليا وعلى الانتاجية وعلى الحد من العمالة الرخيصة بسقف اعلاه 25 في المئة بينما لايضع سقفا لاستجلاب العمالة الماهرة والخبرات المتقدمة من الخارج.
ولكي نتأهل لانموذج سنغافورة فاننا بحاجة إلى إرادة وطنية عامة تفضل ان تضحي على المدى القريب لتستفيد على المدى البعيد وبشكل مستديم.
إن موضوع الانتاجية يعتبر من أهم الموضوعات التي يحتاج إليها أي بلد يسعى إلى النهوض باقتصاده ومجتمعه. وكان أحد أسباب النهضة اليابانية استعانتها بعد الحرب العالمية الثانية بأفضل العلماء الإداريين الأميركان الذين رشّدوا السياسات والخطط التنفيذية للحكومة اليابانية وللقطاع الخاص. ومازالت أفضل جائزة في اليابان يحلم بها اليابانيون المشرفون على اقتصاد البلاد وإدارة انتاج الشركات هي «جائزة ديمنغ». و«ديمنغ» هو أحد العلماء الأميركان الذين ادخلوا مفاهيم الإدارة والانتاجية إلى اليابان وأصبحت الأساليب والاجراءات التي نقلها إلى اليابان مثل الكتاب المقدس للصناعيين والإداريين في مختلف المجالات.
المفاهيم التي طرحها «ديمنغ» مازالت من أهم المفاهيم المتداولة في الإدارة والانتاج، وتبعه عدد غير قليل من العلماء الأميركان في ترشيد السياسة اليابانية طوال فترة الخمسينات من القرن الماضي. وما هي إلا عشرون عاما واذا بعملاق اقتصادي ينهض ليتسلم الموقع الثاني (بعد الولايات المتحدة الأميركية) في حجم الاقتصاد.
الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كان من أنجح الرؤساء الأميركان في المجال الاقتصادي وحقق لأميركا فائضا كبيرا عندما ترك الرئاسة (يقدر بمئتي مليار دولار) لكن هذا الفائض تراجع في عهد جورج بوش الابن إلى عجز يقدر بأكثر من ضعف ذلك الرقم. وكلينتون قال انه تأثر بكتاب لأحد علماء الإدارة الأميركان اسمه «ديفيد أوزبورن» عنوانه: «إعادة اختراع الحكومة». وإعادة الاختراع تعني ان على الحكومات ان تفترض عدم وجود حكومة وتخترع حكومة أخرى للقيام بمهماتها في العصر الحاضر. فقد لاحظ «أوزبورن» أن البيروقراطية المركزية لا يمكن بأي حال ان تسمح بقيادة متطورة لشئون الدولة. وعليه اقترح وضع التخطيط الاستراتيجي في قلب العمل الحكومي، وربط ذلك بالانتاجية من خلال تحديد مقاييس للأداء ولجودة الأداء في كل دائرة ومؤسسة. وركز أعمال الحكومة في المحاور الجوهرية ودعا الى تخليها عن كثير من الاجراءات البيروقراطية.
اننا بحاجة إلى علماء الإدارة وخبراء الانتاجية في البحرين بشكل أكبر هذه الأيام، فمن خلالهم نستطيع أن نوفر على أنفسنا الكثير ونركز على ما ينفعنا ضمن توجه استراتيجي واضح يعتمد المواطن وامكاناته أساسا للتنمية... وهو ما ينبغي ان نسعى إليه جميعا. وحسنا فعل مجلس التنمية الاقتصادية عندما استفاد من خبرات مؤسسات دولية مرموقة لتطوير سبل حل المشكلات الاقتصادية في بلادنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 475 - الأربعاء 24 ديسمبر 2003م الموافق 29 شوال 1424هـ