اتصللي قبل أيام أخي عبدالعزيز وبارك لي بالسنة الجديدة، ثم قال: بارك لي، فقلت: على ماذا؟ فقال: على ولادة بقرتي فقد أهدتنا صبيحة هذا اليوم عجلا جديدا... كم هو رائع هذا الصغير إذ إن لونه جميل يجمع بين السواد والبقع البيضاء.
إن ميلاده في هذا اليوم يؤكد بالنسبة لي بداية خير وأنا متفائل بالعام الجديد، ثم قال بعد ذلك بنبرة حزينة: إلا أنه كما يبدو أن البقرة غجرية ترفض أن يقربها صغيرها وترفض أن يلمس ضرعها وخوفي أن يموت من الجوع، فقلت ربما يعود ذلك إلى حداثة ولادتها ووضعها النفسي لكنها ستتحسن في النهاية ولا تحزن واستخدم «مرضعة» أطفال مع الحليب الصناعي لبضعة أيام، فإن هذه الغجرية ستلين من دون شك في النهاية... لكن السنين تمر بعد السنين ومنذ أن حكم كثير من القياديين العرب وهم يفوقون البقرة الغجرية في ركوب رأسهم بحيث لا يعترفون بالحقوق المشروعة لشعوبهم فهم يرفضون أن يعطوا شيئا مما بين أيديهم لشعوبهم على رغم أن ذلك حق مشروع لهم. والبقرة الغجرية التي لديك لا حق لصغيرها في حليبها. وكثير من القادة التقليديين يمنعون إعطاء شعوبهم من ضرع الأرض التي تعطي نفطا مدرارا وأنواعا أخرى من الموارد، وهم يعتبرون ذلك إرثا كاملا ورثوه. وعلى رغم تطور الفكر والوعي، وعلى رغم بلوغنا القرن الحادي والعشرين وعصر بروز النظام الديمقراطي في مختلف مناطق العالم بما فيها دول متخلفة مثل الدول الإفريقية التي على رغم صراعاتها وقبليتها فإنها جميعا ذات أنظمة جمهورية غير أن (ربعنا) في العالم العربي مصرون على مواصلة أسلوبهم الغجري.
قلت لأخي: أراهن على أن بقرتك الغجرية هذه ستفيق عن غيها واستمرارها في العناد وسترضخ في النهاية للأمر الواقع وتعود إلى العطاء لكن الذي لا يستفيق من غيّه هم أولئك القادة الذين يصرون على نهب المال العام ومحاربتهم لكل أشكال الإصلاح والانفتاح ليضيفوا إلى ملياراتهم مليارات أخرى على حساب قوت الشعب ليرحلوا في النهاية تطاردهم لعنات شعوبهم، تاركين كل تلك الثروة لعدد قليل من ورثتهم الذين هم في غنى عنها لأنهم أثروا من خلال نهبهم كذلك وبحماية منهم، وأعوذ بالله من هؤلاء الذين لا يملأ عيونهم إلا التراب
العدد 474 - الثلثاء 23 ديسمبر 2003م الموافق 28 شوال 1424هـ