لعل أداء مجلس النواب يتعرض لغبن شديد من قبل الإعلام المقروء ولاسيما الأقلام الصحافية وكتاب الأعمدة، ما ساعد في خلق انطباع غير صحيح عند شرائح من المجتمع البحريني يتبنون ما يروج له الاعلام بصورة آلية من دون التثبت أو حتى التأني، فقد كثر من يتهمون النواب بعدم طرحهم القضايا التي «تهم» المواطنين، وانجرارهم في مقابل ذلك الى قضايا«هامشية» لا تستحق أن ترقى لتكون من الموضوعات التي يتدارسها ممثلو الشعب، لذلك رغبة في احقاق الحق وتوضيح حقيقة الصورة وجدنا أنه من الواجب التوقف لندلو بدلونا لعل الله أن يكشف للناس حقيقة ما يجري داخل مجلس النواب وما يبذله النواب من جهود للنهوض بأوضاع مواطنيهم.
أولا، بالنسبة إلى ما يروج من عدم اهتمام مجلس النواب بالقضايا المعيشية الملحة التي تهم المواطن البحريني وترفع من مستوى دخله نجد أن هذا القول لا يصمد مطلقا أمام قليل من التدقيق، إذ ان القول بأن الاهتمام بقضايا «هامشية» مثل «نانسي»، والنقاب، واللحى هو أمر منزوع من سياقه، نعم بحث مجلس النواب هذه القضايا، وعلى رغم كوننا لا نتفق مع من يقول انها قضايا هامشية، فإنها مجرد نسبة صغيرة لا تتعدى 5 في المئة مما يتم بمحثه في المجلس، فضلا عن أن عملية بحثها لا تأخذ حيزا وقتيّا كبيرا ولا تضيع وقت المجلس كما يقال، بل إن الذي يعطيها هذه الأهمية هم كتاب الأعمدة والأقلام الذين يتحينون الفرص لكي ينقضوا على أداء البرلمانيين بشكل غير حيادي وغير مبرر، وبشكل أشبه «بنظرية الدومينو» في أنه ما ان يتلمس أحد غيره يكتب عن موضوع فلا يلبث أن يأخذ طرف الخيط ويكتب بدوره عن نفسه الموضوع بصورة شبه آليه ورتيبة، أما إذا حقق المجلس نجاحا ما فلا نجد أحدا ينبس بكلمة ويثني على النواب، إلا ما رحم ربي.
فقد خطا المجلس خطوات جديرة بالاشادة في سبيل تحسين أحوال المواطنين، على رغم أن المطلوب هو المزيد والطريق لايزال في حاجة للخطى، فمثلا لو ألقينا نظرة سريعة على ما تقدم به نواب الأصالة (بصفتي أمين سرها) من مشروعات تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين نجد مثلا مشروعا بشأن سن أول قانون للضمان الاجتماعي في المملكة، إلغاء الفوائد الربوية على قروض الاسكان وقروض موظفي الدولة، رفع الحد الأدنى لرواتب موظفي الدولة على جدول الدرجات الاعتيادية للمدنيين والعسكريين، اقتراحا بانشاء مدينة سكنية متكاملة في المحافظة الجنوبية، خفض سن التقاعد للمرأة العاملة... وغيرها الكثير، كما تم يوم الثلثاء 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري الموافقة على الاقتراح برغبة بشأن خفض تعرفة الكهرباء لذوي الدخل المحدود والمتوسط بغالبية نيابية مطلقة، كما تقدم الاخوة في المنبر الوطني الاسلامي بمقترح قانون للتعامل مع قضية الفساد.
فمن أهم هذه المشروعات هو مشروع بسن أول قانون للضمان الاجتماعي في البلاد إذ بموجبه تتكفل الدولة باثنتي عشرة فئة من العاطلين والأرامل والمتقاعدين والمطلقات والأيتام وغير القادرين، على أن تدفع الدولة إليها معاشا شهريا يتراوح بين 75 و150 دينارا، كذلك مشروع رفع الحد الأدنى لرواتب الموظفين الحكوميين الشاغلين للوظائف العمومية والاعتيادية ليكون 200 دينار بدلا من 150 دينارا وقد انتهت لجنة الخدمات بمجلس النواب من اعداد تقريرها النهائي بخصوص المقترحين، وتم تحويلهما إلى اللجنة المالية والاقتصادية آملا في أن يعرضا على المجلس قريبا.
فأين الاعلام إذا؟ أليس هذا اجحاف وتعتيم لا نعلم هل هو مقصود أم لا؟، فالإيجابيات التي يحققها المجلس لا نجد من يثني عليها أو حتى يتعامل معها بموضوعية، أما السلبيات، فعلى رغم عدم اتفاقنا على معيار لتحديدها، نجد أن الجميع يتصيدها ويبالغ بشأنها، نعم لا يملك المجلس عصا سحرية يقول بها للشيء كن فيكون، ولكن يوجد جانب «فني» يغيب عن أذهان الكثيرين، وهو أنه هيئة تشريعية، يشرع قوانين ويراقب أعمال الحكومة، وليس من سلطاته تنفيذ رغباته على أرض الواقع، فهذا أمر من صلاحيات الحكومة، فتحويل قراراته إلى واقع عملي من مهماتها وهي بهذا تأخذ الكثير من الوقت، في بعض الأحيان تأخذ فصلا تشريعيّا كاملا حتى تتحول الى واقع، لذلك لا يستقيم السؤال الذي يردده كثيرون: ماذا حقق المجلس لنا؟ غير مدركين أن الأمر ليس كن فيكون.
ثانيا، أما «المطربة اللبنانية»، واللحى، والنقاب، فهذه ليست موضوعات هامشية كما يحلو للبعض القول، فنحن نواب الشعب، وحين نحاول الاعتراض على مطربة مشتهرة بالخلاعة لا نحاسب أحدا سوى المسئولين عن السياسة الاعلامية في بلادنا التي لا نرضى عن الكثير منها، فالسماح لحفلات الخلاعة جزء من فساد أخلاقي كبير انتشر في البلاد وأزكم الأنوف، وما فعلناه هو جزء اساسي من حقنا، فضلا عن أنها كانت مطلبا للكثير من المواطنين الذين انتخبونا لنمثلهم، ومن ثم ليس هذا فرضا للأخلاق بالقوة كما يدعي البعض، فما فعلناه ليس سوى ألف باء الديمقراطية، إذ رفعنا رغبتنا الى البرلمان، ممثل الشعب، ليقول كلمته فإذا وافق مرر وإذا لم يوافق لم يمرر... أليست هذه هي الديمقراطية!... نحن إذا أكثر ديمقراطية من المتشدقين بها، الذين لا تتعدى أفواههم، وما أعطى هذا الموضوع هذه الأهمية ليس نحن وانما الكتاب الذين ملأوا عشرات الصحف وسكبوا الأقلام لينددوا بما فعله النواب، في حين ان موضوع مثل الغاء الفوائد على قروض التقاعد أو اعطاء مزايا تفضيلية للمتقاعدين، أو الضمان الاجتماعي أو خفض رسوم الكهرباء... لم تحظ بهذا الاهتمام أبدا بل يوجد الكثيرون لا يعرفون عنها شيئا أصلا.
أما بخصوص اللحى والنقاب، فما أردناه ليس هو الرغبة في فرض اللحى أو النقاب على البحرينيين، بل نحن أردنا مجرد عدم التضييق على أصحاب اللحى والنقاب، ألم ينص الدستور في المادة (22) على «حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد»، نقول ذلك ونحن في بلد «إسلامي»! أين هي الهامشية إذا، أليس ذلك مظهرا من مظاهر حماية الحقوق والحريات المفترض اتاحتها للمواطنين، ألا ترون أنه في الغرب تثار حاليا قضية الحجاب على أعلى المستويات وتحظى باهتمام ضخم في مختلف دوائر صنع القرار، لماذا لم يعترض أحد هناك ويقول إنها قضية هامشية؟! فطالما أنها قضية تهم الناس فهي إذا جديرة بالاهتمام، أيتم العويل بشأن محاولتنا منع مطربة مثيرة للشبهات من الغناء ولا ينبس أحد بكلمة بشأن التضييقات التي يتعرض لها أصحاب اللحى والنقاب في بعض مؤسسات الدولة... أنصفوا يا قوم.
في النهاية أدعو كل مخلص غيور على وطنه إلى أن يراعي الله فيما يكتب عن النواب، فنحن نرحب بالنقد، وما نرفضه هو التشويه المبني على عدم التدقيق أو الانفعال، لا ندعي الكمال لنا أو للمجلس، فالكمال لله وحده، ولكننا نناشد المجتمع أن تخلص النية لله عز وجل، وأن تتكاتف الأيدي للنهوض بالوطن ككل بكل فئاته، لأن مهمة تطويره ليست مهمة النواب فقط ولكنها مهمة الجميع
العدد 474 - الثلثاء 23 ديسمبر 2003م الموافق 28 شوال 1424هـ