العدد 475 - الأربعاء 24 ديسمبر 2003م الموافق 29 شوال 1424هـ

أدونيس وهيمت في برزخ اللون والكلمة

في معرض مشترك انحازت إليه عمّان

معرض مشترك وابداع يرتقي الى حد الجنون وفيه تؤكد تجربة البرزخ للشاعر العربي السوري ادونيس والفنان العراقي هيمت محمدعلي التي تقام في جاليري 4 جدران على سحر السطح البصري وتأثير الكلمة، وان اجتماعها غذاء روحي يمنح المتلقي توازنا وقيمة بالثالوث، الكون، الانسان، الزمن.

ثمانية وعشرون عملا بين لوحة وموتيفات طولية بالاضافة الى قصيدة الشاعر ادونيس البرزخ التي رقشت على احد جدران الجاليري وعرض تلفزيوني يتضمن مقاطع من سيرة الفنان والشاعر جميعها في صالة واحدة «يسعى منها الى خلق بؤرة للاحساس باثر الاشياء وفلسفتها كونها لم تلازم الانسان اعتباطيا».

وبانشغال الشاعر بتحويل حروفه وكلماته الى سطوح لونية والفنان باستبدال خطوطه باحرف مبهمة وكتابات طارئة امر يكشف عن التأهل العميق لرؤية الاثنين فضلا عن تشابك الحقلين الازلي، وهما صورة للشرط الجمالي الملازم لمخيلة الانسان.

يقترح ادونيس في اعماله التي تضمنت الكلمة الى جانب توليفة جمع فيها خامات كثيرة، استقلال الانسان وفكره من زمنه، فالاعمال تنتمي الى عقد الطفولة وعشوائية الحياة حيث لا شيء مركزي في الاعمال سوى الانسان المشغول بجمع من خامات مختلفة.

وبكشفه عن هشاشة قدرة الانسان التي عبر عنها من خلال بناء هش، يحافظ بالمقابل على امكان الانسان على المجابهة بانسانيته وتطوره بفكره الذي عبر عنه بالكلمة ومدى تأثيرها في تحريك الجسد فعلا وحيوية وامرا نافذا ولغة للتواصل والتفاهم.

ينطلق ادونيس من الكلمة متوخيا تأثيرها لكنه باضافته الخامة الموحية باشكال آدمية يهدف الى تحصيل السحر وفك بعض الاسرار.

الى ذلك ينشغل هيمت بفعل وسحر اللون مستندا الى استحضار فعل الزمن، اللحظة، الصباح والمساء، الليل والنهار ضمن تحريك مساحات هندسية هدف منها جلب حال زمنية أو زمنية مقرونة بطبيعة حية مجردة.

ففي الاعمال تجد ازاحات او تجاوزات هندسية ترتيبها موسيقي وتلاشي ثيماتها يترك احساسا بقيمة الزمن، وتدرج قيمها اللونية المتنوع يربط كل مساحة بزمن ما مثل «خريفي مقمر أو ربيعي نقي أو صيفي براق وما الى ذلك من اللحظات الزمنية التي نعيشها».

ويربط هيمت بين كل تلك المساحات بخطوط لا هي بحروف او كلمات لكنها اللغة السرية التي تلظم المساحات الكبيرة وهي القنوات التي تقود الى سراديب الزمن المتعدد.

هيمت قال لـ «الوسط» عن تجربته «مجموعة الاشياء تحتشد في الذاكرة، الحاضر، الماضي والمستقبل جميعها في الاعمال لكنها منعكسة من روح داخلية ورؤية صوفية، روحانية، انطلق من فكرة صغيرة عابرة لتكبر عالما، بصريا» و«البحث يعتمد اخراج النصف المخفي للفكر وهذا ما فكرت فيه في لحظة ما ربما عصيا على التفسير لكن لا بد ان كل عمل سيلتقي مع مخيلة ما، ابحث عن الادهاش، هذا مصير ما يجول في المخيلة، والمحزن من الافكار.

يذكر ان ادونيس هو علي احمد سعيد إسبر ولد في 1930 بقرية قصابين السورية. تبنى اسم ادونيس الذي خرج به على تقاليد التسمية العربية. تابع دراسته الجامعية في قسم الفلسفة بجامعة دمشق في سنة 1956 اتجه نحو بيروت إذ بدأ حياة شعرية وثقافية جدية وحاسمة، من خلال مساهمته المستمرة في مجلة شعر الى جانب يوسف الخال.

اسس مجلة مواقف في 1968 التي اجتمع حولها مثقفون وشعراء من المشرق والمغرب. غادر بيروت في 1985 متوجها إلى باريس بسبب ظروف الحرب.

حصل على عدد كبير من الجوائز من ابرزها الجائزة الكبرى ببروكسيل 1986. التاج الذهبي للشعر مقدونيا - اكتوبر/ تشرين الأول 97، جائزة جان مارليو للآداب الاجنبية - فرنسا 1993، جائزة فيرونيا سيتا دي فيامو روما - ايطاليا 1994، جائزة ناظم حكمت اسطنبول 1995. وغيرها جائزة نونينو للشعر - ايطاليا 1998.

صدرت له قصائد اولى، اوراق في الريح، اغاني مهيار الدمشقي، كتاب التحولات والهجرة في اقاليم النهار والليل، المسرح والمرايا، وقت بين الرماد والورد، هذا هو اسمي، مفرد بصيغة الجمع، كتاب القصائد الخمس، كتاب الحصار، شهوة تتقدم في خرائط المادة، الاعمال الشعرية الكاملة ديوان ادونيس، الثابت والمتحول، بحث في الاتباع والابداع عند العرب، كلام البدايات، الشعرية العربية، صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري، فاتحة لنهايات القرن، ها أنت ايها الوقت... وغيرها من الكتب.

هيمت محمد علي ولد في كركوك في العراق العام 1960 عضو الرابطة العالمية للفنانين، حصل على مرسم في المدينة العالمية للفنون في باريس من العام 1992 وحتى العام 1995 مقيم ومتفرغ للعمل الفني في باريس.

اقام نحو 27 معرضا فرديا واشترك في عشرات المعارض الجماعية في مختلف انحاء العالم وله مقتنيات في متاحف الفن الحديث في بغداد، العالم العربي باريس، الشارقة، المكتبة الفرانكفونية، ليموج، فرنسا، المكتبة الوطنية، باريس، مؤسسة خالد شومان.

صدر له الكتب: فهرست لاعمال الريح شعر ادونيس، الافق شعر زينو بيانو، الى ما لا نهاية شعر اندريه فيلتير، الرغبة المطلقة شعر اندريه فيلتير، الليل ذلك الفجر الآخر شعر ادونيس، العشب المجنون شعر اندريه فيلتير.

من جانبه يطرح الشاعر جهاد هديب سؤال الابداع المشترك ويقول:

هل ثمة عبور من نوع ما لبرزخ يصل الحياة بالموت؟ أهو جسر هذا البرزخ ام نفق؟ وهل هناك اي هدف من هذا العبور يصبو اليه الانسان في سعيه الى اجابة عما هو غامض وخفي في الكون؟

لا اجابة يقدمها المعرض المشترك الذي يحمل عنوان «البرزخ» ويجمع الرسام العراقي هيمت محمد علي الى ادونيس ويضيف : لجهة التوصيف، اشتمل المعرض على اعمال فنية لكل من ادونيس الشاعر وهيمت الرسام مثلما اشتمل على عمل غرافيكي مشترك هو عبارة عن مطوية لنص بالعنوان نفسه «البرزخ» لأدونيس نفذه هيمت ولوحات صغيرة الى جواره خط عليها ادونيس شعرا بيده.

غير ان «البرزخ» في المعرض وفي النص ليس سوى فكرة تجد جذرا لها في ما قاله المتصوفة العرب المسلمون عندما ذهبوا الى ان البرزخ لا يمكن بلوغه الا بالموت... انه صبوة الباحث عن الضوء في آخر « نفق» وجوده المحض... هذا الوجود الذي هو «علقة» العيش في العدم والمعرفة و«علقة» الموقف منهما.

وتكشف اللوحات القليلة لادونيس في المعرض عن رسام غير محترف... انه يستخدم تقنية هجرت في الغرب إذ يقيم ادونيس منذ الستينات من القرن الماضي وتعرف بتقنية اللصق أو الكولاج بهدف استحداث الشكل على السطح التصويري مستخدما في ذلك ورقا مقوى وقماشا «غالبا من الخيش» وسواهما.

ومثلما أن شعر ادونيس قائم في الاشارة والالماح فانه قد سعى الى ذلك في استحداث الشكل... غالبا ما اشار الشكل أو وشى بشيء يجمع التعبيري الى التشخيصي على نحو لا يصرح بالهيئة واقعية كانت أم فانتازية غير ان هذا الصنيع هو اكثر قربا الى الاطفال عندما تلح عليهم حاجة التعبير عن انفسهم واكثر بعدا عن طبيعة استخدام اللغة بوصفها جملة بنى تركيبية ونحوية في المنجز الشعري الاودنيسي اجمالا.

ربما يصح ان اللوحة واستحداث الشكل عند الشاعر اكثر صفاء وبراءة وعفوية مما هو في الاستخدام اللغوي... وما يشير الى ذلك وربما بوضوح بالغ ان ادونيس يجعل من اجساد شخوصه أو مفرداته التشكيلية على السطح التصويري رقاعا لكتابة الشعر في خط جميل ومقروء، انه الوشم على جسد اللوحة.

غير ان هذه اللوحات من الصعب ان يكتشف المرء لها جانبا تعبيريا او موحيا او دالا بالتأويل فحسب ذلك ان الامر احيانا يحتاج الى افراط في التأويل ليس للكشف عن المعنى ناجزا بل لاستقصائه في اللوحة بما يصب في الدلالة الواسعة والكبرى للمعرض





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً