استوقفني مقال رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري عن «الكلمة الحرة مسئولية الجميع». وبما أنني أحد كتاب البحرين الذين عانوا كثيرا من اجراءات منع نشر مقالات في الشأن المحلي، وصلت إلى درجة الاستبعاد عنالكتابة في بعض الصحف المحلية اليومية، من دون ابداء الأسباب قبل صدور «الوسط». هذا الاستبعاد القلمي اثار فضولي ما جعلني أتحرى أسباب الاستبعاد أو المنع. وكانت نتيجة تحرياتي الواسعة مذهلة، إذ اتضح جليا أن الملام في اتخاذ هذه الاجراءات الغريبة، ليس فقط قوانين السلطة الاعلامية المقيدة وغير المنصفة، ما انعكس سلبا على مستوى إدارة الاعلام البحريني، ربما بدافع الحفاظ - من منظورهم الخاص - على المصالح الذاتية. تصوروا أن بعض الموضوعات لا تستدعي حتى ايجاد المبررات لوقف نشرها، فهي تتناول إما شأنا عالميا أو محليا يتم تداوله على مستوى الجماهير أو متفق عليه محليا، وليس له أية علاقة بتوجيه النقد أو الاتهام للسلطة، ولكن تقدير الأمور سطحي جدا ربما يرجع ذلك إلى مستوى فهم الحرية. والسؤال ما فائدة الصحافة إذا لم تعبر عن رأي الجبهة العريضة من الجماهير؟ وهل تظل الصحف والأقلام الحرة المستقلة موضوع شك من السلطة الاعلامية والمسئولين في الصحف اليومية وإلى متى؟
ولكن ماذا تعني كلمة الانفتاح السياسي؟ إذا استثنينا الديمقراطية والشفافية من المربع، نلاحظ كمراقبين أن هناك دولا خليجية معينة لم تصل الى مستوى الديمقراطية البحرينية، ولم تحقق اصلاحات سياسية مهمة كما فعلت البحرين، ولكنها وصلت إلى اعلى درجات الانفتاح السياسي، وتتمتع بحس واقعي لفهم الأمور ومدلولاتها. وخير مثال على ذلك قطر ودبي ويضاف إليهما أبوظبي التي تنتهج سياسة اعلامية منفتحة ومتوازنة، ولم تفكر يوما من الأيام في اصدار قوانين اعلامية مقيدة وخانقة للرأي الآخر.
البحرينيون يخجلون من مستوى أداء وسائل الاعلام البحرينية، الرسمية، وخصوصا إذاعة وتلفزيون البحرين اللتين لا تمتان بصلة لاستطلاعات وآمال الجماهير العريضة من الشعب البحريني، وإذا ما أجري استطلاع جماهيري محايد وحر في البحرين عن مستوى وأداء تلفزيون وإذاعة البحرين والصحف المحلية، حتما ستكون النتيجة مخيبة لآمال السلطة الاعلامية في البحرين، لان الجماهير البحرينية ستصوت لوضع وسائل الاعلام البحرينية في آخر قائمة وسائل الاعلام العربية، الواقع أن وسائل الاعلام البحرينية أصبحت مملة وركيكة لتكرار الموضوعات نفسها والوجوه والحوادث في برامجها والتي لا تضيف شيئا ذا معنى يخدم مصالح الناس وسعي الفرد البحريني لتحسين متسوى معيشته، أو لا تطور من مستوى البحريني فكريا وثقافيا. وبسبب شغوف البحرينيين للمعرفة تجدهم يلجأون إلى محطات فضائية تحظى بشعبية لقياس الحقيقة والكلمة الصادقة.
الانفتاح السياسي الذي تشهده الهند حاليا الذي لا مثيل له في العالم، على سبيل المثال، بعد أن كانت دولة اشتراكية مغلقة في فترة حكم انديرا غاندي. ذلك الانفتاح شاركت فيه جميع الاتجاهات السياسية الهندية الممثلة في الاعلام الهندي والعالمي المستثمر في الهند، وتسابقت الشركات الاعلامية الكبرى من أميركا وبريطانيا واستراليا واليابان، بحيث إن يكون لشبكاتها الاعلامية السبق الاعلامي في الهند، ووصل الأمر إلى مشاركة رؤوس أموال عالمية قوية في مشروعات الشبكات الهندية مثل ستار تي في وزي تي في وسوني تي في وغيرها. الهند سمحت لكل طائفة وديانة وعرق أن تكون له وسائل الاعلام الخاصة بها ما جعل الفرد الهندي الفقير المعدم يحرص على متابعة وسائل الاعلام هذه، السؤال هو أين العرب من هذه الحوادث والتطورات الاعلامية التي تمر بها الهند وماليزيا؟ لماذا هذا الغياب؟
الحقيقة أن الشلل الذي سببه قانون الصحافة والنشر البحريني الجديد، مرده الى عدم ادراك السلطة الاعلامية البحرينية للتغير الذي طرأ على وسائل الاعلام العالمية، أو أنها لا تملك روح الانفتاح السياسي أو أنها لا تؤمن بالشفافية كحل وحيد لتطوير وسائل الاعلام البحرينية ونحن الآن ندخل القرن الواحد والعشرين، قرن الانفتاح والعولمة والقرية الكونية، وسهولة الوصول إلى المعلومة والحقيقة. الاعلام البحريني بحاجة ماسة لبناء الثقة بالجمهور، لكي يحظى بالقبول الجماهيري، للتغلب على ظاهرة عزوف غالبية سكان البحرين عن مشاهدة أو سماع تلفزيون أو إذاعة البحرين أو قراءة الصحف اليومية المحلية. المقاطعة والعزوف دليل آخر على اهتزاز الثقة بين الجماهير بتلك الوسائل الاعلامية، ويجب القيام بمبادرة ملموسة لاستعادة بناء الثقة، فتأخر الاعلام البحريني يعني من ضمن أمور أخرى خسارة سوق الاعلان المحلية والدولية، ووقف تطور وانتشار وسائل الاعلام البحرينية على المستويين الخليجي والعربي. الصحف البحرينية هي الاخرى في ازمة والدليل على ذلك انها لا تقرأ في دول الخليج والدول العربية كمثيلاتها من الصحف العربية الصادرة من بعض الدول الخليجية والعربية أو الصادرة من لندن أو باريس. واذا استمر الحال على ما هو عليه، فان هذا يعني انه لا يوجد أمل في تغيير السلطة الاعلامية لذلك القانون بسبب شلل المجلس الوطني الذي لا يستطيع تمرير قرار بهذا الحجم.
الاعلام المنفتح والكلمة الحرة ضرورية لتحقيق اعلى مستوى مطلوب من التنمية المستدامة. المشكلة هي كيف يمكننا تحويل البحرين إلى مركز دولي للاعلام والمعلومات والنشر من دون انفتاح سياسي، ونحن نلاحق الكتب المستوردة لأتفه الأسباب، ونعمل على تقييد حركة شركات اعلامية واخبارية عالمية، لكي تهرب تحت جنح الظلام إلى دبي. اذكر انه قبل انتقال شركة تلفزيون الشرق الأوسط من لندن الى دبي، كانت تبحث عن مركز لها في ارض عربية يتمتع أهلها بالثقافة والوعي الاعلامي، ووجدوا أن البحرين افضل موقع لأنشطتهم وتحظى بتلك المواصفات والمعايير، لكن ماذا حدث بعدها؟ ولماذا قرروا الهروب الى دبي، طبعا لم يوضحوا السبب، ولكنني اعتقد أن السبب هو تقييد حريتهم الاعلامية وخصوصا بعد انطلاق قناتهم الاخبارية الحرة التي تسمى «العربية». النتيجة هي انعدام ثقة الشركات الاعلامية العربية والمحلية في البحرين.
ظاهرة هروب وسائل الإعلام الدولية من البحرين إلى دبي شملت أيضا شركات السياحة العالمية الكبرى من البحرين. للأسف الشديد وبكل أمانة وصدق، هذا تصديق مني على خسارة البحرين لموقعها الاستراتيجي في الاعلام العالمي ومركز لوكالات الأنباء العالمية، ولا ادري كيف يمكن استردادها؟ هل يتوجب علينا اعادة هيكلة وزارة الاعلام وجلب العناصر البحرينية المتخصصة والمؤهلة في المجال الاعلامي؟ أو نحتاج الى إدارة اعلامية جديدة واعية وملتزمة ومدركة مصلحة المواطن والوطن. الأمر المؤسف له أن اصحاب المطابع البحرينية والكتاب يشعرون بالاحباط الشديد، فقد شرح لي بعضهم أن هذه المهنة ستزول من البحرين إذا لم يستطع أصحاب المطابع التوسع في حقل الطباعة و لم يسمح لهم طباعة الكتب والملصقات والكتيبات التي تمنع معظمها لأسباب واهية، وما قاله الأخ منصور الجمري في مقاله حقيقة لا غبار عليها فقد انتقل بعض أصحاب المطابع البحرينية إلى دبي، واستطاعوا تحقيق أرباح مذهلة من طباعة الكتب هناك. السؤال الأخير الذي يطرح نفسه بكل نجاح هو: إلى متى سيستمر هذا الركود المذهل في مستوى الثقافة والاعلام والفكر في البحرين؟
العدد 474 - الثلثاء 23 ديسمبر 2003م الموافق 28 شوال 1424هـ