انعقدت يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول في مدينة حلب الجلسة الثالثة للمحكمة العسكرية، التي تحاكم أربعة عشر متهما من نشطاء المجتمع بسبب توجههم الى حضور محاضرة في منتدى عبدالرحمن الكواكبي، وجرى تأجيل المحاكمة الى الشهر المقبل، لأن القاضي قرر رفع الأوراق للتدقيق ودراسة أقوال الدفاع الذي قدم مذكرة باسم المحامين، فند فيها أصول وقانونية المحاكمة، وعدم دستورية الاستناد الى قانون الطوارئ، وعدم مشروعية الاخير أصلا.
وطبقا لما يراه محللون سوريون، فإن محاكمة نشطاء حلب، هي محاكمة سياسية بامتياز، بالاستناد الى معطياتها الاساسية بما فيها حيثيات وترتيبات القضية ومجرياتها، اضافة الى ما يحيط بها من تفاصيل وخصوصا لجهة حملة التضامن الحقوقي والشعبي التي ترافق المحاكمة، إذ تطوع للترافع عن النشطاء أكثر من مئتين وخمسين محاميا، إضافة الى نحو الف من نشطاء المجتمع، وفدوا من مختلف المحافظات للاعتصام أمام المحكمة العسكرية تضامنا مع النشطاء في الجلسة الاخيرة، التي انتهت بالتأجيل في مؤشر الى ان المحكمة غير راغبة بالتسرع في إصدار أحكام، او انها تحتاج الى افق او قرار سياسي، لم يتوافر بعد.
وربط المحللون محاكمة النشطاء بموضوع الاصلاح السوري الذي جرى الكلام وعنه خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ ظهر توافق بين السوريين جميعا للقيام به على رغم الاختلاف على أولويات ميادينه وطرق الوصول إليه، وهي اختلافات، قيل انها تفصيلية في مقابل الاجماع السوري المغلف بالقلق من الوضع الراهن، ورغبة الخروج منه، وجعل سورية والسوريين أكثر قدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الراهنة.
والصورة السورية الحالية، يمكن اختصارها في استمرار دعاة الاصلاح على رفع مطالبهم، التي تتشارك في إعلانها جماعات سياسية معارضة أبرزها التجمع الوطني الديمقراطي الى جانب أطراف في الجبهة الوطنية التقدمية، التي يقودها حزب البعث الحاكم بينها الحزب الشيوعي السوري الذي طالب أخيرا بإلغاء العمل بالقوانين الاستثنائية، وكذلك منظمات وهيئات أهلية ومدنية بينها جماعات حقوق الانسان ولجان احياء المجتمع المدني، التي ينتمي عدد من النشطاء الأربعة عشر الى صفوفها، كما تشارك في طرح شعارات الاصلاح قيادات جماعة الاخوان المسلمين في الخارج بعد ان اعلنت تحولات مهمة في مواقفها السياسية، وتبنشت نهج المعارضة السياسية.
واختصر أحد نشطاء المجتمع شعارات الاصلاح، بأنها تتمثل في رفع حال الطوارئ والأحكام العُرفية، وإرساء علاقة طبيعية بين السلطات الثلاث، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بمن فيهم الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية في سياق محاكمات، تمت في ظل حال الطوارئ ومن جانب محاكم استثنائية، وكشف مصائر المفقودين وحل مشكلتهم حلا إنسانيا مناسبا، وعودة جميع المنفيين أو المُبعدين من دون شرط، واحترام حقوقهم كاملة، وعدم اخضاعهم لأية مساءلة بعد عودتهم، والمساواة التامة بين المواطنين أمام القانون، ومنح الجنسية السورية للمحرومين منها من الأكراد السوريين، واحترام الحقوق الثقافية للأقليات الإثنية جميعا، ورفع القرارات الأمنية التي تحظر على المواطنين حق السفر لأسباب سياسية، وتعديل قانون الأحوال الشخصية وقانوني العقوبات والجنسية بما يكفل المساواة بين الجنسين وإنصاف المرأة، وإشاعة الحريات العامة، والسياسية منها خصوصا، وإصدار قانون يضمن حق تشكيل الأحزاب والجمعيات وحرية نشاطها، وإعادة النظر في قانون المطبوعات، بما يضمن حرية الرأي والتعبير والنشر، وتعديل قانون الانتخابات، بما يحرر العملية الانتخابية من وصاية السلطة عليها.
ومقابل مطالب الاصلاح المطروحة في الصورة السورية الحالية، فإن التجاوب الرسمي يتراوح ما بين تجاهل هذه المطالب التي يغلب عليها الطابع السياسي، وطرح شعارات تتناول الجانبين الاقتصادي والإداري من الاصلاح، وملامسة الاصلاح القضائي بصورة خجولة، ولكنه يترافق مع السكوت على مطالب وشعارات الاصلاح التي يطرحها الشارع، وهو سكوت يتوافق مع هدوء يعكس التردد الرسمي في اتخاذ مبادرة ازاء عملية المضي بالاصلاح، او مواجهة دعاته وشعاراته.
ولا شك، ان التردد الرسمي في خطوات ايجابية وعملية في اتجاه الاصلاح في غير صالح سورية، ليس فقط لان الوقت يمر، بل لان التحديات تتزايد مع الوقت، وتتراكم، بما يخلق ظروفا وشروطا اصعب لمباشرة الاصلاح والسير فيه بالقوة التي تجعل الاصلاح يحقق أهدافه، والسؤال المهم اليوم هل ستحسم سورية ترددها، وتشرع في خطوات جدية باتجاه الاصلاح، وتكون البداية وقف محاكمة نشطاء حلب الأربعة عشر؟
العدد 474 - الثلثاء 23 ديسمبر 2003م الموافق 28 شوال 1424هـ